واشنطن تكرر نفسها مع «داعش»

27
في البداية، كانت عملية «أوفرلورد»، ثم جاءت عملية «هزيم الرعد» وعملية «عاصفة الصحراء» وعملية «الحرية الدائمة».
الآن، أفرز القتال ضد «داعش» مفهومًا جديدًا في الحروب الحديثة، يمكنك أن تطلق عليه عملية «التكرار العقيم».
من جهته، صرح الرئيس أوباما، أثناء المؤتمر الصحافي الذي عقده في نهاية زيارته للبنتاغون وطرح خلاله نظرة عامة على التطورات في سوريا والعراق، بأنه «إذا حاولنا القيام بكل شيء بأنفسنا عبر الشرق الأوسط وعبر جميع أرجاء شمال أفريقيا، فإننا بذلك سنتورط في عملية تكرار عقيم لجهودنا».
ورغم أن أوباما سبق له استخدام هذا التعبير، فإن استخدامه هذه المرة جاء لافتًا للأنظار، ذلك أن القائد الأعلى للمؤسسة العسكرية، في زيارة نادرة له لمقر رئاسة وزارة الدفاع، يقف بجانب جنرالات مزدانين بالأوسمة والنياشين ويحملون وجوهًا مكفهرة، ليشبه استراتيجية الحرب بلعبة رتيبة متكررة لا تؤتي نتائج.
من الناحية العسكرية، فإن ما قاله أوباما صحيح، حيث إن الولايات المتحدة ليس بمقدورها قتال الإرهابيين من خلال تصويب الأسلحة ضدهم أينما يطلون برؤوسهم. ومع ذلك، فإن هذه كانت الاستراتيجية الأميركية في سوريا والعراق – وتحارب «داعش» عبر قرابة 5000 ضربة جوية موجهة، بينما لا تبذل سوى القليل للغاية على صعيد القضاء على التهديد بأكمله. فنيًا، يطلق على القتال الدائر ضد «داعش» عملية «العزم التام»، إلا أن «التكرار العقيم» يبدو قريبًا للواقع.
الملاحظ أن أوباما لم يفعل سوى القليل عندما تجاوز النظام السوري «الخط الأحمر» الذي أقره واستخدم أسلحة كيماوية. كما تسبب في تفاقم الأوضاع بالنسبة له عندما اعترف الشهر الماضي، في أعقاب اجتماع في أوروبا مع قادة العالم، بأنه «ليست لدينا بعد استراتيجية كاملة» لإلحاق الهزيمة بـ«داعش». ويقتضي الإنصاف القول بأن أوباما كان يتحدث تحديدًا عن غياب الالتزام من قبل الجيش العراقي، لكن هذا الفرق الضئيل اختفى، تحديدًا لأنه كان قد اعترف قبلها بتسعة أشهر بأنه «ليست لدينا استراتيجية بعد» للتعامل مع «داعش». وعندما أعلن البيت الأبيض أن الرئيس سيجري زيارة نادرة من نوعها للبنتاغون، سارع السكرتير الصحافي جوش إرنست، للحد من التوقعات بإعلانه استراتيجية كبرى جديدة. وقال: «لا أتوقع صدور أي إعلانات كبرى من هذا الاجتماع».
وأثناء زيارته للبنتاغون، وبعد اجتماعه بكبار القادة، انطلق أوباما في حديث حماسي، قال خلاله إن «داعش» «خسر عند سد الموصل، وخسر عند جبل سنجار، وخسر تكرارًا عبر محافظة كركوك. كما خسر في تكريت.. وخسر في كوباني».
الملاحظ أن أوباما طرح بالفعل الخطوط العريضة لاستراتيجية شاملة ضد «داعش»، حيث اعترف بأنه لا يمكن أن يصبح هناك حل من دون إقرار حكومة جديدة في سوريا تخلو من الرئيس بشار الأسد. كما تحدث بصورة أكبر عن القوات المناهضة لـ«داعش»، وكذلك عن خطر انتقال «داعش» لما وراء المنطقة.
إلا أنه لم يصرح إلا بالقليل بخصوص ما الذي ينوي فعله على وجه التحديد؛ هل سيعاود التعاون مع روسيا والسعودية وتركيا وآخرين للتفاوض للوصول لحل للأزمة السورية؟ هل سيعزز الجبهة الجنوبية للجيش السوري الحر؟ هل سيقيم مناطق آمنة داخل سوريا على امتداد حدودها مع الأردن وتركيا؟
من جانبه، أطلق رئيس لجنة الخدمات المسلحة بمجلس الشيوخ جون ماكين تصريحًا قال فيه إن تعليقات أوباما «تكشف عن درجة مثيرة للقلق من خداع الذات، الأمر الذي يميز الحملة التي تشنها الإدارة ضد داعش»، وإن «شيئًا من التقدم المزعوم الذي أشار إليه الرئيس يوحي بأننا على الطريق نحو النجاح». ربما يكون هذا صحيحًا، لكن يظل أوباما جديرًا بالإشادة لحديثه عن العناصر الضرورية لصياغة استراتيجية ولتجاهله الأصوات الأكثر تطرفًا في اليسار التي ترغب في انسحابه.
من جهته، تساءل ستيفن والت، البروفسور في جامعة هارفارد في مقال له في دورية «فورين بوليسي» الشهر الماضي: «ما الذي ينبغي أن نفعل إذا انتصر داعش؟ أن نتعايش مع الأمر». وأعرب والت عن اعتقاده بأن انجذاب المتشددين إلى القتال مع «داعش» ربما يكون أمرًا إيجابيًا في مجمله لأنهم بذلك سيكونون «منعزلين ومتمركزين في نقطة واحدة بدلاً من إثارة مشكلات هنا في الداخل». واقترح والت استراتيجية احتواء، في محاولة لتقييد تمويل «داعش» وانتشار رسالته في الوقت الذي «ننتظر فيه بصبر أن يؤدي تطرفه لتقويضه من الداخل».
في المقابل، طرحت الصحافية اللبنانية كيم غطاس، وهي مراسلة «بي بي سي» في واشنطن، ردًا على هذا التصور الساذج في مقال لها في «فورين بوليسي» أيضًا الأسبوع الماضي. وكتبت تقول: «إذا كنت تأمل أنه بمرور الوقت سيخف تطرف داعش ويتحول لعضو مقبول في منظومة الدول، عليك إذن معاودة التفكير في هذا الأمر»، مشيرة لتجارب الحركات المتطرفة في إيران وباكستان وأفغانستان التي تشير إلى العكس.
من جهته، أشار أوباما، إلى خطر ظهور خلايا إرهابية صغيرة تستقي إلهامها من «داعش»، وقال: «سنختار الأسلوب المناسب لمنع هذه الهجمات».
لا بأس في ذلك، لكن علينا أولاً وقف عملية التكرار العقيم في سوريا والعراق.

* خدمة «واشنطن بوست»

دانا ميلبانك
الشرق الاوسط