56 شهراً على التدخل الروسي في سوريا: “موسكو” تتمسك بـ”M4″.. وتحركات في البادية لتحجيم “طهران” وضربات مستمرة على مواقع “تنظيم الدولة”

41

المرصد السوري لحقوق الإنسان

 

مايو/آيار 2020

 

لا تزال روسيا تواصل تداخلاتها على الأراضي السورية مع مرور 56 شهرا على انطلاق تدخلها في الثلاثين من سبتمبر/أيلول عام 2015، حين منح مجلس الاتحاد الروسي تفويضا للرئيس الروسي فلاديمير بوتين للانخراط العسكري في سوريا، حيث أعلن “بوتين” وقتها أن التدخل الروسي سيقتصر على الضربات الجوية من أجل هزيمة تنظيم “الدولة الإسلامية” والمتطرفين في “الحرب الشرعية التي يخوضها الجيش السوري ضد تلك الجماعات، بطلب من رئيس النظام بشار الأسد”. وعلى الرغم من ذلك الإعلان، فإن التدخلات الروسية لم تفرق بين ما هو مدني وما هو عسكري على مدار نحو خمس سنوات من التدخلات المستمرة.

ومع استمرار التدخل الروسي عبر سلسلة من الضربات والغارات والمساعدات العسكرية والسياسية لنظام “الأسد”، استعاد النظام السوري السيطرة على حوالي 72.8% من إجمالي الأراضي السورية بعد أن كان يسيطر فقط على نسبة لا تتجاوز 20% قبل انطلاق سلسلة التدخلات السياسية والعسكرية الروسية. ومع انتهاء الشهر الخامس والخمسين من سلسلة التدخلات الروسية، يواصل المرصد السوري لحقوق الإنسان رصد التطورات على الأرض.

تمركزات وضربات.. روسيا تُصعِّد عملياتها استغلالا لانشغال العالم

وفي وقت لا يزال العالم فيه منشغلا بمواجهة فيروس كورونا الذي اجتاح العالم أجمع، يبدو أن روسيا تحاول تسريع وتيرة عملياتها من أجل إنهاء الحرب السورية سريعا لصالحها وصالح وكيلها النظام السوري، وعلى الرغم من هدوء نسبي إلى حد ما في العمليات العسكرية في منطقة “بوتين-أردوغان”، فإن الخروقات من جميع الأطراف لم تتوقف بهدف محاولة فرض واقع جديد على الأرض، في حين لم يوثق المرصد السوري لحقوق الإنسان أي خسائر بشرية من المدنيين خلال الشهر الماضي بفعل الطائرات الروسية، كما عمدت القوات الروسية إلى تسيير المزيد من الدوريات المشتركة مع نظيرتها التركية على اتستراد اللاذقية – حلب الدولي، وشهد الشهر الفائت تطور في هذا الشق، من حيث وصول الدوريات إلى مناطق أوسع بعد أن كانت تجري على مسافة نحو 3 كلم فقط

وفيما يبدو أنه استمرار للتحركات الروسية لتحجيم النفوذ الإيراني في سوريا وحسم المعركة ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” الذي صعَّد من هجماته على قوات النظام في الفترة الماضية، أكدت مصادر موثوقة أن روسيا أرسلت تعزيزات من “الفيلق الخامس” الموالِ لها، إلى شمال شرقي سوريا بهدف التمركز ضمن مناطق انتشار القوات الموالية لإيران في البادية السورية، والتحضير لهجوم ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” في المنطقة. ووفقا لمصادر المرصد السوري، فإن قوات من “الفيلق الخامس” وصلت إلى مقر اللواء 137 بريف دير الزور الجنوبي الغربي، ومناطق أُخرى في بادية حمص بهدف الانتشار في البادية السورية ضمن مناطق تواجد القوات الموالية لإيران، والتحضير للبدء بعملية ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” النشط في المنطقة. ويأتي ذلك في ظل السعي الروسي للسيطرة على كامل البادية السورية وكبح جماح تواجد القوات الموالية لإيران في المنطقة.

ولا يتوقف التصعيد الروسي عند حد الانتشار والتمركزات الجديدة، حيث نفذت الطائرات الحربية الروسية صباح السابع والعشرين من مايو، ضربات جوية على مواقع انتشار تنظيم “الدولة الإسلامية” في البادية السورية. وتركزت الغارات في بادية الرقة، حيث كان التنظيم قد شن هجوماً بعد منتصف ليل ذلك اليوم على مواقع قوات النظام والمليشيات الموالية لها جنوب محافظة الرقة، ودارت على أثرها اشتباكات عنيفة بين الطرفين، وسط معلومات مؤكدة عن قتلى وجرحى. ووثق المرصد السوري لحقوق الإنسان مقتل 8 عناصر من قوات النظام والمسلحين الموالين لها و11 عنصراً من تنظيم “الدولة الإسلامية”.  وتأتي التحركات الروسية عقب أيام من إعدام تنظيم “الدولة الإسلامية” 7 عناصر من المليشيات الموالية للنظام في بادية دير الزور، ضمن المنطقة الواقعة بين ريف دير الزور والسخنة بأقصى بادية حمص الشرقية، عقب ساعات من قطع عناصر التنظيم الدولة لطريق دمشق – دير الزور عند منطقة كباجب.

طريق حلب – الحسكة.. روسيا تواصل فرض السيطرة

ولا تزال محاولات روسيا لفرض السيطرة على طريق حلب-الحسكة الدولي المعروف باسم “M4” وإعادة فتحه، حيث علم المرصد السوري لحقوق الإنسان في 27 مايو، أن قوافل من السيارات المدنية والشاحنات التجارية انطلقت على الطريق، حيث تدخل السيارات التجارية ابتداءً من المعابر الواقعة ضمن مناطق نفوذ النظام في ريف حلب الشرقي مرورا بمحافظة الرقة وصولا إلى الحسكة وبالعكس، بينما سارت المركبات المدنية على الطريق الواقع ضمن نفوذ “الإدارة الذاتية” بشكل طبيعي. وأكدت مصادر موثوقة أن آليات عسكرية روسية رافقت شاحنات تابعة لشركة القاطرجي محملة بالنفط كانت تسير على طريق “m4″، في حين حصل خلاف بين القوات الروسية و”قسد” بسبب مرور تلك الشاحنات. 

وبحسب معلومات موثوقة حصل عليها المرصد السوري لحقوق الإنسان خلال الشهر الماضي، فإن الاتفاق “التركي – الروسي” حول فتح أوتستراد حلب – الحسكة الدولي، يفضي في مرحلته الثانية إلى انسحاب الفصائل الموالية لأنقرة مسافة 7 كيلومترات من جبهات تل تمر وأبو رأسين شمال الحسكة، بالإضافة إلى وقف العمليات القتالية بشكل كامل في المنطقة. وبحسب مصادر موثوقة، فإن “الاتفاق الروسي – التركي” يعني قبول قوات سوريا الديمقراطية بخارطة السيطرة الجديدة التي فرضتها القوات التركية والفصائل الموالية لها عقب عملية “نبع السلام” ضمن مناطق شمال شرق سوريا.

شمال سوريا.. هدوء حذر بعد مناكفات وتوترات مكتومة مع القوات الأمريكية

منذ لحظة انطلاق العملية العسكرية التركية في الشمال السوري في 9 أكتوبر/تشرين الأول، تقدمت القوات التركية والفصائل الموالية لها بغطاء جوي وبري مكثف في إجمالي مساحة تقدر بـ4875 كم2 (9.2% من إجمالي مساحة المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية)، أي ما يزيد على ربع مساحة لبنان. وفي الوقت نفسه، دخلت قوات النظام بموجب اتفاق بين “قسد” و”النظام” بوساطة روسية، إلى منطقة تقدر مساحتها بـ18821 كم2 (35.6% من إجمالي مساحة سيطرة قوات سوريا الديمقراطية)، ما يعني أن قوات سوريا الديمقراطية فقدت السيطرة على 23641 كم2، بعد أن كانت تسيطر على مساحة قدرها 52916 كم2 (28.6% من إجمالي مساحة سوريا) قبل انطلاق العملية العسكرية “نبع السلام”، ما يعني أن “قسد” لم تعد تسيطر سوى على 15.7% من مساحة سوريا.

وكان قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالانسحاب من شمال سوريا في 6 أكتوبر/تشرين الأول، إيذانا ببدء العملية العسكرية التركية وضوء أخضر لإعادة ترتيب خريطة التحالفات والنفوذ في المنطقة بالكامل، حيث أدى الانسحاب الأمريكي إلى لجوء قوات سوريا الديمقراطية إلى روسيا و”النظام” لنشر القوات النظامية على الحدود مع تركيا في مقابل انسحاب قواتها من تلك المنطقة، ومع انسحابات قوات سوريا الديمقراطية المتتالية وفقاً للاتفاق الروسي–التركي الذي جرى التوصل إليه في “سوتشي” بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان، بدأت معالم السيطرة تتضح يوماً بعد يوم، حيث وحتى اللحظة باتت المنطقة الممتدة من القامشلي إلى عين ديوار تحت النفوذ الأمريكي، بينما المنطقة الممتدة من القامشلي إلى رأس العين (سري كانييه) ومن تل أبيض إلى عين العرب (كوباني) تحت النفوذ الروسي، بينما المنطقة الممتدة من رأس العين إلى تل أبيض تخضع للنفوذ التركي والفصائل الموالية لها، في الوقت الذي تشهد فيه محاور بمنطقة “أبو راسين” وريف “تل تمر” الواصل إلى رأس العين اشتباكات متجددة بين “قسد” والفصائل الموالية لـ”أنقرة”، حالها كحال المنطقة الواقعة بين عين عيسى وتل أبيض.

ووفقا لما رصده “المرصد السوري” على مدار الشهر الماضي، فقد استمر الهدوء الحذر الذي تشهده المنطقة في أعقاب أشهر من التوترات والمناكفات بين القوات الروسية والأمريكية. وفي السابع والعشرين من شهر مايو، أكدت مصادر المرصد السوري أن دورية روسية ضخمة يرافقها دورية تابعة للقوات الأمريكية انطلقت إلى منطقة “ديرنا آغي” التابعة لناحية “جل آغا/الجوادية” شرق القامشلي، للمرة الأولى منذ دخول القوات الروسية إلى منطقة شمال وشمال شرق سوريا. ووفقاً لمصادر المرصد السوري، فإنه جرى توجيه 8 عربات روسية إلى المنطقة، أعقبها توجه دورية مشتركة هي الأولى من نوعها بين الأمريكان والروس إلى المنطقة التي شهدت مقتل مزارع برصاص حرس الحدود التركي قبل 10 أيام من تسيير الدورية.

وفي التاسع والعشرين من مايو، علم المرصد السوري لحقوق الإنسان أن القوات الروسية سيَّرت دورية عسكرية بمفردها بريف الحسكة الشمالي، حيث انطلقت الآليات الروسية من منطقة تل تمر وصولاً إلى بلدة أبو رأسين (زركان)، فيما اندلع توتر طفيف بين القوات الروسية والأمريكية في 28 مايو، بعد أن اعترضت سيارات عسكرية تابعة للقوات الأمريكية طريق دورية عسكرية روسية أثناء تجول الأخيرة على طريق الحسكة – حلب الدولي ضمن منطقة تل تمر بريف الحسكة الشمالي، فيما اعترض أطفال من المنطقة العربتين الأمريكيتين، وتابعت الدورية الروسية طريقها نحو منطقة عين عيسى.

تمر الأشهر ولا يزال الشعب السوري يعاني ويلات التدخل الروسي الذي يبدو وكأنه انتقام ضد السوريين لخروجهم على النظام الذي ارتكب الويلات بحق شعبه. وفي وقت تتغير فيه خريطة التحالفات وتوازنات القوى، باتت روسيا الرابح الأكبر في سلسلة الفوضى بعد أن نجحت في استعادة سيطرة “النظام” على نحو ثُلُثي البلاد بعد أن كان قد فقد السيطرة على أغلب أراضيها. ومع التبدلات المستمرة في موازين القوى واستعادة قوات النظام السيطرة على مساحات واسعة من سوريا، فإن المرصد السوري لحقوق الإنسان يجدد مناشداته للمجتمع الدولي للضغط على روسيا لوقف عدوانها على المدنيين السوريين، إضافة إلى الضغط من أجل التوصل لحل سياسي ينهي الأزمة السورية التي دخلت عامها العاشر على التوالي، دون حل يلوح في الأفق لوقف آلة القتل التي انطلقت لتسفك دماء آلاف السوريين وتشرد الملايين غيرهم داخليا وخارجيا.