60 شهراً على التدخل الروسي في سورية: تحركات اعتيادية شمال شرق البلد.. وتصعيد كبير في “البادية” لمحاولة تحجيم نفوذ تنظيم “الدولة الإسلامية” المتصاعد

99

تواصل روسيا تداخلاتها على الأراضي السورية مع مرور 60 شهرا على انطلاق تدخلها في الثلاثين من سبتمبر/أيلول عام 2015، ومع انتهاء الشهر الستين من سلسلة التدخلات الروسية، تواصل القوات الروسية انخراطها في مسرح الأحداث السورية عبر الدوريات العسكرية، التي كان آخرها في 28 سبتمبر/أيلول، حيث خرجت القوات الروسية في دورية عسكرية في محيط مدينة القامشلي ضمن محافظة الحسكة، في إطار التحركات الاعتيادية للروس في المنطقة. وإلى جانب الدوريات الفردية، تخرج القوات الروسية في دوريات مشتركة مع القوات التركية، حيث سيرت في 24 سبتمبر دورية مشتركة مع القوات التركية في مناطق ريف عين العرب (كوباني) الشرقية.

وتأتي تلك الدوريات في إطار الاتفاقات الروسية التركية بشأن تقاسم مناطق النفوذ ووقف التصعيد في مناطق شمال وشمال شرق سورية. ومنذ لحظة انطلاق العملية العسكرية التركية في الشمال السوري في 9 أكتوبر/تشرين الأول، تقدمت القوات التركية والفصائل الموالية لها بغطاء جوي وبري مكثف في إجمالي مساحة تقدر بـ4875 كم2 (9.2% من إجمالي مساحة المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية)، أي ما يزيد على ربع مساحة لبنان. وفي الوقت نفسه، دخلت قوات النظام بموجب اتفاق بين “قسد” و”النظام” بوساطة روسية، إلى منطقة تقدر مساحتها بـ18821 كم2 (35.6% من إجمالي مساحة سيطرة قوات سوريا الديمقراطية)، ما يعني أن قوات سوريا الديمقراطية فقدت السيطرة على 23641 كم2، بعد أن كانت تسيطر على مساحة قدرها 52916 كم2 (28.6% من إجمالي مساحة سوريا) قبل انطلاق العملية العسكرية “نبع السلام”، ما يعني أن “قسد” لم تعد تسيطر سوى على 15.7% من مساحة سوريا.

ولا تقتصر الدوريات الروسية على القوات التركية وحدها، بل تواصل القوات الروسية دورياتها المشتركة مع قوات سوريا الديمقراطية، حيث خرجت دورية في 12 سبتمبر مؤلفة من 6 مدرعات برفقة عربة لـ”قسد” ﺟﺎﺑﺖ ﻗﺮﻳﺘﻲ ﺭﻭﺑﺎﺭﻳﺎ ﻭﺣﻴﺎﻛﺎ ﺟﻨﻮﺑﻲ المالكية ﻭﺻﻮﻻً ﺇﻟﻰ ﻗﺮﻳﺔ ﺳﺮﻣﺴﺎﺥ ﻏﺮﺑﻬﺎ وعادت ﺍﻟﻤﺪﺭﻋﺎﺕ ﺍﻟﺴﺖ وﺗﻮﺟﻬﺖ ﺑﻌﺪﻫﺎ ﺇﻟﻰ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺁﻟﻴﺎﻥ في ريف “معبدة” ﻏﺮﺏ المالكية بريف الحسكة.

كذلك، تواصل القوات الروسية تعزيز وجودها العسكري في شمال وشمال شرق سورية، من خلال استقدام أرتال جديدة إلى عين عيسى، من بينها رتل في 27 سبتمبر، إضافة إلى رتل آخر في 19 سبتمبر وصل إلى مطار القامشلي الذي تتخذه القوات الروسية قاعدة عسكرية لها شمال شرق سورية.

ويعد الإنجاز الأكبر للقوات الروسية في سوريا خلال الشهر المنصرم، هو إعادة فتح طريق الحسكة-حلب الدولي في 12 سبتمبر، حيث أعادت القوات الروسية فتح الطريق من تل تمر بريف الحسكة الشمالي وبلدة عين عيسى بريف الرقة الشمالي، بعد إغلاقه لأكثر من شهرين بسبب “جائحة كورونا”، وعبرت عشرات الشاحنات التجارية والسيارات على الطريق المعروف بطريق M4.

وفيما يعد إشارة إلى الرفض الشعبي للوجود الروسي، رفض أهالي قرى “كركي لكي” في ريف مدينة القامشلي بناء قاعدة عسكرية روسية في منطقتهم، حيث توجه أهالي قريتي حياكا وسرمساخ تحتاني التابعتين لناحية “كركي لكي”، إلى خيمة القوات الروسية وأعربوا عن رفضهم إنشاء قاعدة عسكرية في قراهم، وبضغط من الأهالي تراجعت القوات الروسية عن قرارها، وعادت أدراجها إلى مدينة القامشلي.

وعلى الرغم من التوترات التي شهدتها الأشهر الماضية بين القوات الروسية من ناحية والقوات الأمريكية من ناحية أخرى، فإن الشهر المنصرم شهد هدوءًا في حوادث الاعتراض أو الاشتباك بين الجانبين الأمريكي والروسي.

وعلى الجانب الآخر، تشهد أجواء البادية السورية غارات جوية مكثفة تشنها الطائرات الروسية بشكل يومي، لاستهداف مناطق انتشار تنظيم “الدولة الإسلامية” هناك، في محاولة للحد من نشاطه المكثف والمتصاعد، حيث يعمد التنظيم إلى استهداف مواقع قوات النظام والميليشيات الموالية لها في أماكن متفرقة من البادية السورية. وواصلت الطائرات الروسية تصعيد عملياتها في البادية السورية، حيث كثفت تلك الطائرات من قصفها الجوي المكثف على مناطق انتشار تنظيم “الدولة الإسلامية”، لا سيما في بادية دير الزور ومثلث حلب – حماة – الرقة، حيث وثق المرصد السوري مقتل 99 عنصراً من تنظيم “الدولة الإسلامية” في الضربات الجوية الروسية على مدار الشهر.
وبذلك، بلغت حصيلة الخسائر البشرية خلال الفترة الممتدة من 24 مارس/آذار الفائت من العام 2019، وحتى يومنا هذا، 781 قتيلا من قوات النظام والمسلحين الموالين لها من جنسيات سورية وغير سورية، من بينهم اثنين من الروس على الأقل، بالإضافة لـ140 من المليشيات الموالية لإيران من جنسيات غير سورية، قتلوا جميعاً خلال هجمات وتفجيرات وكمائن لتنظيم “الدولة الإسلامية” في غرب الفرات وبادية دير الزور والرقة وحمص والسويداء. كما وثق المرصد السوري استشهاد 4 مدنيين عاملين في حقول الغاز و11 من الرعاة بالإضافة لمواطنة في هجمات التنظيم، فيما وثق “المرصد” كذلك مقتل 390 من تنظيم “الدولة الإسلامية”، خلال الفترة ذاتها خلال الهجمات والقصف والاستهدافات.
تمر الأشهر ولا يزال الشعب السوري يعاني ويلات التدخل الروسي الذي يبدو وكأنه انتقام ضد السوريين لخروجهم على النظام الذي ارتكب الويلات بحق شعبه. وفي وقت تتغير فيه خريطة التحالفات وتوازنات القوى، باتت روسيا الرابح الأكبر في سلسلة الفوضى بعد أن نجحت في استعادة سيطرة “النظام” على نحو ثُلُثي البلاد بعد أن كان “النظام” فقد السيطرة على أغلب أراضيها. ومع التبدلات المستمرة في موازين القوى واستعادة قوات النظام السيطرة على مساحات واسعة من سورية، فإن المرصد السوري لحقوق الإنسان يجدد مناشداته للمجتمع الدولي للضغط على روسيا لوقف عدوانها على المدنيين السوريين، إضافة إلى الضغط من أجل التوصل لحل سياسي ينهي الأزمة السورية التي دخلت عامها العاشر على التوالي، دون حل يلوح في الأفق لوقف آلة القتل التي انطلقت لتسفك دماء آلاف السوريين وتشرد الملايين غيرهم داخليا وخارجيا.