55 شهراً على التدخل الروسي في سوريا: هدوء عام في أنحاء مناطق السيطرة.. وضربات جوية تستهدف تنظيم “الدولة الإسلامية”.. ودوريات مشتركة مع الأتراك شمال شرق سوريا وعلى اتستراد الـ “M4”
المرصد السوري لحقوق الإنسان
أبريل/نيسان 2020
في وقت يشهد فيه العالم وباءًا قد ينتج عنه تحولات شاملة في مسار العلاقات الدولية إلى الأبد، تواصل روسيا جرائمها للشهر الخامس والخمسين على التوالي منذ دخولها على مسرح الأزمة السورية، حيث وجدت روسيا في انشغال العالم بالتركيز على فيروس كورونا، فرصة سانحة لها لفرض واقع جديد على الأرض في سوريا من خلال اتفاقات مع تركيا أفضت إلى إحكام سيطرة النظام على ما يزيد من 300 منطقة وقرية وبلدة كانت قوات النظام قد سيطرت عليها خلال شهري يناير وفبراير، لكنها أحكمت سيطرتها وفرضت الأمر الواقع بعد الاتفاق بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان. وعلى الرغم من توقف العمليات العسكرية وفقا للاتفاق الروسي – التركي، فإن الوضع في الداخل السوري لم يشهد تحسنا.
في الثلاثين من كل شهر، تحل ذكرى التدخل الروسي في الأزمة السورية الذي بدأ في الثلاثين من سبتمبر/أيلول عام 2015، حين منح مجلس الاتحاد الروسي تفويضا للرئيس الروسي فلاديمير بوتين للانخراط العسكري في سوريا، حيث أعلن “بوتين” وقتها أن التدخل الروسي سيقتصر على الضربات الجوية من أجل هزيمة تنظيم “الدولة الإسلامية” والمتطرفين في “الحرب الشرعية التي يخوضها جيش “النظام السوري” ضد تلك الجماعات، بطلب من رئيس النظام بشار الأسد”. وبدأت القوات الروسية على الفور بشن ضربات جوية على مواقع تابعة لتنظيم “الدولة الإسلامية” وفقا لما أعلنته وزارة الدفاع الروسية، لتنطلق بعدها سلسلة من الضربات والغارات والمساعدات العسكرية والسياسية لنظام “الأسد”، أفضت إلى استعادة النظام السوري السيطرة على حوالي 71.7% من إجمالي الأراضي السورية بعد أن كان يسيطر على أجزاء ضئيلة جدا من الأراضي السورية. ومع اكتمال 55 شهرا على التدخل الروسي في سوريا، يواصل المرصد السوري لحقوق الإنسان توثيقه ورصده لتداعيات التدخلات الروسية وتطورات المشهدين السياسي والعسكري في الأراضي السورية، حيث أفضى التدخل الروسي سياسيا وعسكريا إلى استعادة النظام السيطرة على نحو 72.8% من إجمالي الأراضي السورية بعد أن كان يسيطر فقط على نسبة لا تتجاوز 20%.
ضربات عسكرية ودوريات وإشراف عسكري
شهد الشهر الماضي هدوءًا في العمليات العسكرية على الرغم من بعض الخروقات من وقت إلى آخر لاتفاق التهدئة ووقف إطلاق النار، وخلال الشهر الجاري، رصد المرصد السوري لحقوق الإنسان توترا بين قوات النظام وعناصر الفيلق الخامس المدعوم من روسيا، حيث أرسلت قوات النظام حشودًا عسكرية إلى محيط ناحتة والحراك في ريف درعا الشرقي، بعد قيام وجهاء وعناصر مسلحين من “الفيلق الخامس” المدعوم من قبل روسيا بمنع قوات النظام من مداهمة منازل المدنيين في مدينة الحراك.
ولم يوثق المرصد السوري لحقوق الإنسان أي خسائر بشرية من المدنيين خلال الشهر الماضي بفعل الطائرات الروسية، وذلك للمرة الأولى منذ 14 شهراً، نتيجة وقف إطلاق النار الجديد الذي انبثق عن اجتماع الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان، فيما عمدت القوات الروسية إلى تسيير 7 دوريات مشتركة مع نظيرتها التركية على اتستراد اللاذقية – حلب الدولي، منذ دخول وقف إطلاق النار ضمن منطقة “خفض التصعيد” حيز التنفيذ بدايات شهر آذار الفائت، لكن الدوريات تلك كانت مقتضبة جميعها وجرت على مسافة نحو 3 كلم فقط في كل مرة.
لكن في الوقت نفسه وثق “المرصد السوري” مقتل 28 عنصراً من تنظيم “الدولة الإسلامية” جراء ضربات جوية نفذتها طائرات حربية روسية، استهدفت مواقعهم في البادية السورية.
ورصد المرصد السوري لحقوق الإنسان خلال شهر أبريل/نيسان دوريات روسية تركية مشتركة جديدة مع نظيرتها التركية في ريف مدينة عين العرب (كوباني) الغربي، تزامنا مع تحليق مروحيتين روسيتين على ارتفاع منخفض في أجواء المنطقة، إضافة إلى دورية أخرى في 16 أبريل في ريف المدينة الشرقي، حيث اتجهت 8 مدرعات روسية وتركية إلى قرى شيران وتل حاجب وهولاقي وقرى أخرى شرق عين العرب، وكذلك اتجه رتل عسكري روسي من منطقة منبج بريف حلب الشمالي الشرقي نحو منطقة عين العرب بالريف ذاته، حيث يضم الرتل عشرات الآليات العسكرية. وفي السابع والعشرين من أبريل، رصد المرصد السوري لحقوق الإنسان قصفاً صاروخياً نفذته قوات النظام على الفطيرة وكنصفرة وسفوهن وفليفل بريف إدلب الجنوبي، فيما حلقت طائرات استطلاع روسية في أجواء سهل الغاب شمال غرب حماة.
شمال سوريا.. هدوء حذر بعد مناكفات وتوترات مكتومة مع القوات الأمريكية
منذ لحظة انطلاق العملية العسكرية التركية في الشمال السوري في 9 أكتوبر/تشرين الأول، تقدمت القوات التركية والفصائل الموالية لها بغطاء جوي وبري مكثف في إجمالي مساحة تقدر بـ4875 كم2 (9.2% من إجمالي مساحة المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية)، أي ما يزيد على ربع مساحة لبنان. وفي الوقت نفسه، دخلت قوات النظام بموجب اتفاق بين “قسد” و”النظام” بوساطة روسية، إلى منطقة تقدر مساحتها بـ18821 كم2 (35.6% من إجمالي مساحة سيطرة قوات سوريا الديمقراطية)، ما يعني أن قوات سوريا الديمقراطية فقدت السيطرة على 23641 كم2، بعد أن كانت تسيطر على مساحة قدرها 52916 كم2 (28.6% من إجمالي مساحة سوريا) قبل انطلاق العملية العسكرية “نبع السلام”، ما يعني أن “قسد” لم تعد تسيطر سوى على 15.7% من مساحة سوريا.
وكان قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالانسحاب من شمال سوريا في 6 أكتوبر/تشرين الأول، إيذانا ببدء العملية العسكرية التركية وضوء أخضر لإعادة ترتيب خريطة التحالفات والنفوذ في المنطقة بالكامل، حيث أدى الانسحاب الأمريكي إلى لجوء قوات سوريا الديمقراطية إلى روسيا و”النظام” لنشر القوات النظامية على الحدود مع تركيا في مقابل انسحاب قواتها من تلك المنطقة، ومع انسحابات قوات سوريا الديمقراطية المتتالية وفقاً للاتفاق الروسي–التركي الذي جرى التوصل إليه في “سوتشي” بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان، بدأت معالم السيطرة تتضح يوماً بعد يوم، حيث وحتى اللحظة باتت المنطقة الممتدة من القامشلي إلى عين ديوار تحت النفوذ الأمريكي، بينما المنطقة الممتدة من القامشلي إلى رأس العين (سري كانييه) ومن تل أبيض إلى عين العرب (كوباني) تحت النفوذ الروسي، بينما المنطقة الممتدة من رأس العين إلى تل أبيض تخضع للنفوذ التركي والفصائل الموالية لها، في الوقت الذي تشهد فيه محاور بمنطقة “أبو راسين” وريف “تل تمر” الواصل إلى رأس العين اشتباكات متجددة بين “قسد” والفصائل الموالية لـ”أنقرة”، حالها كحال المنطقة الواقعة بين عين عيسى وتل أبيض.
ووفقا لما رصده “المرصد السوري” على مدار الشهرين الماضيين، فقد شهدت منطقة شمال شرق سوريا هدوءًا حذرا بعد أشهر من التوترات والمناكفات بين القوات الروسية والأمريكية، حيث استقدمت لقوات الروسية منظومات صواريخ دفاع جوي متطورة وحديثة إلى مطار القامشلي أقصى شمال شرق سوريا. ويأتي ذلك في ظل التوتر المتصاعد بين القوات الروسية ونظيرتها الأمريكية ضمن منطقة شمال شرق سوريا، حيث كان “المرصد السوري” قد رصد توتراً متواصلاً بين القوات الأمريكية ونظيرتها الروسية في منطقة شمال شرق سوريا، في إطار محاولة كل طرف بسط نفوذه على المنطقة، لا سيما أوتوستراد الحسكة–حلب الاستراتيجي. وبحسب ما رصده “المرصد السوري”، فإن تلك التوترات تصاعدت في الآونة الأخيرة، حيث باتت المنطقة تشهد مشاحنات يومية بين الجانبين، بالإضافة لعرقلة القوات الأمريكية مرور آليات روسية من مناطق عدة.
وفي نهاية الشهر الماضي، رصد المرصد السوري لحقوق الإنسان اعتراض دورية أمريكية نظيرتها الروسية أثناء دخولها بلدة رميلان ضمن مناطق تواجد القوات الأمريكية، حيث أجبرتها على العودة إلى مطار القامشلي. وانتشرت 4 مدرعات روسية على الطريق الواصل بين مدينتي الحسكة والقامشلي بالقرب من مفرق حطين.
وخلال الأشهر الماضية، رصدت مصادر “المرصد السوري” انتشار القوات الأمريكية على مداخل ومخارج بلدة تل تمر الاستراتيجية التي تعد حلقة الوصل بين الحسكة–القامشلي–حلب، بالإضافة لانتشارها عند مدخل مدينة أبو رأسين (زركان) ومفرق قرية “غيبش”، فضلاً عن تسييرها دوريات مكثفة على أوتوستراد حلب–الحسكة المعروف بـM4، في محاولة منها لتحجيم الدور الروسي ومنع القوات الروسية من استخدام الطريق سوى باتجاه المناطق الحدودية مع تركيا. ورصد “المرصد السوري”، في 20 يناير، اعتراض دورية أمريكية لدورية روسية في قرية مصطفاوية التابعة لمنطقة المالكية (ديريك) بريف الحسكة، لمنعها من الوصول إلى معبر سيمالكا الحدودي، حيث ساد التوتر بين الطرفين. وفي 18 يناير، اعترضت القوات الأمريكية طريق دورية روسية بالقرب من قرية تل فخار أثناء توجه الأخيرة إلى ريف مدينة المالكية (ديريك)، إلى أن تدخلت قوات سوريا الديمقراطية لفض الاشتباك، وبعدها تابعت لدورية الروسية طريقها إلى ريف المالكية بينما توجهت الدورية الأمريكية إلى قاعدة “رميلان”. كما رصد “المرصد السوري” في 14 يناير/كانون الثاني، اعتراض إحدى الدوريات الأمريكية دورية أخرى روسية من المرور عند مفرق حطين على الطريق الواصل بين مدينتي الحسكة والقامشلي الذي يؤدي إلى الطريق الدولي، ما أدى لوقوع مشادات كلامية بين الطرفين انتهت بعد عودة الدورية الروسية أدراجها ومنعها المسير على الطريق الدولي M4.
تمر الأشهر ولا يزال الشعب السوري يعاني ويلات التدخل الروسي الذي يبدو وكأنه انتقام ضد السوريين لخروجهم على النظام الذي ارتكب الويلات بحق شعبه، وفي وقت تتغير فيه خريطة التحالفات وتوازنات القوى، باتت روسيا الرابح الأكبر في سلسلة الفوضى بعد أن نجحت في استعادة سيطرة “النظام” على نحو ثُلُثي البلاد بعد أن كان “النظام” فقد السيطرة على أغلب أراضيها، فقد اتخذت “موسكو” ذريعة “الحرب على الإرهاب” لارتكاب مجازر بحق المدنيين، ورعت اتفاقات ما لبثت أن تخلت فيها عن ضماناتها، فكانت قذائفها وصواريخها مغموسة بدماء السوريين رغم محاولات تبني دور الوسيط السياسي القادر على التعامل مع جميع أطراف النزاع. ومع التبدلات المستمرة في موازين القوى واستعادة قوات النظام السيطرة على مساحات واسعة من سوريا، فإن المرصد السوري لحقوق الإنسان يجدد مناشداته للمجتمع الدولي للضغط على روسيا لوقف عدوانها على المدنيين السوريين، إضافة إلى الضغط من أجل التوصل لحل سياسي ينهي الأزمة السورية التي دخلت عامها العاشر على التوالي، دون حل يلوح في الأفق لوقف آلة القتل التي انطلقت لتسفك دماء آلاف السوريين وتشرد الملايين غيرهم داخليا وخارجيا.
وعلى ضوء ما رصده “المرصد السوري” وفي ظل الإعلان الروسي الرسمي والتصريحات العلنية التي تؤكد أن التدخل الروسي في سوريا إنما جاء لمكافحة الإرهاب، فإن المرصد السوري لحقوق الإنسان يطالب الجانب الروسي بتفسير أسباب تغاضيه عن التدخل عسكريا في منطقة البادية السورية التي يتواجد فيها تنظيم “الدولة الإسلامية” وخلايا على مساحة نحو 4000 كم2 (1.8%) من إجمالي الأراضي السورية، وهي المنطقة الممتدة من جبل أبورجمين في شمال شرق تدمر وصولا إلى بادية دير الزور وريفها الغربي، إضافة إلى تواجد التنظيم في بادية السخنة وفي شمال الحدود الإدارية لمحافظة السويداء، حيث يتواجد التنظيم وعناصره في تلك المنطقة دون أي تحرك أو استجابة من روسيا التي تدعي محاربة الإرهاب، ما يعني أن الهدف الحقيقي للتدخل الروسي ليس مكافحة الإرهاب وإنما قتل وتهجير المدنيين وتدمير منازلهم وممتلكاتهم، من أجل مساعدة “النظام” على الخروج منتصرا على أنقاض سوريا والمدنيين.