59 شهراً على التدخل الروسي في سوريا: توترات مستمرة مع القوات الأميركية.. وانتقام لمقتل الجنرال الروسي .. واستهدافات متكررة للدوريات المشتركة مع القوات التركية

46

تواصل روسيا تداخلاتها على الأراضي السورية مع مرور 59 شهرا على انطلاق تدخلها في الثلاثين من سبتمبر/أيلول عام 2015، حين منح مجلس الاتحاد الروسي تفويضا للرئيس الروسي فلاديمير بوتين للانخراط العسكري في سورية، حيث أعلن “بوتين” وقتها أن التدخل الروسي سيقتصر على الضربات الجوية من أجل هزيمة تنظيم “الدولة الإسلامية” والمتطرفين في “الحرب الشرعية التي يخوضها الجيش السوري ضد تلك الجماعات، بطلب من رئيس النظام بشار الأسد”. وعلى الرغم من ذلك الإعلان، فإن التدخلات الروسية لم تفرق بين ما هو مدني وما هو عسكري على مدار نحو خمس سنوات من التدخلات المستمرة، بل إن تلك المحاولات وصلت إلى محاولة تفريغ سورية من المقاتلين المنضوين تحت لواء المعارضة المسلحة باختلاف تصنيفاتها ونقلهم إلى ليبيا بهدف تمهيد الأرض أمام قوات النظام للسيطرة على أكبر قدر ممكن من الأراضي.

ومع انتهاء الشهر التاسع والخمسين من سلسلة التدخلات الروسية، يواصل المرصد السوري لحقوق الإنسان رصد التطورات على الأرض، والتي شهدت تصاعدا كبيرا في الأحداث وعودة للقصف على منطقة خفض التصعيد المعروفة باسم “بوتين-أردوغان”.

 

البادية السورية.. عمليات انتقامية

في الخامس والعشرين من أغسطس/آب، رصد المرصد السوري لحقوق الإنسان إطلاق قوات “لواء القدس الفلسطيني” التي تعمل تحت إمرة القوات الروسية، عملية تمشيط جديدة ضمن بادية دير الزور، انطلاقًا من بادية الشولا غربي دير الزور وصولًا إلى بادية البوكمال شرقها، بحثًا عن خلايا تنظيم “داعش” المنتشر بكثافة، بعد مقتل جنرال روسي في انفجار عبوة ناسفة. وجاءت عمليات التمشيط في ظل تصاعد القصف الجوي الروسي على البادية السورية، والذي استهدف مواقع التنظيم. وفي الحادي والعشرين من الشهر نفسه، نفذ سرب من الطائرات الحربية الروسية غارات مكثفة على مواقع تنظيم “الدولة الإسلامية” في البادية السورية بريفي حمص والسويداء.

 

شمال سورية.. توترات مستمرة

منذ لحظة انطلاق العملية العسكرية التركية في الشمال السوري في 9 أكتوبر/تشرين الأول، تقدمت القوات التركية والفصائل الموالية لها بغطاء جوي وبري مكثف في إجمالي مساحة تقدر بـ4875 كم2 (9.2% من إجمالي مساحة المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية)، أي ما يزيد على ربع مساحة لبنان. وفي الوقت نفسه، دخلت قوات النظام بموجب اتفاق بين “قسد” و”النظام” بوساطة روسية، إلى منطقة تقدر مساحتها بـ18821 كم2 (35.6% من إجمالي مساحة سيطرة قوات سوريا الديمقراطية)، ما يعني أن قوات سوريا الديمقراطية فقدت السيطرة على 23641 كم2، بعد أن كانت تسيطر على مساحة قدرها 52916 كم2 (28.6% من إجمالي مساحة سوريا) قبل انطلاق العملية العسكرية “نبع السلام”، ما يعني أن “قسد” لم تعد تسيطر سوى على 15.7% من مساحة سوريا.

ورصد المرصد السوري لحقوق الإنسان، في 26 أغسطس، تجدد التوترات بين القوات الأميركية والقوات الروسية مرة أخرى في شمال شرق سوريا، حيث وقعت مطاردة بين دورية للقوات الأمريكية وأخرى للقوات الروسية شمال شرق سوريا. ووفقا لمصادر موثوقة، فإن محيط مدينة المالكية (المسماة محلياً بديريك) أقصى شمال شرق سوريا، شهد مطاردة بين دورية روسية وأخرى أميركية، في ظل التوتر المتواصل بينهما، وفي مشهد بات يتكرر بشكل شبه يومي. وسبق ذلك تسيير دورية روسية بالقرب من “ديريك” بالتزامن مع تمركز عدة عربات عسكرية للقوات الأمريكية على الطريق الرئيسي “رميلان – المالكية” كإجراء احترازي لمنع القوات الروسية من التوجه نحو معبر سيمالكا الحدودي مع العراق.

ووفقا لما رصده “المرصد السوري”، فإن تلك التوترات تزايدت خلال الفترة الأخيرة، فقد شهد شهر يوليو/تموز توترات بين القوات الأميركية والقوات الروسية بعد اعتراض القوات الأميركية دورية للشرطة الروسية من دخول مدينة المالكية (ديريك) في ريف الحسكة أقصى شمال شرق سورية. وبحسب مصادر “المرصد السوري”، فإن اعتراض الدورية جاء عند مرورها نحو مدخل تل تمر الغربي في ريف الحسكة، بعد قيام قوات “الدفاع الوطني” برفقة موالين للنظام برشق الدورية بالحجارة، ما اضطر “القوات الأمريكية” لعبور طرق فرعية للوصول إلى ما بعد القاعدة الروسية ونصب حاجز على طريق تل تمر–أبو رأسين ضمن مناطق سيطرة النظام السوري والروس، على مقربة من القاعدة الروسية في المنطقة.

كما واصلت القوات الروسية والتركية تسيير الدوريات المشتركة في ريفي الحسكة وحلب، حيث رصد المرصد السوري دوريات مشتركة بين القوات الروسية والتركية عدة خلال شهر آب/أغسطس، جرت في ريف عين العرب (كوباني) والدرباسية، كما جرى تسيير دوريات مشتركة أيضاً في ريف إدلب على طريق حلب – اللاذقية الدولي، وتعرضت لاستهدافات تسببت بسقوط جرحى من الروس .

تمر الأشهر ولا يزال الشعب السوري يعاني ويلات التدخل الروسي الذي يبدو وكأنه انتقام ضد السوريين لخروجهم على النظام الذي ارتكب الويلات بحق شعبه. وفي وقت تتغير فيه خريطة التحالفات وتوازنات القوى، باتت روسيا الرابح الأكبر في سلسلة الفوضى بعد أن نجحت في استعادة سيطرة “النظام” على نحو ثُلُثي البلاد بعد أن كان “النظام” فقد السيطرة على أغلب أراضيها. ومع التبدلات المستمرة في موازين القوى واستعادة قوات النظام السيطرة على مساحات واسعة من سورية، فإن المرصد السوري لحقوق الإنسان يجدد مناشداته للمجتمع الدولي للضغط على روسيا لوقف عدوانها على المدنيين السوريين، إضافة إلى الضغط من أجل التوصل لحل سياسي ينهي الأزمة السورية التي دخلت عامها العاشر على التوالي، دون حل يلوح في الأفق لوقف آلة القتل التي انطلقت لتسفك دماء آلاف السوريين وتشرد الملايين غيرهم داخليا وخارجيا.