57 شهراً على التدخل الروسي في سوريا: طائرات موسكو تعاود استهداف منطقة “خفض التصعيد”.. وتوترات أمنية بين الفرقة الرابعة والفيلق الخامس.. ومناكفات جديدة مع القوات الأمريكية

31

المرصد السوري لحقوق الإنسان

يونيو/حزيران 2020

تواصل روسيا تداخلاتها على الأراضي السورية مع مرور 57 شهرا على انطلاق تدخلها في الثلاثين من سبتمبر/أيلول عام 2015، حين منح مجلس الاتحاد الروسي تفويضا للرئيس الروسي فلاديمير بوتين للانخراط العسكري في سورية، حيث أعلن “بوتين” وقتها أن التدخل الروسي سيقتصر على الضربات الجوية من أجل هزيمة تنظيم “الدولة الإسلامية” والمتطرفين في “الحرب الشرعية التي يخوضها الجيش السوري ضد تلك الجماعات، بطلب من رئيس النظام بشار الأسد”. وعلى الرغم من ذلك الإعلان، فإن التدخلات الروسية لم تفرق بين ما هو مدني وما هو عسكري على مدار نحو خمس سنوات من التدخلات المستمرة، بل إن تلك المحاولات وصلت إلى محاولة تفريغ سورية من المقاتلين المنضوين تحت لواء المعارضة المسلحة باختلاف تصنيفاتها ونقلهم إلى ليبيا بهدف تمهيد الأرض أمام قوات النظام للسيطرة على أكبر قدر ممكن من الأراضي.

ومع انتهاء الشهر السابع والخمسين من سلسلة التدخلات الروسية، يواصل المرصد السوري لحقوق الإنسان رصد التطورات على الأرض، والتي شهدت تصاعدا كبيرا في الأحداث وعودة للقصف على منطقة خفض التصعيد المعروفة باسم “بوتين-أردوغان” مخلفة خسائر بشرية في صفوف المدنيين للمرة الأولى منذ سريان التهدئة الأخيرة قبل ثلاثة أشهر.

 

غارات أولى وتوترات أمنية

بينما لا يزال العالم منشغلا بمواجهة فيروس كورونا الذي اجتاح العالم أجمع، لا تزال روسيا تستغل الأزمة وتعمل على تسريع وتيرة عملياتها من أجل إنهاء الحرب السورية سريعا لصالحها وصالح وكيلها النظام السوري. وعلى الرغم من اتفاق التهدئة الأخير الذي توصل له الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان، فإن روسيا عادت لقصف منطقة خفض التصعيد وتسببت بسقوط شهيد مدني للمرة الأولى منذ توقيع الاتفاق.

وفي الثالث من يونيو/حزيران 2020، استهدف الطيران الروسي مناطق في شمال غرب سورية، في غارات هي الأولى منذ دخول وقف إطلاق النار في المنطقة حيز التنفيذ قبل ثلاثة أشهر.

وفيما يبدو محاولة لفرض المزيد من السيطرة، علم المرصد السوري لحقوق الإنسان، في الثالث عشر من يونيو، أن روسيا أعطت أوامرها لسحب جميع حواجز “الفرقة الرابعة” التابعة لقوات النظام، والتي يقودها ماهر الأسد شقيق رئيس النظام بشار الأسد. ووفقاً لمصادر موثوقة، فإن “ماهر الأسد رفض الأوامر رفضاً قاطعاً ولم يتم سحب حواجز حتى اللحظة، إلا أن روسيا تسعى جاهدة لإجباره على الانسحاب عبر تقوية نفوذ “الفيلق الخامس” في عموم سوريا، ولا سيما درعا، عبر عمليات تجنيد متصاعدة بإغراءات مادية كبيرة.

ولم تكد تمر عدة أيام حتى اندلع خلاف تطور إلى اشتباكات أسفرت عن سقوط قتلى ومصابين بين عناصر قوات النظام وعناصر “الفيلق الخامس” التابع لروسيا. وشهدت قرى وبلدات في ريف درعا استنفارا أمنيا في كل من صيدا وكحيل بعد طرد حواجز قوات النظام منها، كما استنفرت قوات الفيلق الخامس في قرى وبلدات الجيزة والسهوة والكرك وأم ولد وبصرى الشام ونصيب وأم المياذن والطيبة في ريف درعا. وفي 28 يونيو، رصد المرصد السوري لحقوق الإنسان استمرار التوتر في عموم القطاع الشرقي من ريف درعا، عقب الأحداث التي شهدتها المنطقة خلال الآونة الأخيرة من مناوشات بين قوات النظام و”الفيلق الخامس”، لا سيما بعد مقتل 5 من عناصر قوات النظام واثنين من الفيلق الخامس خلال اشتباكات جرت في 27 يونيو 2020، بالإضافة إلى طرد عناصر النظام من الريف الشرقي.

وفي صباح 28 يونيو، علم “المرصد السوري” أن وفدًا روسيًا وصل إلى مدينة بصرى الشام شرقي درعا برفقة وفد من النظام السوري، لبحث تطورات المنطقة وتهدئة الأوضاع وإيجاد حل للخلافات بين الجانبين. وفي 29 يونيو، وثّق “المرصد السوري” وفاة أحد عناصر “الفيلق الخامس” من أبناء بلدة صيدا، متأثراً بجراحه التي أُصيب بها خلال الاشتباكات بين الفيلق وحاجز تابع لـ”أمن الدولة” في بلدة محجة. وشهدت “صيدا” توترا أمنيا على خلفية تمزيق مسلحين من اللواء الثامن التابع لـ”الفيلق الخامس” صور رئيس النظام، احتجاجا على مقتل عنصرين من “الفيلق الخامس”.

 

الغارات الإسرائيلية.. تنسيق مسبق

في 29 حزيران/يونيو، أكدت مصادر موثوقة أن روسيا أبلغت مدير المعمل الذي قصفته إسرائيل في “السلمية” بضرورة إخلائه قبل القصف الإسرائيلي بساعات. وبحسب المعلومات التي حصل عليها “المرصد السوري”، فإن القصف الذي استهدف مستودعات للأسلحة، جرى بالتنسيق مع روسيا. وبحسب مصادر، فإن “روسيا تريد الخلاص من الإيرانيين في مناطق نفوذ النظام، ضمن إطار حل مستقبلي للوضع السوري”.

 

آلية التنسيق الأممية.. انسحاب روسي

وفي السادس والعشرين من يونيو، أعلنت روسيا انسحابها من ترتيب طوعي تقوده الأمم المتحدة لحماية المستشفيات وقوافل المساعدات الإنسانية في سورية من الاستهداف العسكري. وقال السفير الروسي في الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا: “لا نرى الانسحاب تهديدا لعمال الإغاثة على الأرض إذا كانت المعلومات المقدمة دقيقة وجديرة بالثقة”، متهما “جماعات معارضة عديدة وإرهابيين عبر وكلاء لهم”، بإساءة استغلال عملية خفض التصعيد لأغراض إنسانية، موضحا أن “روسيا تعتقد أنه يتوجب على الأمم المتحدة أن تقدم معلومات ذات صلة للنظام السوري بهذا الخصوص”.

 

شمال سورية.. عودة التوترات الروسية الأمريكية

منذ لحظة انطلاق العملية العسكرية التركية في الشمال السوري في 9 أكتوبر/تشرين الأول، تقدمت القوات التركية والفصائل الموالية لها بغطاء جوي وبري مكثف في إجمالي مساحة تقدر بـ4875 كم2 (9.2% من إجمالي مساحة المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية)، أي ما يزيد على ربع مساحة لبنان. وفي الوقت نفسه، دخلت قوات النظام بموجب اتفاق بين “قسد” و”النظام” بوساطة روسية، إلى منطقة تقدر مساحتها بـ18821 كم2 (35.6% من إجمالي مساحة سيطرة قوات سوريا الديمقراطية)، ما يعني أن قوات سوريا الديمقراطية فقدت السيطرة على 23641 كم2، بعد أن كانت تسيطر على مساحة قدرها 52916 كم2 (28.6% من إجمالي مساحة سوريا) قبل انطلاق العملية العسكرية “نبع السلام”، ما يعني أن “قسد” لم تعد تسيطر سوى على 15.7% من مساحة سوريا.

ووفقا لما رصده “المرصد السوري” على مدار الثالث من يونيو، فقد عادت التوترات بين القوات الأميركية والقوات الروسية مرة أخرى في شمال شرق سوريا، حيث رصد “المرصد السوري” اعتراض القوات الأميركية دورية للشرطة الروسية من دخول مدينة المالكية (ديريك) في ريف الحسكة أقصى شمال شرق سورية.

وبحسب مصادر “المرصد السوري”، فإن اعتراض الدورية جاء عند مرورها نحو مدخل تل تمر الغربي في ريف الحسكة، بعد قيام قوات “الدفاع الوطني” برفقة موالين للنظام برشق الدورية بالحجارة، ما اضطر “القوات الأمريكية” لعبور طرق فرعية للوصول إلى ما بعد القاعدة الروسية ونصب حاجز على طريق تل تمر–أبو رأسين ضمن مناطق سيطرة النظام السوري والروس، على مقربة من القاعدة الروسية في المنطقة.

كما واصلت القوات الروسية والتركية تسيير الدوريات المشتركة في ريفي الحسكة وحلب، حيث رصد المرصد السوري دوريات مشتركة بين القوات الروسية والتركية عدة خلال شهر حزيران، جرت في ريف عين العرب (كوباني) والدرباسية، كما جرى تسيير دوريات مشتركة أيضاً في ريف إدلب على طريق حلب – اللاذقية الدولي

تمر الأشهر ولا يزال الشعب السوري يعاني ويلات التدخل الروسي الذي يبدو وكأنه انتقام ضد السوريين لخروجهم على النظام الذي ارتكب الويلات بحق شعبه. وفي وقت تتغير فيه خريطة التحالفات وتوازنات القوى، باتت روسيا الرابح الأكبر في سلسلة الفوضى بعد أن نجحت في استعادة سيطرة “النظام” على نحو ثُلُثي البلاد بعد أن كان “النظام” فقد السيطرة على أغلب أراضيها. ومع التبدلات المستمرة في موازين القوى واستعادة قوات النظام السيطرة على مساحات واسعة من سورية، فإن المرصد السوري لحقوق الإنسان يجدد مناشداته للمجتمع الدولي للضغط على روسيا لوقف عدوانها على المدنيين السوريين، إضافة إلى الضغط من أجل التوصل لحل سياسي ينهي الأزمة السورية التي دخلت عامها العاشر على التوالي، دون حل يلوح في الأفق لوقف آلة القتل التي انطلقت لتسفك دماء آلاف السوريين وتشرد الملايين غيرهم داخليا وخارجيا.