«وحدة الشعب السوريّ» انطلاقاً من جامعات أبنائه

29

ثلاثةُ أسباب رَئيسَة جعلت الحراك الطالبي في جامعة حلب، أشدّ وأكثَف وأقوى وأكثرَ تنظيماً من الحراك الطالبي في جامعه دمشق، وهذه الأسباب الثلاثة تساعدنا في فهم عوائق تشكيل فضاءٍ جامعيّ عامّ ومشترك في الجامعات السورية، بحيث يكون نواةً للنّقاش والتّواصل والتنظيم:

أوَّلاً: يمتدّ التاريخُ السياسيّ القديم لجامعة حلب في الاحتجاج السياسي والمعارضة الطالبيّة ضِدَّ سلطة البعث من تمرّد حركة «الإخوان المسلمين» في الثمانينات إلى تحرُّك الأكراد في الشمال السوري عام 2004، حيث قامت قوّات من الجيش السوري والمخابرات، في الحادثتين التاريخيَّتين، باقتحام الجامعة وقتل واعتقال طلاب جامعيين.

ثانياً: السبب هنا لوجستي محض، وهو اقتراب الكليَّات الجامعيَّة الدراسيَّة والمدينة الجامعيَّة السكنيَّة مكانيَّاً من بعضها بعضاً في جامعة حلب، حيثُ أنَّ كل أبنية الجامعات متواجدةٌ في كتلة جغرافيَّة واحدة وسط المدينة، ما يسهّل الاحتجاج والتجمُّع والتنظيم والتنقُّل، وبالتالي يوفّر سهولة نسبيَّة في تشكيل فضاء جامعي عام، على خلافِ جامعة دمشق حيثُ الكليات الجامعيَّة منثورة في أحياء مختلفة من المدينة (الطب والآداب في حي المزّة، الهندسات في حي البرامكة، كلية الزراعة في حي برزة، هندسة الميكانيك في حي الهمك)، وبالتالي فالقدرة أقل على التواصل والتشبيك والتخطيط، ومنه صياغة فضاء جامعي.

ثالثاً: وهو السبب الأهمّ، ويتعلَّق بالخريطة الأهليّة الطائفيَّة في الفضاء الجامعي العام، حيث أنَّ حضور الأقليَّات المذهبيَّة كثيف في جامعة دمشق، في مقابل التجانس الطائفي المذهبي الواضح نسبيَّاً في جامعة حلب. ومن المعلوم أنَّ الثورة السوريَّة مُصطبغة بلون سنيّ أهلي، والانتماءات الأهليَّة كانت أحد الدوافع العميقة (أقول أحد الدوافع وليس الدافع الوحيد على الإطلاق) في انحياز السُكَّان ضد الثورة ومعها. نستطيع القولَ إذاً إنَّ حراكَ المدينة في دمشق متقدّم على الحراك الجامعي، وإنَّ حراك الجامعة في حلب متقدّم على حراك المدينة.

واستطراداً، يصحُّ القول بعدم وجود شعب سوري لأنَّ عمليَّة تشكّل الشعب عملية صراعيَّة تحوُّليَّة مستمرَّة، ويفضل الداخلون إلي هذا الصراع انتماءهم الوطني المشترك على الانتماءات الأهليَّة الفرعيَّة، كما أنَّ تعبير «شعب سوريّ» غير صحيح واقعياً وتاريخياً وفكريَّاً. واعتماداً على هذا المنطق نستطيع أن نقول إنه لا وجود لفضاء جامعي عام مشترك في الجامعات، والانقسامات الأهلية العميقة الموجودة في النسيج الأهلي ارتسمت بالدقَّة ذاتها في الفضاء الجامعي العام، مثلما ارتسمت في المؤسّسة العسكريَّة، أي أن الجامعات لم تسلم من إملاءات الصراع الأهلي الطائفي في عموم البلاد.

قبيل انطلاق الثورة، كنا في جامعة دمشق نمثّل صورة مُخلصةً لحال الجماعات الأهلية في سورية، حيث يعيش الطلاب من ذوي المشارب المختلفة في عزلة ثقافية مطلقة عن بعضهم بعضاً، والتعامل يقتصر على بعض الأمور الدراسية السطحية والشجون المعيشية اليوميَّة. لا حديث عميقاً عن حال السياسية والثقافة العامة، ونادراً ما تجدُ في السكن المشترك طلاباً من انتماءات أهليَّة متنوعة يعيشون مع بعضهم بعضاً، حيث الطلاب الأكراد يفضّلون العيش مع الطلاب الأكراد، وطلاب الساحل يفضّلون العيش مع طلاب الساحل، وهكذا. وبعد انطلاق الثورة وتفاقم المشكلة الطائفية وتذرّر المجتمع، استمر هذا التباعد في الفضاء الجامعي العام، وتحوّل الكثير من الصداقات التي كانت سطحيَّة أصلاً إلى عداوات عميقة، وزاد من وتيرة هذه العداوات وجود منظمة إرهابية مثل «الاتحاد الوطني لطلاب سورية»، مختصة بقمع الطلاّب واعتقالهم وترهيبهم.

لا فضاء جامعياً عاماً في سورية، لأنّه لا وجود لشعب سوري، وأوّل خطوة في تشكيله إتمام عمليَّة تشكل الشعب السوري.

 

الكاتب : دارا عبد الله

المصدر: الحياة