70 شهرا على إعلان “الدولة الإسلامية”: عمليات مكثفة شرق الفرات وحملات أمنية مضادة رغم إعلان الهزيمة.. والبادية السورية ملعباً لاستعادة نفوذ “خلايا الدولة”

59

المرصد السوري لحقوق الإنسان

مايو/آيار 2020

على الرغم من إعلان قيادة التحالف الدولي لمواجهة تنظيم “الدولة الإسلامية” هزيمة التنظيم في شهر مارس/آذار من العام الماضي، فإن الواقع على الأرض يشير إلى أن التنظيم لا يزال بعيدا عن مرحلة الهزيمة الكاملة، في ظل استمرار خلايا التنظيم في شن عمليات وهجمات يقابلها حملات أمنية تشنها قوات التحالف الدولي بالتعاون مع قوات سوريا الديمقراطية في مختلف مناطق سيطرة “قسد”، ناهيك عن العمليات الأمنية التي تشنها قوات النظام والقوات الروسية لمواجهة خلايا تنظيم “الدولة الإسلامية” في مناطق سيطرتهما. وعلى الرغم من أن التنظيم تعرض لضربات هائلة، على رأسها القضاء على أغلب مناطق سيطرته باستثناء منطقة البادية السورية، ومقتل زعيمه أبو بكر البغدادي في غارة أمريكية واعتقال عدد كبير من قادة التنظيم، فإن خلايا التنظيم تستغل كل فرصة سانحة لإثارة الفوضى وتنفيذ عمليات الاغتيال والاستهداف التي تعمل من خلالها على إرسال رسالة مفادها أن التنظيم سيظل باقيا.

وخلال الفترة الماضية، وعلى خلفية الانفلات الأمني في مختلف مناطق السيطرة، صعَّدت خلايا تنظيم “الدولة الإسلامية” من عملياتها في مختلف المناطق، حيث شهدت مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية تصاعدًا في عمليات الاختطاف لطلب الفدى المالية مرورا بالاغتيالات ووصولا إلى الابتزاز والتهديد بالقتل وفرض إتاوات مالية على المواطنين تحت مسمى “الزكاة”. وعلى مدار الفترة من 29 أبريل/نيسان 2020 حتى 29 مايو/آيار، رصد المرصد السوري لحقوق الإنسان استمرار التنظيم في أنشطته بعد أن تحول من “دولة خلافة” إلى تنظيم “خلايا نائمة”.

فوضى مستمرة وحملات أمنية.. تنظيم “الدولة الإسلامية” يستغل الانفلات الامني

على مدار الشهر الماضي، نفذت قوات التحالف الدولي عدة عمليات إنزال جوي لمحاصرة عدة مناطق واعتقال عدد من عناصر تنظيم “الدولة الإسلامية” من جنسيات مختلفة، حيث أفادت مصادر في 28 مايو، بأن التحالف الدولي نفذ عملية إنزال جوي في قرية “جديد عكيدات” بريف دير الزور الشرقي، حيث جرت محاصرة إحدى المناطق في القرية برفقة قوات سوريا الديمقراطية، عقب إبلاغ الأهالي عدم الخروج من منازلهم عبر مكبرات الصوت، وتم اعتقال 4 أشخاص من تنظيم “الدولة الإسلامية” يرجح أنهم من الجنسية العراقية.

وفي الـ17 من الشهر نفسه، نفذت القوات الأميركية العاملة ضمن التحالف الدولي، عمدت إلى تنفيذ عملية إنزال في أحد أحياء مدينة البصيرة بريف دير الزور الشرقي، وبدأت العملية بمطالبة أهالي وسكان الحي بعدم الخروج من منازلهم عبر مكبرات صوت وتسليم المطلوبين لأنفسهم، حيث تستهدف القوات الأميركية التي ترافقها قوات مكافحة الإرهاب ضمن قسد منزلين اثنين من العملية يقطنهما عوائل من البوكمال.

وفي المنزل الأول، خرجت نساء وأطفال من المنزل وجرى إلقاء القبض عليهم من قبل الأميركان، بينما رفض رجلان الخروج وتسليم أنفسهما، لتتطور العملية إلى تبادل إطلاق نار بشكل مكثف وعنيف استمرت لفترة من الزمن، وقتل خلال أحد المتواجدين في المنزل، فيما جرى تفجير المنزل من قبل القوات الأميركية لينهار ويقتل الشخص الآخر الذي كان بداخله، والقتيلين من قياديي تنظيم “الدولة الإسلامية”.

عقب ذلك توجهت القوات الأميركية إلى المنزل الآخر وجرى مداهمته وتفتيشه بشكل دقيق جداً، حيث إن المطلوبين كانا يقيميان فيه قبل انتقالهما إلى المنزل الآخر، فيما يسكن المنزل الآن رجل مسن وعائلته وجرى أخراجهم من قبل القوات الأميركية دون التعرض لهم، وتم تفخيخ المنزل وتفجيره، وفي سياق متصل اعتقلت القوات الأميركية شاب كان يشاهد العملية من منزله.

وبعد انتهاء العملية، هبطت 3 مروحيات أميركية على الأرض لنقل القوات التي شاركت بالعملية، فيما كانت مروحية أخرى تحلق في أجواء المنطقة بذات الوقت رفقة طيران استطلاع.

البادية السورية.. 1.8% من مساحة سوريا تتحول إلى ملعب للتنظيم

على الرغم من إعلان القضاء على ما يسمى بـ”دولة الخلافة” وإعلان هزيمة التنظيم في سوريا، فإن تنظيم “الدولة الإسلامية” لا يزال يسيطر على نحو 3283 كيلومتر مربع، أي ما يعادل 1.8% من إجمالي مساحة سوريا، حيث لا يزال التنظيم مستمرا في نشاطه في البادية السورية غرب نهر الفرات في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات النظام والميليشيات الموالية لها من جنسيات سورية وغير سورية، عبر هجمات وكمائن متواصلة في بادية السويداء والرقة ودير الزور وحمص. وبحسب إحصاءات المرصد السوري لحقوق الإنسان، يسيطر التنظيم حاليا على منطقة تنطلق من جبل أبورجمين في شمال شرق تدمر، وصولا إلى بادية دير الزور وريفها الغربي. كما يتواجد التنظيم في بادية السخنة وفي شمال الحدود الإدارية لمحافظة السويداء.

وفي إطار رد قوات النظام والقوات الروسية على عمليات التنظيم، نفذت الطائرات الحربية الروسية صباح السابع والعشرين من مايو، ضربات جوية على مواقع انتشار تنظيم “الدولة الإسلامية” في البادية السورية. وتركزت الغارات في بادية الرقة، حيث كان التنظيم قد شن هجوماً بعد منتصف ليل ذلك اليوم على مواقع قوات النظام والمليشيات الموالية لها جنوب محافظة الرقة، ودارت على أثرها اشتباكات عنيفة بين الطرفين، ووثق المرصد السوري لحقوق الإنسان مقتل 8 عناصر من قوات النظام والمسلحين الموالين لها و11 عنصراً من تنظيم “الدولة الإسلامية”. 

وفي الثامن عشر من الشهر الجاري، أعدم تنظيم “الدولة الإسلامية” 7 عناصر من المليشيات الموالية للنظام في بادية دير الزور، ضمن المنطقة الواقعة بين ريف دير الزور والسخنة بأقصى بادية حمص الشرقية، عقب ساعات من قطع عناصر التنظيم الدولة لطريق دمشق – دير الزور عند منطقة كباجب.

ويواصل التنظيم عملياته ضمن عموم البادية السورية حيث تواجد قوات النظام السوري والمليشيات الموالية لها من جنسيات سورية وغير سورية على رأسها المليشيات الإيرانية وفصيلي “حزب الله” اللبناني والعراقي، منذ 14 شهراً. وتتركز عمليات التنظيم بشكل أساسي عبر تفجيرات ونصب كمائن وزرع ألغام وعبوات فضلاً عن الهجمات المباغتة التي تكاد بشكل يومي، ولم تمنع التعزيزات الكبيرة التي تستقدمها قوات النظام والمليشيات الإيرانية ولا حتى الضربات الجوية الروسية التي تصاعدت مؤخراً من نشاط التنظيم الذي أسفر خلال الأشهر الـ13 عن مئات القتلى والجرحى.

وخلال الفترة الممتدة من 24 مارس 2019 وحتى اليوم، وثق المرصد السوري لحقوق الإنسان مقتل ما لا يقل عن 533 من قوات النظام والمسلحين الموالين لها من جنسيات سورية وغير سورية، من بينهم اثنين من الروس على الأقل و127 من المليشيات الموالية لإيران من جنسيات غير سورية، خلال هجمات وتفجيرات وكمائن لتنظيم “الدولة الإسلامية” في غرب الفرات وبادية دير الزور والرقة وحمص والسويداء. كما وثق “المرصد السوري” استشهاد 4 مدنيين عاملين في حقول الغاز واثنين من الرعاة ومواطنة و4 آخرين في هجمات التنظيم، فيما وثق “المرصد السوري” مقتل 191 من تنظيم “الدولة الإسلامية” خلال الفترة ذاتها خلال الهجمات والقصف والاستهدافات.

وفي شهر أبريل الماضي، اكتشف “فريق الاستجابة الأولية” التابع لـ“مجلس الرقة المدني” مقبرة جماعية جديدة في محافظة الرقة تتضمن رفات وبقايا نحو 200 جثة في قرية الحمرات بريف الرقة الشرقي. ويُرجح أن الجثث لمدنيين ومقاتلين قتلوا إبان تواجد تنظيم “الدولة الإسلامية” في المنطقة هناك. وقالت مصادر لـ”المرصد السوري” إن غالبية الجثث تعود لعناصر من “الفرقة 17” ضمن قوات النظام ممن كان تنظيم “الدولة الإسلامية” قد أعدمهم إبان سيطرته على المنطقة. وأكد فريق الطب الشرعي أن التقديرات الأولية تشير إلى أن الجثث تعود لأشخاص تتراوح أعمارهم بين 25 و40.

 

مخيم الهول.. “دويلة التنظيم” باقية ولا حلول تلوح في الأفق

ولا تزال أزمة مخيم الهول الذي يعد إرثا شاهدا على الفوضى التي أطلقها التنظيم في سوريا مستمرة، حيث بات مخيم الهول للاجئين والنازحين أشبه بـ”دويلة” لعناصر وعائلات التنظيم، وهي أزمة تسعى معظم دول العالم إلى تجاهلها والتغاضي عنها تجنبا لاستعادة مواطنيها الذين انضموا إلى عناصر التنظيم. وتنتشر الفوضى والانفلات الأمني بصورة كبيرة داخل المخيم الذي يعد بمثابة قنبلة موقوتة تهدد بعودة ظهور “الدولة الإسلامية” أو تنظيم أشد خطرا منه، حيث إنه وفقا لإحصاءات المرصد السوري لحقوق الإنسان، فإن مخيم الهول يضم ما لا يقل عن 68607 شخص، هم: 8450 عائلة عراقية تشمل 30765 شخصا من الجنسية العراقية، و7809 عائلة سورية تشمل 28069 شخصا من الجنسية السورية، فيما البقية –أي 9773 شخص- من جنسيات أوربية وآسيوية وأفريقية وغيرها ضمن 2824 عائلة.

وفي 28 مايو، عُثر على جثة لاجئ عراقي قتيلا أمام خيمته في القطاع الأول من المخيم، وتبين أن عملية القتل جرت عقب تعرض جمجمته للثقب بأداة حادة، فيما تشير أصابع الاتهام إلى نساء متشددات من عوائل عناصر تنظيم “الدولة الإسلامية”. وفي 23 مايو الجاري، نشب حريق في 3 خيام بالقطاع الأول من المخيم، وبعدها جرى العثور على جثة لاجئ عراقي. ووفقاً لمصادر طبية، فإن وفاة اللاجئ العراقي جاءت نتيجة تلقيه ضربات عدة على رأسه.

القتال في ليبيا.. ظاهرة جديدة يقودها عناصر التنظيم برعاية تركية

في الثامن والعشرين من مايو، حصل المرصد السوري لحقوق الإنسان على معلومات مؤكدة تشير إلى توجه كتيبة من “المرتزقة” تضم نحو 50 عنصرا يترأسها أمني سابق في تنظيم “الدولة الإسلامية” ينحدر من ريف حمص الشرقي، إلى لقتال في ليبيا. وبحسب معلومات موثوقة، فإن الأمني السابق كان يشغل منصبا بارزا في “ولاية حمص”، ثم بايع جبهة النصرة بعد انهيار التنظيم في البادية، واتجه إلى المناطق الخاضعة لسيطرة تركيا في عفرين، ثم اتجه للقتال في ليبيا مع 49 مقاتلا سابقا من التنظيم مع بداية العام الجاري كمرتزقة هناك.

المختطفون لدى التنظيم.. تجاهل تام ومصير مجهول

وعلى الرغم من انقضاء نحو 14 شهرا على الإعلان الرسمي للتحالف الدولي بالقضاء على تنظيم “الدولة الإسلامية” كقوة مسيطرة شرق نهر الفرات، وبرغم التطورات التي جرت على مدار الفترة الماضية، فإن الصمت لا يزال متواصلا من قبل جميع الأطراف حول قضية المختطفين لدى تنظيم “الدولة الإسلامية” دون تقديم أي إجابة عن مصير آلاف المختطفين، حيث تتواصل المخاوف على حياة ومصير المختطفين ومنهم الأب باولو داولوليو والمطرانين يوحنا ابراهيم وبولس يازجي، وعبدالله الخليل وصحفي بريطاني وصحفي سكاي نيوز وصحفيين آخرين، إضافة لمئات المختطفين من أبناء منطقة عين العرب (كوباني) وعفرين، بالإضافة لأبناء دير الزور.

إن المرصد السوري لحقوق الإنسان، وعلى ضوء التطورات المتلاحقة فيما يتعلق بتنظيم “الدولة الإسلامية”، يجدد مطالبته لمجلس الأمن الدولي بإحالة ملف جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المرتكبة في سوريا إلى محكمة الجنايات الدولية، لينال قتلة الشعب السوري عقابهم مع آمريهم ومحرضيهم. كما يشير “المرصد السوري” إلى أنه سبق وأن حذر قبل إعلان تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” عن “دولة خلافته” في سوريا والعراق، بأن هذا التنظيم لم يهدف إلى العمل من أجل مصلحة الشعب السوري، وإنما زاد من قتل السوريين ومن المواطنين من أبناء هذا الشعب الذي شرد واستشهد وجرح منه الملايين، حيث عمد تنظيم “الدولة الإسلامية” إلى تجنيد الأطفال فيما يعرف بـ”أشبال الخلافة”، والسيطرة على ثروات الشعب السوري وتسخيرها من أجل العمل على بناء “خلافته”، من خلال البوابات المفتوحة ذهاباً وإياباً مع إحدى دول الجوار السوري.

وبعد أن تحول مخيم الهول إلى “قنبلة موقوتة” قد تعيد الفوضى إلى المنطقة من جديد، يجدد “المرصد السوري” مناشداته المجتمع الدولي بضرورة إيجاد حل لأزمة “دويلة الهول” التي تهدد بالانفجار في أي لحظة في وجه العالم أجمع. كما نجدد في “المرصد السوري” دعوتنا لمجلس الأمن الدولي وكافة المنظمات والدول التي تدعي احترام حقوق الإنسان في العالم، إلى العمل الفوري من أجل وقف الجرائم والانتهاكات المرتكبة بحق أبناء الشعب السوري من قبل تنظيم “الدولة الإسلامية”، وإنشاء محاكم مختصة لمحاكمتهم.