هل يمتلك الروس حلاً للوضع السوري؟

22

لا يعني مصير الشعب السوري روسيا وأميركا في شكل دقيق، والصراع بينهما يـستـهدف إعـادة اقتسام العالم. والأمـر ذاته تستهدفه الصين، فهي تقف خلف الموقف الروسي في ما يخصّ ســـورية، وبالتـالي تعمل على استقطاب روسيــا لمواجهـة أميركا كذلك.

لكنْ، هناك رأي يفيد بأن الروس هم المتضرّر الوحيد من استمرار الحرب في سورية، فالدولة الروسية مطوّقة بجمهوريات إسلامية، وفي حال تطورت الجهادية في سورية، فإن المجموعات الشيشانية والأوزبكية وسواها ستضرب مجدداً في روسيا، وبالتالي فالروس جادون في الحرب على الإرهاب. النفاق في هذا الرأي، أن الروس وبعد انقضاء زمن على تدخّلهم العسكري، لم تستهدف عملياتهم «داعش» أو «النصرة» أو «أحرار الشام» إلا بنسب محدودة للغاية. وبالتالي، ليست هذه الحجة حقيقية، فالهدف هو إنقاذ النظام، واستمرار الحرب، والتفاوض مع أميركا وأوروبا حول قضايا متعلّقة بأوكرانيا والعقوبات المفروضة على روسيا وسوى ذلك كثير.

وإنقاذ النظام لا يعني بالنسبة الى الروس إنهاء الحرب، والتفاوض المستمر منذ جنيف وحالياً في فيينا، والتعاطي الروسي في كل هذه المراحل يهدف إلى تأهيل النظام مجدداً، ورفض كل حل لا ينطلق من محاربة الإرهاب أولاً. والروس، ثانياً، ساعون إلى إعادة الاعتبار لأنفسهم كما كانوا زمن الاتحاد السوفياتي.

الولايات المتحدة تراقب ذلك، ولا تتعمد إحراج الروس في شكل كبير، والروس يعون ذلك أيضاً، ويعون قدرتهم الحقيقية. فهم حينما صمّم الأميركيون على السيطرة على الكيماوي السوري، استجابوا صاغرين فوراً، وأنهوا القضية في شكل كامل.

فهناك إذاً تخبّط في السياسة الروسية، فهي تستغلّ الاستراتيجية الأميركية الساعية لمواجهة الصين، وفي الوقت عينه تسعى الى العودة دولةً مماثلة في القوة للأميركيين وللصين كذلك. هنا الخطأ الروسي الكبير، فروسيا ليست مؤهلة كبنية صناعية لتكون إمبريالية مماثلة، والممكن الوحيد ضمان مصالحها بما يتوافق مع الأميركيين والصين، ولعب أدوارٍ دولية لتطويق الخلافات بين هذه الإمبرياليات والاستفادة من الثغرات، وتحقيق مصالح روسيا تالياً، ومنها فرض تغيير في سورية بما لا يناقض، بل يناسب، المصالح الأميركية والدول التي تشكّل أحلافاً تاريخية معها، ومنها السعودية وتركيا وقطر وفرنسا.

سياسة الروس إزاء جورجيا وأوكرانيا والآن سورية، ومحاولتها تشكيل حلف رباعي مع العراق وإيران والنظام السوري، وتعزيز صلاتها مع النظام المصري والانفتاح الواسع على دول الخليج، ورفض الانخراط في السياسة الأميركية ومعاداتها، كلها عناصر تقول بعمل موسكو على الاستفادة من ضعف السياسة الأميركية في المنطقة. فالأخيرة تواجه دولة عظمى كالصين، وتعمل على بناء تحالفات دولية لهذه الغاية بالتحديد. وهذا ما يمكن تفهمه من موافقتها على الاتفاق النووي مع إيران وعدم اتخاذ موقف حادّ تجاه السياسات الروسية في أوكرانيا وسورية.

من الخطأ التوهم بأن الأميركيين سيغيرون استراتيجيهم بسبب تخبّط السياسة الروسية. فالأميركيون لا تعنيهم الثورة السورية، لكن من مصلحتهم دمار سورية وتورّط حزب الله وإيران، وربما أرادوا تلقين الروس أنفسهم درساً في السياسة الإمبريالية، بدفعهم ليتورطوا أكثر فأكثر في سورية وهزيمتهم فيها، وحينها سيجبرون على التفاوض مع الأميركيين.

فمفاوضات فيينا قد لا تأتي بحلّ سريع. لكن الروس يعرفون أن استمرار تدخّلهم سيؤدي إلى خسارتهم الحرب وربما كل مصالحهم، ومصلحتهم تكمن في التفاوض واستثمار الموقف الأميركي المؤيد لتولّيهم الإشراف على المرحلة الانتقالية، بل ضمان مصالحهم في سورية.

فليس من حلٍّ لدى الروس للوضع السوري، وهو وضع مثالي لإعادة اقتسام النفوذ مع أميركا والصين كذلك. لكن، ما سيدفع الروس الى التفاوض الجدي هو الصراع العسكري. فهل هذه بداية لفكّ أميركا الحصار عن الصواريخ المضادة للطيران، وتقديم دعم جدّي للفصائل المقاتلة في درعا وبقية المحافظات؟ لا أعتقد ذلك، لكن في الوقت عينه قد يصار إلى تنبيه الروس بحيث يكفّون عن اللعب كدببة.

 

 

عمار ديوب

الحياة