58 شهراً من التدخلات الروسية: عودة التوترات في شمال سوريا.. وتكثيف لعمليات تجنيد المرتزقة.. وغارات ودوريات مستمرة

64

تواصل روسيا تداخلاتها على الأراضي السورية مع مرور 58 شهرا على انطلاق تدخلها في الثلاثين من سبتمبر/أيلول عام 2015، حين منح مجلس الاتحاد الروسي تفويضا للرئيس الروسي فلاديمير بوتين للانخراط العسكري في سورية، حيث أعلن “بوتين” وقتها أن التدخل الروسي سيقتصر على الضربات الجوية من أجل هزيمة تنظيم “الدولة الإسلامية” والمتطرفين في “الحرب الشرعية التي يخوضها الجيش السوري ضد تلك الجماعات، بطلب من رئيس النظام بشار الأسد”. وعلى الرغم من ذلك الإعلان، فإن التدخلات الروسية لم تفرق بين ما هو مدني وما هو عسكري على مدار نحو خمس سنوات من التدخلات المستمرة، بل إن تلك المحاولات وصلت إلى محاولة تفريغ سورية من المقاتلين المنضوين تحت لواء المعارضة المسلحة باختلاف تصنيفاتها ونقلهم إلى ليبيا بهدف تمهيد الأرض أمام قوات النظام للسيطرة على أكبر قدر ممكن من الأراضي.

وبحسب معلومات المرصد السوري، تكثف روسيا من معدل تجنيد السوريين من قبل روسيا في مناطق نفوذ النظام السوري، من أجل الزج بهم كـ”مرتزقة” في العمليات العسكرية على الأراضي الليبية إلى جانب “الجيش الوطني الليبي” بقيادة المشير خليفة حفتر. وأفادت مصادر موثوقة بأن عملية التجنيد تستمر بشكل متصاعد في كل من درعا والسويداء وحمص والحسكة وحماة ودير الزور، وأن موسكو تستغل الأزمة المالية وسوء الأحوال المعيشية لتجنيد السوريين. ووفقاً للمصادر، فإن تعداد المجندين الذين وصلوا إلى ليبيا بلغ حتى اليوم 2700 مرتزق، ويتقاضى الفرد من الشركات الأمنية الروسية مبلغ شهري يصل إلى 1000 دولار أميركي. وقد ارتفعت أرقام التجنيد بوتيرة كبيرة من 900 مرتزق في نهاية شهر مايو إلى 2700 بنهاية شهر يونيو.

عمليات عسكرية مستمرة

في الرابع عشر من يوليو، استهدفت الطائرات الحربية الروسية تلال كبانة في جبل الأكراد، بأكثر من 12 غارة، كما وسعت المقاتلات الروسية نطاق قصفها ليمتد نحو ريف إدلب الجنوبي، حيث استهدفت مناطق في قرية بينين بجبل الزاوية، كما تعرضت بلدات وقرى واقعة بريف إدلب الجنوبي أيضاً لقصف صاروخي مكثف من قبل قوات النظام. وجاء ذلك عقب إصابة 3 جنود روس على الأقل بجراح متفاوتة، جراء انفجار لغم شديد الانفجار أثناء مرور الدورية الروسية – التركية، بالقرب من مصيبين على طريق اللاذقية – حلب الدولي، وجرى نقل الجرحى بواسطة عربات تركية.

شمال سوريا.. توترات مستمرة

على مدار الشهر الماضي، رصد المرصد السوري لحقوق الإنسان عدة دوريات مشتركة جديدة بين القوات الروسية ونظيرتها التركية بريف الحسكة، انطلقت من معبر شيريك الحدودي مع تركيا بريف الدرباسية الغربي، وجابت قرى دليك وقنيطرة وقرمانية وتل كديش وغنامية الواقعة جنوب وجنوب غرب الدرباسية، ثم توجهت نحو قرية كربطلي ثم إلى تل طيرة وجديدة وعمرزوباش وتل كرمة ومدور وخاصكي وخشفية وخانكي وخرزة وجهورية الوقعة في منتصف الطريق بين عامودا ودرباسية. وشهدت أجواء المنطقة تحليقا اعتياديا لمروحيتين روسيتين كما جرت العادة أثناء تسيير الدوريات، إلا أن المروحيتين غادرتا الأجواء باتجاه القامشلي في منتصف مسير الدورية لأسباب مجهولة.

وفي توتر جديد في المنطقة، أصيب جنديين من القوات الروسية وعنصر في قوات النظام أثناء تفقدهم موقع الاستهداف بالقرب من مركز التنسيق المشترك” بين قسد وروسيا في ناحية الدرباسية، حيث عاودت الطائرات المسيرة التي يرجح أنها تركية استهداف المكان ذاته، بعد ساعات عن الاستهداف الأول.

ورصد المرصد السوري لحقوق الإنسان، خلال شهر يوليو، قصفا جويا من طائرة مسيرة يرجح أنها تركية، استهدفت نقطة سابقة لقوات سوريا الديمقراطية جنوب ناحية الدرباسية في ريف الحسكة، على بعد نحو 100 متر من “مركز التنسيق المشترك” بين قسد وروسيا.

وبحسب مصادر موثوقة، فقد دفعت التوترات التي شهدتها المنطقة مؤخرا إلى عقد اجتماع ثلاثي بين القوات الروسية وقوات سوريا الديمقراطية وقوات النظام في القاعدة الروسية بمنطقة مباقر تل تمر. وبحسب مصادر المرصد السوري، فإن الاجتماع جاء على خلفية التوترات الأخيرة التي شهدتها مناطق في شمال وشرق سوريا، من اعتراض دوريات تابعة للقوات الأمريكية من قِبل قوات النظام، والتي كان آخرها تهديد ضابط في قوات النظام لدورية أمريكية بحرقها في حال عادت من الطريق ذاته عند مرورها على أحد الحواجز العسكرية في قرية “منسف تحتاني” في ريف تل تمر، حيث أعطت القوات الروسية و”قسد” مهلة لقوات النظام 7 أيام لإخلاء القرية التي وقعت بها الحادثة، بالإضافة لمطالبة قوات النظام بإخراج عناصرها من بين الأحياء السكنية في ريف تل تمر. كما طالبت قيادة قسد من قوات النظام بضرورة التنسيق مع قوى الأمن الداخلي “الآسايش” في حال حدوث توترات مع القوات الأمريكية من أجل حلها.

كانت خريطة السيطرة في شمال شرق سورية تغيرت منذ لحظة انطلاق العملية العسكرية التركية في الشمال السوري في 9 أكتوبر/تشرين الأول، تقدمت القوات التركية والفصائل الموالية لها بغطاء جوي وبري مكثف في إجمالي مساحة تقدر بـ4875 كم2 (9.2% من إجمالي مساحة المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية)، أي ما يزيد على ربع مساحة لبنان. وفي الوقت نفسه، دخلت قوات النظام بموجب اتفاق بين “قسد” و”النظام” بوساطة روسية، إلى منطقة تقدر مساحتها بـ18821 كم2 (35.6% من إجمالي مساحة سيطرة قوات سوريا الديمقراطية)، ما يعني أن قوات سوريا الديمقراطية فقدت السيطرة على 23641 كم2، بعد أن كانت تسيطر على مساحة قدرها 52916 كم2 (28.6% من إجمالي مساحة سوريا) قبل انطلاق العملية العسكرية “نبع السلام”، ما يعني أن “قسد” لم تعد تسيطر سوى على 15.7% من مساحة سوريا.

تمر الأشهر ولا يزال الشعب السوري يعاني ويلات التدخل الروسي الذي يبدو وكأنه انتقام ضد السوريين لخروجهم على النظام الذي ارتكب الويلات بحق شعبه. وفي وقت تتغير فيه خريطة التحالفات وتوازنات القوى، باتت روسيا الرابح الأكبر في سلسلة الفوضى بعد أن نجحت في استعادة سيطرة “النظام” على نحو ثُلُثي البلاد بعد أن كان “النظام” فقد السيطرة على أغلب أراضيها. ومع التبدلات المستمرة في موازين القوى واستعادة قوات النظام السيطرة على مساحات واسعة من سورية، فإن المرصد السوري لحقوق الإنسان يجدد مناشداته للمجتمع الدولي للضغط على روسيا لوقف عدوانها على المدنيين السوريين، إضافة إلى الضغط من أجل التوصل لحل سياسي ينهي الأزمة السورية التي دخلت عامها العاشر على التوالي، دون حل يلوح في الأفق لوقف آلة القتل التي انطلقت لتسفك دماء آلاف السوريين وتشرد الملايين غيرهم داخليا وخارجيا.