وعود كاذبة وأجندات خفية.. المراكز الثقافية الإيرانية تسعى إلى استقطاب أطفال وشبان دير الزور إلى الميليشيات التابعة لإيران

تحقيق للمرصد السوري يسلط الضوء على استراتيجية وأهداف المراكز الثقافية الإيرانية بدير الزور

106

مقدمة عامة
ما إن بسطت الميليشيات الإيرانية سيطرتها على مدينة دير الزور ومدن وبلدات وقرى بريف دير الزور ضمن منطقة غرب الفرات في أواخر العام 2017 على حساب تنظيم “الدولة الإسلامية”، حتى بدأت إيران بالسعي إلى التغلغل ضمن نسيج المنطقة والعمل على ترسيخ نفوذها والتقرب من أهالي وسكان تلك المناطق بشتى أنواع الطرق، ومن أبرز هذه الطرق هي “المراكز الثقافية الإيرانية” التي أنشأتها إيران في محافظة دير الزور منتصف العام 2018، بإشراف كامل من قبل ميليشيا الحرس الثوري الإيراني، حيث وضعت استراتيجيات لجذب الشبان والأطفال إلى صفوف الميليشيات عبر المراكز الثقافية.

وانطلاقاً من دوره كمؤسسة حقوقية، ولفضح أكاذيب وألاعيب الجانب الإيراني واستغلاله للوضع الواقع المعيشي المزري في مناطق نفوذ النظام السوري، ونظراً لخطورة ما تقوم به إيران بهذا الشق، أجرى المرصد السوري لحقوق الإنسان تحقيقاً موسعاً حول المراكز الثقافية الإيرانية في دير الزور والأدوار التي تقوم بها لتحقيق الأهداف الإيرانية بالمنطقة.

أقنعة المراكز وأهدافها الحقيقية
تقدم المراكز الثقافية الإيرانية نفسها للمجتمع في محافظة دير الزور على أن أهدافها هي الوقوف إلى جانب المدنيين وتقديم يد العون لهم ولأطفالهم على وجه الخصوص، وذلك عبر نشاطات ثقافية وخدمات تغلفها بطابع إنساني حيث تشارك المركز الثقافية الايرانية في معظم الفعاليات المدنية كعيد الأم إذ يقوم مدراء المراكز الثقافية بإقامة احتفالية وتكريم الامهات، وفي عيد المعلم تقوم تلك المراكز بتكريم عدد من المعلمين وتكريم عدد من العمال بعيد العمال، بالإضافة لتوزيع سلل غذائية بين الحين والآخر لرواد الندوات الدينية التي تقام في المراكز ولذوي عوائل قتلى المنتسبين المحليين في صفوفها.

وتركز تلك المراكز بشكل رئيسي على الأطفال السوريين، من بوابة تقديم دورات تعيليمية مجانية للأطفال دون سن الثامنة عشر لاسيما شهادتي التعليم الأساسي والثانوي، مستغلة الوضع المعيشي الكارثي والفقر المدقع في مناطق نفوذ النظام، وعدم قدرة الأهالي تحمل تكاليف الدورات التعليمية، فضلاً عن تقديم مستلزمات مدرسية للأطفال واستقدامهم للمراكز لحضور فعاليات، وتنظيم رحلات ترفيهية لهم أيضاً، إلا أن هذه البوابة إعلامية فقط، والهدف الحقيقي لها هو استقطاب الأطفال وغسل أدمغتهم في انتهاكاك خطير لحقوق الطفل، حيث يشير نشطاء المرصد السوري بأن المراكز الثقافية تسعى لنشر ثقافة النظام الإيراني عند الأطفال فالرحلات الترفيهية غالباً ما تكون للمزارات الدينية وخاصة مزارع نبع عين علي بريف الميادين، وهناك يقوم الأطفال بالاغتسال من ماء النبع بغرض “التبرك”، كما تمتلك المراكز الثقافية الايرانية كرفان متنقل عليه شاشة عرض كبيرة حيث يقوم الكرفان بالتنقل إلى البلدات والقرى النائية والقيام بعروض للأطفال وتوزيع الحلوى والهدايا للأطفال وكتب صغيرة للتعريف بولاية الفقيه والترويج لفكر النظام الإيراني لاستقطاب الأطفال إلى الميليشيات، وهو مشابه لما كان يقوم به تنظيم “الدولة الإسلامية” لاستقطاب الأطفال تحت مسمى “أشبال الخلافة”، حيث غُمر الأطفال من خلالها بالدعاية والمواد التعليمية للحصول على تعاطفهم والتلاعب بهم نفسياً وفي النهاية تجنيدهم في صفوفهم.

إلى جانب ما سبق، تقوم المراكز الثقافية الإيرانية بإجراء دورات للنساء والرجال والشبان بشكل دوري، كدورات تعليم الخياطة وتعليم الحلاقة الرجالية والنسائية ودورات طبية أيضاً وغير ذلك من مهن، مع تقديم وعود للمتقدمين بتقديم سلات غذائية لهم عند الانتهاء من الدورة بالإضافة لإيجاد عمل لهم ضمن النقاط الطبية وأماكن العمل التابعة للميليشيات الإيراني براتب جيد، وخلال الدورة تقوم تلك المراكز بمحاولة استقطابهم لصفوفهم، كما أن جميع الوعود التي تقطعها على المتقدمين تذهب أدراج الرياح مع انتهاء الدورة، وبحالات قليلة يتم توزيع سلل غذائية تكاد لا تذكر.

وكأمثلة على الوعود الكاذبة للمراكز الثقافية الإيرانية، أجرى المركز الثقافي بالبوكمال قبل نهاية العام 2022 بأيام دورة تدريبات إسعافات أولية وتمريض وحضرها نساء من المنطقة وكانت الوعود بأنه سيتم توظيفهم بالنقاط الطبية فور الانتهاء من الدورة التي استمرت لنحو شهر، لكن حتى هذه اللحظة لم يتم توظيف أي منهن وفقاً لمعلومات المرصد السوري، وتواصل نشطاء المرصد السوري مع إحدى النساء اللواتي تواجدن بالدورة، وهي من أبناء منطقة السيال بريف البوكمال ومقيمة داخل مدينة البوكمال متزوجة ولديها 4 أولاد وتبلغ من العمر 32، والتي تحفظت عن ذكر اسمها حفاظاً على سلامتها، وقالت: “أنا بحاجة ماسة إلى وظيفة لأساعد زوجي في ظل الواقع المعيشي الكارثي، وحضرتُ الدورة بغية الحصول على وظيفة، إلا أن ذلك لم يتم وذهبتُ أكثر من مرة للمركز لمراجعته وللاستفسار عن الوظيفة، دون جدوى.”

وتأكيداً على ما سبق، قام أحد نشطاء المرصد السوري قبل أيام بالتوجه إلى نادي الشباب ضمن مدينة الميادين بريف دير الزور الشرقي، وطلب التسجيل على سلة غذائية من ضمن السلات التي تدعي المراكز الثقافية توزيعها وكان يتم التسجيل عليها ضمن نادي الشباب على حد زعمهم، وجاء الرد من أحد المسؤولين عن النادي بأن التسجيل حصراً يكون ضمن مبنى المركز الثقافي بالميادين، وعند ذهابه للتسجيل على سلة بالمركز الثقافي رفض القائمين على المركز التسجيل له، متذرعين بأن التسجيل بالوقت الراهن هو فقط خاص بعوائل المنتسبين للميليشيات لكنه لم يتمكن من تصوير ما حدث هناك نظراً لخطورة الموقف.

كما يستعرض المرصد السوري أسفل التحقيق هذا، صور خاصة عن الكتيبات والبروشورات والحجر الذين “يصلون عليه” والتي تقوم المراكز الثقافية بتوزيعها على من يحضر الدورات التي تقام من قبل تلك المراكز.

المشروفون والمتورطون
تمكن نشطاء المرصد السوري لحقوق الإنسان، من الوصول إلى أسماء أبرز المشرفين على المراكز الثقافية الإيرانية بمحافظة دير الزور وأبرز الشخصيات السورية المتورطة بالترويج والعمل لصالح تلك المراكز، وفيما يلي يستعرض المرصد قائمة بأسماء هؤلاء:

– الحاج رسول، وهو إيراني الجنسية ويجيد التكلم باللغة العربية بشكل جيد جداً، يعد المسؤول الرئيسي عن المراكز الثقافية الإيرانية بمحافظة دير الزور.

– الحاج رضا، وهو إيراني الجنسية ويعد المسؤول عن المركز الثقافي الإيراني بمدينة الميادين.

– الحاج سلمان، وهو إيراني الجنسية أيضاً، ويعد المسؤول عن المركز الثقافي الإيراني بمدينة البوكمال.

– الحاج أيوب الرجا، وهو سوري الجنسية يعد المسؤول عن المركز الثقافي ببلدة حطلة، وهو من أبناء البلدة.

– الحاج خزائي، وهو إيراني الجنسية ويشغل منصب المنسق العام بين جميع المراكز الثقافية بمحافظة ديرالزور.

– راشد الفيصل العبيد، سوري الجنسية، وهو أحد أعضاء فرع شبيبة الثورة في مدينة ديرالزور وعنصر في ميليشا كتائب البعث التي يشرف عليها المدعو رائد الغضبان، يعمل على جذب الأطفال من المدراس في المدينة للمشاركة في نشاطات المركز الثقافي. زار ايران في العام 2018 وله علاقات مع الحاج صادق الإيراني

– محمد العكلة، سوري الجنسية، يعد المنسق الإعلامي لدى المراكز الثقافية الإيرانية بمحافظة دير الزور وينتمي لميليشيا الحرس الثوري.

– الحارث طارق الدحام، سوري الجنسية، وهو منسق بين المركز الثقافي الإيراني بمدينة دير الزور وجامعة الفرات وله دور في تنسيق النشاطات التي تقام في جامعة الفرات برعاية المركز الثقافي.

– موسى الرجا، من أبناء بلدة حطلة وتم تكليفه من قبل المركز الثقافي في دمشق كي يكون مشرفا في المركز الثقافي الإيراني بحطلة وتحديداً على الدروس الدينية التي يتلقاها الأطفال.

– عامر الحسين، سوري الجنسية من أبناء بلدة حطلة، منسق في المركز الثقافي هناك ويعمل كمرافق لمديرالمركز الثقافي وله دور بارز في استقطاب أبناء المناطق الريفية عبر تقديم الهدايا والألعاب و أيضا له دور في التنسيق بين المدارس الحكومية والكليات والمركز الثقافي الإيراني.

– علي الضويحي، سوري الجنسية، أحد المسؤولين عن الترويج للمركز الثقافي بمدينة الميادين، وهو مقرب من قيادات الميليشيات الإيرانية بالمدينة.

أماكن التواجد
تتواجد المراكز الثقافية الإيرانية في محافظة دير الزور في 4 مناطق رئيسية، هي:

– المركز الثقافي في مدينة البوكمال ويقع في الجهة الجنوبية للساحة العامة وسط مدينة البوكمال بالقرب من بناء النفوس و الأحوال الاجتماعية سابقاً.

– المركز الثقافي في مدينة دير الزور، ويقع في حي القصور بجانب مسجد الفتح مقابل مدرسة البلدية، كما يوجد فرع آخر للمركز الثقافي ضمن مدينة دير الزور ويتواجد في حي الضاحية بالقسم الغربي من المدينة.

– المركز الثقافي في مدينة الميادين بريف دير الزور الشرقي، ويقع في شارع الكورنيش بالقرب من أبراج البريد في المدينة.

– المركز الثقافي في بلدة حطلة شمال دير الزور، ويقع بالقرب من مبنى البلدية في البلدة.

ويشير المرصد السوري إلى وجود نوادي ومراكز فرعية تابعة للمراكز الثقافية “كنادي الشباب”، وتجري ضمنه فعاليات متنوعة أبرزها رياضية، بالإضافة لوجود “مركز الكشافة” والمعني بشؤون الأطفال، بالإضافة لمركز النور الساطع، هذه المراكز الفرعية وأنشطتها هي طليعة الجهود الإيرانية لتحقيق أهداف تجنيد الميليشيات في المنطقة، مستهدفة شباب وابناء دير الزور..

الخاتمة
إن المرصد السوري لحقوق الإنسان، إذ يقوم بفضح أكاذيب المراكز الثقافية الإيرانية بمحافظة دير الزور، فإنه يحذر من الخطر الذي تشكله هذه المراكز لاسيما بما يتعلق بالأطفال السوريين ومحاولات غسل أدمغتهم، وتجنيدهم ضمن الميليشيات واستغلالهم بشتى الطرق خدمة لمصالح تلك الميليشيات في سورية، كما يؤكد بأنه سيستمر بفضح ممارسات هذه المراكز، ويدعو الأهالي إلى إبعاد أطفالهم عن المراكز الثقافية الإيرانية وعدم الانسياق للمغريات الإعلامية.