“Collateral Dammage”
يستطيع فلاديمير بوتين ان يجعل حلب غروزني السورية، كل العناصر العسكرية والسياسية تساعده في المضي بتدمير المدينة كما فعل في العاصمة الشيشانية عام ٢٠٠٠، ووسط صمت وعجز دوليين عرفتهما غروزني أيضاً.
عسكرياً، بوتين لا يرسل جنوده الى الأرض، بل يكتفي بإلقاء قنابله التي تحرق الارض وبعض قذائفه محرّم دولياً، هذا يعني انه لن يجد أي معارضة روسية لعملياته، بل يجد التصفيق لأنه يواصل إعلاناته اليومية عن أنه يقاتل الإرهابيين.
الإرهابيون يجب قصفهم طبعاً، ولكن هناك مدنيون ومعارضون معتدلون سبق لبوتين ان طالب بفصلهم عن “النصرة”، وهناك ايضاً تلامذة في المدارس ومرضى في المستشفيات. ومنذ إنهيار الهدنة وتوقف المحادثات مع الأميركيين، تكثّفت الغارات الجويةm على المدارس والمستشفيات، على رغم ان “النصرة” ليست هناك وان “داعش” في الرقة التي يزعم الأميركيون انهم يتجهون الى تحريرها!
سياسياً، واضح أن باراك أوباما يترك الساحة السورية لبوتين، فهو يكتفي بالإنخراط في العمليات العسكرية لمحاربة “داعش” في الموصل، وبالتلويح ببداية اطلاق الهجوم على الرقة، مراهناً على ان يتنبه العالم الى أنه في حين تحتدم معركة الموصل، تقتل مقاتلات بوتين والأسد ٢٨ طفلاً في مدرسة بريف إدلب، ثم بقتل تسعة آخرون أمس في دوما.
يستطيع جان – مارك ايرولت ان يندّد قائلاً: “إن قصف المدارس يستلزم طائرات، إنه الأسد او بوتين”، ولكن ليس في وسع مجلس الإتحاد الأوروبي أكثر من فرض عقوبات على جماعة الأسد، لا معنى لمجلس الأمن في وجود الفيتو الروسي طبعاً، ولا قيمة لكل التصريحات وتعليقات الصحف الغربية، ففي موسكو يفرض بوتين معادلة ان حلب وكر للإرهابيين مثل غروزني ويجب تدمير هؤلاء.
ليس هناك من يريد التدخل عسكرياً، نظرية أوباما “دعوه يغرق في سوريا” وَهمٌ فظيع. بوتين لن يغرق بل ها هو يعوّم الحضور الروسي الذي يعيد إحياء نظرية “الإستقطاب الثنائي” على المسرح الدولي. في وسع مقاتلاته ان تسوي حلب بالأرض، ما دامت ماريا زاخاروفا تؤكد “ان روسيا لا علاقة لها بهذه المأساة الرهيبة” أي قصف الأطفال في مدرسة إدلب، وهي تطالب ايضاً بتحقيق دولي في الوقت الذي تعترض على إستمرار التحقيق في استعمال النظام السلاح الكيميائي!
فيتالي تشوركين كان أكثر رأفة من بوتين عندما قال “إن قصف التلاميذ فظيع جداً آمل ألا تكون لنا علاقة به”. بوتين يقول إن لا خيار لديه سوى تطهير وكر الإرهابيين في حلب “على رغم حقيقة وجود المدنيين فيها، وان وضع المدنيين في الصراعات يثير الأسى في كل مكان وليس في حلب وحدها”!
مخيف، يعني أنه سيجعل حلب غروزني السورية، فموت الأطفال مجرد “Collateral Dammage” كما يقول الأميركيون!
راجح الخوري
المصدر: النهار