71 شهرا على إعلان “دولة الخلافة”: خلايا “تنظيم الدولة” تواصل نشاطها المتصاعد ضمن مناطق سيطرة “قسد وقوات النظام وحلفائها” وتتمدد ضمن مناطق النفوذ التركي

61

المرصد السوري لحقوق الإنسان

يونيو/حزيران 2020

على الرغم من إعلان قيادة التحالف الدولي لمواجهة تنظيم “الدولة الإسلامية” هزيمة التنظيم في شهر مارس/آذار من العام الماضي، فإن الواقع على الأرض يشير إلى أن التنظيم لا يزال بعيدا عن مرحلة الهزيمة الكاملة، في ظل استمرار خلايا التنظيم في شن عمليات وهجمات يقابلها حملات أمنية تشنها قوات التحالف الدولي بالتعاون مع قوات سوريا الديمقراطية في مختلف مناطق سيطرة “قسد”، ناهيك عن العمليات الأمنية التي تشنها قوات النظام والقوات الروسية لمواجهة خلايا التنظيم في مناطق سيطرتهما. وعلى الرغم من أن التنظيم تعرض لضربات هائلة، على رأسها القضاء على أغلب مناطق سيطرته باستثناء منطقة البادية السورية، ومقتل زعيمه أبو بكر البغدادي في غارة أمريكية واعتقال عدد كبير من قادة التنظيم، فإن خلايا التنظيم تستغل كل فرصة سانحة لإثارة الفوضى وتنفيذ عمليات الاغتيال والاستهداف التي تعمل من خلالها على إرسال رسالة مفادها أن التنظيم سيظل باقيا.

وخلال الفترة الماضية، وعلى خلفية الانفلات الأمني في مختلف مناطق السيطرة، صعَّدت خلايا تنظيم “الدولة الإسلامية” من عملياتها في مختلف المناطق، حيث شهدت مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية تصاعدًا في عمليات الاختطاف لطلب الفدى المالية مرورا بالاغتيالات ووصولا إلى الابتزاز والتهديد بالقتل وفرض إتاوات مالية على المواطنين تحت مسمى “الزكاة”. وعلى مدار الفترة من 29 مايو/آيار إلى 29 يونيو/حزيران، رصد المرصد السوري لحقوق الإنسان استمرار التنظيم في أنشطته بعد أن تحول من “دولة خلافة” إلى تنظيم “خلايا نائمة”.

 

فوضى مستمرة وحملات أمنية.. تنظيم “الدولة الإسلامية” يستغل الانفلات الأمني

على مدار الشهر الماضي، نفذت قوات التحالف الدولي عدة عمليات إنزال جوي لمحاصرة عدة مناطق واعتقال عدد من عناصر تنظيم “الدولة الإسلامية” من جنسيات مختلفة، حيث أفادت مصادر المرصد السوري، في 22 يونيو/حزيران، بأن سجناء من التنظيم نفذوا عصيانا في سجن الكسرة في ريف دير الزور الغربي، للمطالبة بتحسين أوضاعهم ومحاكماتهم، ما دفع قوات “الكوماندوس” التابعة لقوات سوريا الديمقراطية إلى التدخل لفرض طوقا أمنيا حول السجن وإنهاء العصيان في السجن.

وفي 18 يونيو، نفذ عناصر تنظيم “الدولة الإسلامية” هجوما هو الخامس خلال أقل من 10 أيام، استهدف مثلث حلب–حماة–الرقة، دارت على أثره اشتباكات عنيفة مع قوات النظام والمسلحين الموالين لها، ما أدى إلى سقوط خسائر بشرية، حيث قتل وجرح ما لا يقل عن 15 عنصراً من قوات النظام، بينهم 6 تأكد مقتلهم. وكان ذلك هو الهجوم الخامس خلال أقل من 10 أيام. ولم تقتصر عمليات التنظيم على قوات النظام، حيث رصد “المرصد السوري” في 16 يونيو، استهداف عناصر التنظيم 4 رعاة وسلب أغنامهم وإضرام النيران في المحاصيل الزراعية، في منطقة بادية الغانم العلي الواقعة ضمن مناطق نفوذ قوات النظام والمسلحين الموالين لها شرق محافظة الرقة.

وفي 15 يونيو، علم المرصد السوري لحقوق الإنسان أن مسلحين يرجح أنهم من خلايا تنظيم “الدولة الإسلامية” اقتحموا مبنى “بلدية الشعب” في بلدة الطيانة بريف دير الزور الشرقي، وجمعوا الموظفين بمكان واحد، ثم أعدموا رئيس البلدية رمياً بالرصاص على مرأى الموظفين.

وفي ظل الانفلات الأمني الذي يسود مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية وقوات النظام، تعمل خلايا تنظيم “الدولة الإسلامية” على استغلال الوضع من خلال تنفيذ عدة عمليات اغتيالات واستهدافات ضد “قسد” والنظام وعدد من المدنيين، إضافة إلى ابتزاز المدنيين لإجبارهم على دفع فدى مالية تحت مسمى “الزكاة”.

 

مناطق سيطرة الفصائل الموالية لتركيا.. محاولات للسيطرة

ووفقا لمتابعات المرصد السوري لحقوق الإنسان، تواصل خلايا تنظيم “الدولة الإسلامية” عملها داخل مناطق سيطرة القوات التركية وفصائل عملية “درع الفرات”، حيث أعلن التنظيم مسؤوليته عن مقتل مسؤول المكاتب العقارية في مدينة الباب شمال شرق حلب في 26 يونيو. ولا تعد تلك المرة الأولى التي يتبنى فيها التنظيم عمليات اغتيال في منطقة الباب الخاضعة لسيطرة القوات التركية وفصائل عملية “درع الفرات”، حيث كان التنظيم أقر باغتيال عقيد منشق عن قوات النظام، وهو قيادي في صفوف “الجيش الوطني” المدعوم والمؤتمر من قبل الحكومة التركية.

ويأتي نشاط خلايا تنظيم “الدولة الإسلامية” في مناطق “درع الفرات”، في الوقت الذي تواصل فيه ما تُعرف بـ”الكتيبة العراقية” بحثها عنهم ومحاولتها للإيقاع بهم، إذ كان “المرصد السوري” حصل على معلومات في السابع من الشهر الجاري، عن كتيبة تضم نحو 40 مقاتل جميعهم عراقيين من عناصر تنظيم “الدولة الإسلامية”، وينضوون في صفوف فصيل “تجمع أحرار الشرقية” الموالي لتركيا في الشمال السوري. وفي 20 يونيو، علم المرصد السوري أن الشخص الذي قتل في استهداف جوي بالقرب من مدينة الباب، هو قيادي بارز في صفوف تنظيم “الدولة الإسلامية” في الرقة.

ووفقاً لمصادر “المرصد السوري”، فإن مهمة الكتيبة تنفيذ عمليات اغتيال وتفجيرات وتفخيخ، بالإضافة إلى التعرف على عناصر التنظيم الأجانب الذين يحاولون الهرب باتجاه الأراضي التركية، والمتخفين ضمن الريف الحلبي. كما علم “المرصد السوري” أنه جرى مساومة الذين يتعرضون للسجن ممن يتم العثور عليهم، بغية إرسالهم إلى ليبيا للقتال هناك.

 

البادية السورية.. 1.8% من مساحة سوريا تتحول إلى ملعب للتنظيم

وعلى الرغم من إعلان القضاء على ما يسمى بـ”دولة الخلافة” وإعلان هزيمة التنظيم في سوريا، فإن تنظيم “الدولة الإسلامية” لا يزال يسيطر على نحو 3283 كيلومتر مربع، أي ما يعادل 1.8% من إجمالي مساحة سوريا، حيث لا يزال التنظيم مستمرا في نشاطه في البادية السورية غرب نهر الفرات في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات النظام والميليشيات الموالية لها من جنسيات سورية وغير سورية، عبر هجمات وكمائن متواصلة في بادية السويداء والرقة ودير الزور وحمص. وبحسب إحصاءات المرصد السوري لحقوق الإنسان، يسيطر التنظيم حاليا على منطقة تنطلق من جبل أبورجمين في شمال شرق تدمر، وصولا إلى بادية دير الزور وريفها الغربي. كما يتواجد التنظيم في بادية السخنة وفي شمال الحدود الإدارية لمحافظة السويداء.

وفي 21 يونيو، شن عناصر التنظيم هجوما على مواقع قوات النظام والمسلحين الموالين لها في أطراف الميادين من جهة بادية دير الزور، ودارت اشتباكات عنيفة بين الطرفين، تمكن خلالها عناصر التنظيم من قتل 8 عناصر من قوات النظام على الأقل، بالإضافة لأسر 3 آخرين. وجدير بالذكر أن “منطقة المزارع” أكبر تجمع للإيرانيين والمليشيات الموالية لها في المنطقة تقع على مقربة من موقع الاشتباكات، إلا أن تنظيم “الدولة الإسلامية” لم يهاجموها، كما لم تساند القوات الإيرانية قوات النظام في صد الهجوم.

ويواصل التنظيم عملياته ضمن عموم البادية السورية حيث تواجد قوات النظام السوري والمليشيات الموالية لها من جنسيات سورية وغير سورية على رأسها المليشيات الإيرانية وفصيلي “حزب الله” اللبناني والعراقي، منذ 15 شهراً. وتتركز عمليات التنظيم بشكل أساسي عبر تفجيرات ونصب كمائن وزرع ألغام وعبوات فضلاً عن الهجمات المباغتة التي تكاد بشكل يومي، ولم تمنع التعزيزات الكبيرة التي تستقدمها قوات النظام والمليشيات الإيرانية ولا حتى الضربات الجوية الروسية التي تصاعدت مؤخراً من نشاط التنظيم الذي أسفر خلال الأشهر الـ15 عن مئات القتلى والجرحى.

وبذلك، ترتفع حصيلة الخسائر البشرية خلال الفترة الممتدة من 24 مارس/آذار 2019 وحتى يومنا هذا، إلى ما لا يقل عن 570 قتيل من قوات النظام والمسلحين الموالين لها من جنسيات سورية وغير سورية، من بينهم اثنين من الروس على الأقل، بالإضافة لـ127 من المليشيات الموالية لإيران من جنسيات غير سورية، قتلوا جميعاً خلال هجمات وتفجيرات وكمائن لتنظيم “الدولة الإسلامية” في غرب الفرات وبادية دير الزور والرقة وحمص والسويداء. كما وثق المرصد السوري استشهاد 4 مدنيين عاملين في حقول الغاز و11 من الرعاة، بالإضافة لمواطنة في هجمات التنظيم، فيما وثق المرصد السوري كذلك مقتل 212 من التنظيم، خلال الفترة ذاتها خلال الهجمات والقصف والاستهدافات.

وفي شهر أبريل الماضي، اكتشف “فريق الاستجابة الأولية” التابع لـ“مجلس الرقة المدني” مقبرة جماعية جديدة في محافظة الرقة تتضمن رفات وبقايا نحو 200 جثة في قرية الحمرات بريف الرقة الشرقي. ويُرجح أن الجثث لمدنيين ومقاتلين قتلوا إبان تواجد تنظيم “الدولة الإسلامية” في المنطقة هناك. وقالت مصادر لـ”المرصد السوري” إن غالبية الجثث تعود لعناصر من “الفرقة 17” ضمن قوات النظام ممن كان تنظيم “الدولة الإسلامية” قد أعدمهم إبان سيطرته على المنطقة. وأكد فريق الطب الشرعي أن التقديرات الأولية تشير إلى أن الجثث تعود لأشخاص تتراوح أعمارهم بين 25 و40.

 

مخيم الهول.. “دويلة التنظيم” باقية ولا حلول تلوح في الأفق

ولا تزال أزمة مخيم الهول الذي يعد إرثا شاهدا على الفوضى التي أطلقها التنظيم في سوريا مستمرة، حيث بات مخيم الهول للاجئين والنازحين أشبه بـ”دويلة” لعناصر وعائلات التنظيم، وهي أزمة تسعى معظم دول العالم إلى تجاهلها والتغاضي عنها تجنبا لاستعادة مواطنيها الذين انضموا إلى عناصر التنظيم. وتنتشر الفوضى والانفلات الأمني بصورة كبيرة داخل المخيم الذي يعد بمثابة قنبلة موقوتة تهدد بعودة ظهور “الدولة الإسلامية” أو تنظيم أشد خطرا منه، حيث إنه وفقا لإحصاءات المرصد السوري لحقوق الإنسان، فإن مخيم الهول يضم ما لا يقل عن 68607 شخص، هم: 8450 عائلة عراقية تشمل 30765 شخصا من الجنسية العراقية، و7809 عائلة سورية تشمل 28069 شخصا من الجنسية السورية، فيما البقية –أي 9773 شخص- من جنسيات أوربية وآسيوية وأفريقية وغيرها ضمن 2824 عائلة.

وفي 28 مايو، عُثر على جثة لاجئ عراقي قتيلا أمام خيمته في القطاع الأول من المخيم، وتبين أن عملية القتل جرت عقب تعرض جمجمته للثقب بأداة حادة، فيما تشير أصابع الاتهام إلى نساء متشددات من عوائل عناصر تنظيم “الدولة الإسلامية”. وفي 23 مايو الجاري، نشب حريق في 3 خيام بالقطاع الأول من المخيم، وبعدها جرى العثور على جثة لاجئ عراقي. ووفقاً لمصادر طبية، فإن وفاة اللاجئ العراقي جاءت نتيجة تلقيه ضربات عدة على رأسه.

 

المختطفون لدى التنظيم.. تجاهل تام ومصير مجهول

 

وعلى الرغم من انقضاء نحو 15 شهرا على الإعلان الرسمي للتحالف الدولي بالقضاء على تنظيم “الدولة الإسلامية” كقوة مسيطرة شرق نهر الفرات، وبرغم التطورات التي جرت على مدار الفترة الماضية، فإن الصمت لا يزال متواصلا من قبل جميع الأطراف حول قضية المختطفين لدى تنظيم “الدولة الإسلامية” دون تقديم أي إجابة عن مصير آلاف المختطفين، حيث تتواصل المخاوف على حياة ومصير المختطفين ومنهم الأب باولو داولوليو والمطرانين يوحنا ابراهيم وبولس يازجي، وعبدالله الخليل وصحفي بريطاني وصحفي سكاي نيوز وصحفيين آخرين، إضافة لمئات المختطفين من أبناء منطقة عين العرب (كوباني) وعفرين، بالإضافة لأبناء دير الزور.

إن المرصد السوري لحقوق الإنسان، وعلى ضوء التطورات المتلاحقة فيما يتعلق بتنظيم “الدولة الإسلامية”، يجدد مطالبته لمجلس الأمن الدولي بإحالة ملف جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المرتكبة في سوريا إلى محكمة الجنايات الدولية، لينال قتلة الشعب السوري عقابهم مع آمريهم ومحرضيهم. كما يشير “المرصد السوري” إلى أنه سبق وأن حذر قبل إعلان تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” عن “دولة خلافته” في سوريا والعراق، بأن هذا التنظيم لم يهدف إلى العمل من أجل مصلحة الشعب السوري، وإنما زاد من قتل السوريين ومن المواطنين من أبناء هذا الشعب الذي شرد واستشهد وجرح منه الملايين، حيث عمد تنظيم “الدولة الإسلامية” إلى تجنيد الأطفال فيما يعرف بـ”أشبال الخلافة”، والسيطرة على ثروات الشعب السوري وتسخيرها من أجل العمل على بناء “خلافته”، من خلال البوابات المفتوحة ذهاباً وإياباً مع إحدى دول الجوار السوري.

وبعد أن تحول مخيم الهول إلى “قنبلة موقوتة” قد تعيد الفوضى إلى المنطقة من جديد، يجدد “المرصد السوري” مناشداته المجتمع الدولي بضرورة إيجاد حل لأزمة “دويلة الهول” التي تهدد بالانفجار في أي لحظة في وجه العالم أجمع. كما نجدد في “المرصد السوري” دعوتنا لمجلس الأمن الدولي وكافة المنظمات والدول التي تدعي احترام حقوق الإنسان في العالم، إلى العمل الفوري من أجل وقف الجرائم والانتهاكات المرتكبة بحق أبناء الشعب السوري من قبل تنظيم “الدولة الإسلامية”، وإنشاء محاكم مختصة لمحاكمتهم.