وزير الإعلام السوري الأسبق والقيادي المعارض حبيب حداد: الأوضاع الكارثية التي تعيشها سوريا تهدد وحدتها الجغرافية والمجتمعية والوطنية.. وأكثر من 30% من أراضيها محتلة

69

سوريا 11/06/2020

دخلت الأزمة السورية في نفق مظلم وتداعت أحداثها بشكل دراماتيكي على كل مناحي الحياة لتدخل عامها العاشر بدون أن تلوح في الأفق مسارات عملية لإنهائها ووضع حد لمعاناة الشعب السوري، ولم تفلح الجهود الدبلوماسية حتى الآن في التوصل إلى حل سياسي للأزمة التي أرهقت البلاد والشعب.

وقد خلفت الأزمة إلى حد الآن أكثر من 600 ألف شهيد قتيل ومئات الآلاف من الجرحى، وملايين النازحين الفارين من الموت والجوع، في ظل غياب آفاق فعلية لحل سياسي، لا يعرف أحد في الوقت الحاضر إلى متى ستستمر وكم عدد الضحايا الجدد الذين قد تحصدهم هذه المأساة المستمرة.

حبيب حداد، السياسي السوري البارز، القيادي المعارض، ووزير الإعلام الأسبق(1968)، تحدث في حوار مطول مع المرصد السوري لحقوق الإنسان، عن انتفاضة الشعب السوري الحالم بالحرية والعدالة، كما تطرق إلى أجندات الدول الأجنبية في سورية التي باتت ساحة للصراع الدولي، فضلاً عن تداعيات قانون قيصر على السوريين.

س1 دكتور حبيب حداد.. برأيكم، هل أُجهضت انتفاضة الشعب السوري السلمية من أجل الحرية والديمقراطية والعدالة؟

ج- “نعم.. لقد تم إجهاض انتفاضة الشعب السوري العفوية السلمية بعد بضعة أشهر من اندلاعها، أي بعد أن تمت عسكرتها وتدويلها، فهذه الانتفاضة التي كان يؤمل منها أن تكون مشروع ثورة تحرر وطني ديمقراطي، افتقدت منذ بداياتها للعوامل الأساسية التي تحدّد هويتها، كما افتقدت لوحدة الرؤية السياسية وبرنامج العمل الذي يعين المهمات الانتقالية على طريق تحقيق أهداف الشعب السوري في إنهاء الفساد والتخلف والاستبداد، وبناء نظام ديمقراطي علماني يوفّر الحرية والعدالة والمساواة للشعب السوري دون أي تمييز بين أبنائه. لقد قدم الشعب السوري خلال هذه المِحنة التي مضى عليها الآن أكثر من تسع سنوات جل التضحيات التي لم يقدمها أي شعب آخر منذ الحرب العالمية الثانية من أجل بناء دولة عصرية حديثة”.
وتابع حداد:”إن الوضع الذي تعيشه سورية اليوم هو وضع كارثي يهدد وحدتها الجغرافية والمجتمعية والوطنية، وتواجه دمشق اليوم التحديات التي تهدد مصيرها ومستقبلها”، متسائلاً: “من المسؤول الأول عن هذا الوضع الذي وصلت إليه بلادنا” وقال:”من وجهة نظري لا يمكن تحميل النظام المسؤولية الأساسية، فهذا النظام بتركيبته المعروفة والمغلقة لا يمكن أن يُصلح ذاته ولا يمكن إصلاحه من خارجه، والمجتمع الدولي لا يمكن اعتباره منقذا ونصيرا للشعوب في تحقيق أهدافها العادلة، إذ لايزال منطق الحق للقوة وللمصلحة هو الذي يوجه سياسات الدول الكبرى على الصعيد الدولي مع الأسف”
كما أضاف حبيب:” إن السبب الأساسي من وجهة نظري في فشل وإجهاض انتفاضة الشعب السوري هو تشكيلات المعارضات السوريةً الخارجية وأخص بذلك مجموعات الإسلام السياسي، لقد تخلت تلك المجموعات عن استقلالية القرار الوطني السوري وارتضت لنفسها، أن تمارس دور الأدوات التي تكون واجهة لأجندات الدول الخارجية التي اختارت من بلادنا ساحة صراع مدمر لتصفية حساباتها”.

س2 في ظلّ تشعّب الأزمة الداخلية في سورية، وتدخل اللاعبين الخارجيين في الوضع، كيف تتصور حلاً ينهي مأساة الشعب السوري؟

ج- “لقد أصبح الوضع السوري اليوم غاية في التعقيد نتيجة التدخلات الخارجية ونتيجة تغييب إرادة الشعب الحقيقية عما يرسم له، سواء في جنيف أو أستانا أو سوتشي، الحل الذي يضع الأزمة السورية في المسار الصحيح والذي نادينا به، والطريق الصحيح -من وجهة نظرنا- الذي يكفل الوصول إلى حل بما يتفق مع إرادة الشعب السوري والذي عملنا من أجل تهيئة كل الظروف الملائمة له، كان ولا يزال يتمثل في انعقاد مؤتمر وطني سوري حقيقي مستقل الإرادة والقرار تحت إشراف الأمم المتحدة، والحال أن هذا المؤتمر لا يزال حتى الآن أمراً مطلوبا”.
وأوضح د.حداد “أن الوضع الحالي الذي وصلت إليه الأمور أصبح متوقفا على حصول توافق روسي – أمريكي، وكيف يُترجم هذا التوافق على أرض الواقع مع قرارات الأمم المتحدة ذات الصِّلة وخاصة القرار 2254 “، وقال “إنه من غير المتوقع أن يتحقق هذا التوافق قبل انتخابات الرئاسة الأمريكية المقبلة، ومن جهة ثانية أصبح الوضع السوري جزءًا من الوضع العام في المنطقة التي بقيت مشاكلها وقضاياها متداخلة مع بعضها البعض، فأي توافق بين روسيا من جهة والولايات المتحدة من جهة ثانية لابد أن يأخذ بعين الاعتبار مجمل مصالح هذين البلدين ومصالح دول المنطقة الحليفة لها أي إسرائيل وتركيا في جانب وإيران وسورية والعراق في جانب أخر”.

س3 الوضع الصعب في سورية اليوم نتيجة التدخلات والأطماع الخارجية، هل يهدد وحدتها السياسية والجغرافية والمجتمعية؟

ج- “إن الوضع الصعب الذي تعيشه سورية طوال فترة الحرب الأهلية القائمة منذ سنوات قد طعن وحدتها الجغرافية والمجتمعية في الصميم، فهناك اليوم أكثر من ثلاثين بالمائة من جغرافيتها محتل، فالشمال الغربي محتل من قبل النظام التركي والمنظمات الإرهابية المتحالفة والمتعايشة معه، وفي الشمال الشرقي من البلاد توجد معظم مصادر الدخل الوطني السوري من زراعة وبترول وغاز، وهذه المنطقة تخضع الآن في معظمها إلى مجموعات كردية تطالب بالحكم الذاتي تمهيدا للانفصال، وهذه المجموعات تلقى المساندة والدعم من القوات الأمريكية التي تشارك في احتلال المنطقة من جهة وتحارب القوات التركية التي تستهدفها من جهة أخرى، هذا بالإضافة إلى المجموعات الداعشية التي لا تزال تهدد الأمن والاستقرار في بادية الشام وعلى طول الحدود السورية العراقية، وقد أدى هذا الوضع الكارثي إلى تدمير حوالي سبعين% من البنية التحتية وتعطل طرق المواصلات والخدمات الصحية وقطاع الإنتاج الصناعي والزراعي وما إلى ذلك، وبما أن الاقتصاد السوري مرتبط بدول الجوار إلى حد كبير أي بتركيا والعراق والأردن ولبنان، فالأزمات الاقتصادية في كل منها ينعكس على الوضع السوري، وهكذا وجدنا أن الأزمة الاقتصادية في لبنان وتدهور قيمة الليرة اللبنانية إزاء الدولار قد انعكست مباشرة على الليرة السورية، ليس لدينا إحصاءات موثوقة عن تدهور الإنتاج الوطني السوري خلال فترة الحرب السورية لكن أكثر المراجع تقدره بحوالي خمس وعشرين بالمائة عما كان عليه قبل عام 2011”.
وأكد حبيب أن” الهوية الوطنية الحضارية التي نسجت واغتنت وتجددت خلال أكثر من خمسة آلاف عام، تعرضت إلى حملات التشكيك والتشويه، فالهوية الوطنية السورية العروبية هي اليوم في مرمى سهام الدعوات والهويات العرقية والطائفية والمذهبية التي تجد الدعم والإسناد من كل الجهات والأطراف المعادية لمصالح شعوبنا في التحرر والتقدم ومواكبة مسار العصر”.

س4 ألا ترى أن التدخلات الأجنبية في الملف السوري تعرقل طموح المعارضة والشعب على حد سواء في الوصول إلى برّ الأمان وإخراج سورية من هذا المأزق؟

ج- “بالتأكيد إن تدخلات الدول والأطراف الخارجية في الشأن السوري التي تسعى كل منها إلى خدمة مصالحها بالدرجة الأولى، انعكست بشكل سلبي على القضية السورية وساهمت في وصولها إلى هذا الوضع الخطير الذي يهدد مصيرها ومستقبلها، إن الحل السياسي السلمي للقضية السورية سيأخذ تنفيذه فترة من الزمن، بيد أن التدخلات الخارجية كان لها الدور الأكبر في إيصال بلادنا إلى الحال التي نحن عليها الآن”.
“واليوم تلقى كامل المسؤولية علينا نحن النخب الفكرية والسياسية في إنقاذ وطننا عن طريق بناء الأداة المؤهلة لذلك والتي تتمثل في بناء تحالف وطني عريض يجسد القدرات الذاتية لشعبنا ويعزز قراره الوطني المستقل في صنع مستقبله”.

س5 ما مدى تأثير الحرب منذ أكثر من تسع سنوات على الوضع الاقتصادي المعيشي للشعب السوري؟

ج- “لا شك في أن الحرب الدائرة في سورية وعليها منذ تسع سنوات قد كان لها نتائج كارثية سواء على حجم الضحايا والشهداء بالإضافة لمئات الآلاف من المعتقلين والمخطوفين سواء لدى النظام أو لدى المجموعات الإرهابية إلى جانب النازحين داخل البلاد وأولئك الذين هُجروا إلى الخارج، فضلاً عن تدمير البنية التحتية في كل القطاعات الخدمية والإنتاجية والصحية، وتُجمع المصادر على أن الدخل الوطني في سورية قد تراجع إلى أقل من ثلاثين بالمائة عما كان عليه قبل 2011، يضاف إلى ذلك أن موارد البلاد الأساسية الزراعية والبترولية والغازية أصبحت تحت سيطرة القوات الأمريكية والقوات الكردية المطالبة بالحكم الذاتي”.
وتابع “من جهة أخرى فإن الوضع الاقتصادي في دول المنطقة يرتبط ببعضه إلى حد كبير، فالأوضاع الاقتصادية المتدهورة في كل من العراق والأردن ولبنان وسورية تتأثر ببعضها البعض، وهذا ما يفسر تدهور الليرة السورية تجاه الدولار الذي رافق تدهور الليرة اللبنانية خلال الأسابيع الأخيرة، إذ أن حوالي ثمانين بالمائة من الشعب السوري هم اليوم تحت خط الجوع لا تحت خط الفقر، فكيف يمكن إيقاف هذه المأساة وإنقاذ هذا الشعب العظيم الصابر الذي لا يستحق هذا الجزاء، هذا قبل أن نفكر في إعادة الأعمار التي قد يكلف مئات الملايين من الدولارات؟”.

س6 ما هي تداعيات تطبيق قانون قيصر على سورية، ثم ألا يُخشى أن يزيد هذا القانون من الصعوبات التي تحط بثقلها على الشعب السوري؟

ج- “سيكون لتطبيق قانون قيصر تداعيات خطيرة أقلها على مافيات النظام، لكن معظمها يصيب مختلف قطاعات الشعب السوري الصحية والإنتاجية والخدمية بحرمانها من كل المواد الأولية والقطع التبديلية والدوائية والتعامل مع الشركات الأجنبية لاستيراد احتياجاتها، النظام كعادته يطلق المزيد من الادعاءات والتصريحات بأنه اتخذ كل الاحتياطات بمساعدة الدول الحليفة لمواجهة تداعيات قانون قيصر، وعلى أي حال، فأمام الجرائم التي ترتكبها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بحق بلدان العالم التي لا تسير في ركاب السياسات الإمبريالية والصهيونية ينبغي على شعوب العالم الحرة وقوى الرأي العام العالمي أن ترفع صوتها بإدانة هذه الممارسات التي تتعارض كليا مع ميثاق الأمم المتحدة”.