بنحو 58 ألف مقاتل ومجند.. إيران تتغلغل في الجسد السوري وتحكم السيطرة الفعلية على البلاد على مدار عقد من الزمن

في الذكرى السنوية العاشرة للثورة السورية.. المرصد السوري يسلط الضوء على الدور الإيراني بقيادة قاسم سليماني في قمع الثورة وقتل المعتقلين وتثبيت نظام الأسد في الحكم

49

في الذكرى العاشرة لانطلاق الثورة السورية التي انطلقت شرارتها 15 آذار/مارس 2011، لابد لنا من الإشارة إلى الدور الإيراني الكبير في ما آلت إليه الأوضاع في سورية، فهي تعد المسبب الأبرز لما أصاب الشعب السوري من تدمير وتشريد وقتل إلى جانب النظام وقوى خارجية وداخلية أخرى، كيف لا وهي التي أصرت منذ الأيام الأولى على الحل الأمني ويشير المرصد السوري لحقوق الإنسان هنا إلى معلومات حصل عليها من مصادر رفيعة المستوى، تفيد بأن قاسم سليماني قام بالشهر أيار/مايو 2012 بإقناع بشار الأسد بعدم الرضوخ للمطالب الشعبية آنذاك والإصرار على الحل الأمني وأن إيران ستقدم الدعم الكامل لنظامه حتى النهاية وبعد ذلك طرحت فكرة إنشاء قوات الدفاع الوطني وجرى إرسالهم إلى إيران لإجراء تدريبات من ثم اُستقدم الإيرانيين إلى سورية تحت مسمى الدفاع الوطني، ولن ننسى إشراف الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس والميليشيات الإيرانية على المعتقلات وتعذيب وقتل المعتقلين السوريين المعارضين لنظام بشار الأسد حيث أن 83% من المعتقلين جرى تصفيتهم وقتلهم ومفارقتهم للحياة داخل هذه المعتقلات في الفترة الواقعة ما بين شهر آيار/مايو 2013 وشهر تشرين الأول/أكتوبر من العام 2015 وهي فترة تولي ملف المعتقلين من قبل الإيرانيين، كما أن قاسم سليماني هو من طرح استخدام سلاح “القناصات” في بدايات الثورة، فضلاً عن تقديم الدعم العسكري والمشاركة بالعمليات القتالية في مختلف المحافظات السورية وتهجير أهلها وسرقة وتعفيش ممتلكاتهم، ليصل الأمر مع مرور السنوات إلى العمل على التغيير الديمغرافي من خلال بسط السيطرة على مناطق شاسعة من الأراضي السورية والاستيلاء وشراء العقارات وتجنيد الشبان والرجال لصالح الميليشيات الإيرانية، حتى أن إيران هي المسيطر الفعلي على البلاد إلى جانب الروس في ظل الحرب الباردة بين الجانبين، بينما النظام السوري هو حاكم شكلي فقط.

وتسيطر إيران ضمن بقعة جغرافية واحدة على مساحة تفوق مساحة دولة لبنان، وهي تمتد انطلاقاً من البوكمال عند الحدود السورية – العراقية وصولاً إلى التبني مروراً بالميادين ومدينة دير الزور بالإضافة لانتشارها ضمن مناطق متداخلة عند الحدود الإدارية مع محافظة حمص، تحولت إلى ما يشبه “المستعمر” فإيران هي الآمر الناهي هناك وتسيطر على كل شيء فيها يتركز بشكل رئيسي في كل من معابر عسكرية غير شرعية بريف البوكمال وحي الجمعيات وحي الكتف في مدينة البوكمال وقاعدة الإمام علي وقرى العباس والجلاء ومواقع أخرى ببادية البوكمال، وأحياء مدينة الميادين ومنطقة المزارع التي تعد أكبر تجمع لهم في المنطقة هناك والتي تقع بريف الميادين وقرية الطيبة، بالإضافة للعشارة والقورية ومحكان والبوليل، والجفرة ومستودعات عياش بأطراف مدينة دير الزور، وأحياء هرابش والرصافة والعمال واللواء 137 ضمن مدينة دير الزور، فضلاً عن مواقع أخرى منتشرة ضمن المناطق آنفة الذكر كما تنتشر شرقي الفرات في قريتي حطلة ومراط، ويشير المرصد السوري إلى تواجد إيراني كبير ضمن المناطق المدنية وتلك المأهولة بالسكان غرب الفرات، حيث تتواجد مواقع عسكرية ومستودعات للأسلحة والذخائر.

بالإضافة للمناطق آنفة الذكر تنتشر إيران وميليشياتها في محافظة حلب بأحياء ضمن المدينة وأريافها الشمالية والشرقية والجنوبية، بالإضافة لتواجدها في العاصمة دمشق ولعل منطقة السيدة زينب ومحيط المطار أبرزها بالإضافة لريف دمشق كالقلمون وغيرها وعند الحدود السورية – اللبنانية، فضلاً عن مدينة حمص وريفها الغربي وتتواجد أيضاً في نقاط بريف إدلب الشرقي وبمواقع عدة ضمن محافظة درعا والقنيطرة قرب الحدود مع الجولان المحتل، بالإضافة لتواجدها في البادية السورية من ريف السويداء إلى ريفي حمص الشرقي والجنوبي الشرقي ومثلث حلب-حماة-الرقة.

ووفقاً لإحصائيات المرصد السوري لحقوق الإنسان، فإن تعداد الإيرانيين والميليشيات الموالية لها من الجنسية السورية وجنسيات غير سورية على الأراضي السورية يفوق الـ 58 ألف شخص، تتوزع على الشكل التالي:
** تعداد القوات الإيرانية والميليشيات الموالية لها في منطقة غرب الفرات يبلغ من 24 إلى 25 ألف مقاتل، 9 آلاف منهم من الجنسية السورية ممن جندتهم إيران بسلاحي “التشييع والمال”، والبقية -أي 15 إلى 16 ألف- من جنسيات عربية وآسيوية، يذكر أن ميليشيا مستحدثة يطلق عليها اسم “فوج الحاج قاسم سليماني” وهي ميليشيا مستحدثة منذ أشهر قليلة في منطقتي نبل والزهراء بريف حلب الشمالي، تضم عناصر محليين من أبناء الطائفة الشيعية، وصل العشرات منهم إلى البوكمال في مطلع شهر شباط 2021.

** تعداد المتطوعين في صفوف الإيرانيين والمليشيات الموالية لها في الجنوب السوري يقدر بنحو 9900، وتتم عمليات التجنيد هناك ضمن ما يعرف بـ “سرايا العرين” التابع للواء 313 الواقع شمال درعا، بالإضافة لمراكز في منطقة اللجاة ومناطق أخرى بريف درعا، وخان أرنبة ومدينة البعث بريف القنيطرة على مقربة من الحدود مع الجولان السوري المحتل، بالإضافة لريف السويداء.

** تعداد العناصر والمجندين ضمن الميليشيات الموالية لإيران من جنسيات سورية وغير سورية في العاصمة دمشق وريفها يقدر بأكثر من 9700 مقاتل ينتشرون على مساحات شاسعة ضمن أحياء العاصمة ومدن وبلدات وقرى بريف دمشق وبالقرب وعند الحدود السورية – اللبنانية.

** تعداد العناصر والمجندين في محافظة حلب نحو 7750 مقاتل ومجند ينتشرون في نبل والزهراء ومحيطها بريف حلب الشمالي، والعيس والحاضر ومحيطها بريف حلب الجنوبي، ومسكنة والسفيرة ودير حافر وبلدات وقرى أخرى شرقي حلب، بالإضافة لأحياء مدينة حلب وتلك الشرقية منها أبرزها.

** تعداد الميليشيات الموالية لإيران المنتشرة في مدينة حمص وريفها وباديتي حماة والرقة يقدر بنحو 4350 عنصر من جنسية سورية وجنسيات عربية وآسيوية.

** في إدلب يقدر عدد المليشيات الموالية لإيران هناك بأكثر من 600 من جنسيات سورية وغير سورية.

** في القامشلي بمحافظة الحسكة، بلغ تعداد المجندين حتى اللحظة 650 شخص، 310 منهم من عناصر وقيادات في الدفاع الوطني، بينما 340 من المدنيين وأبناء العشائر كعشائر “العبيد ويسار وحريث وبني سبعة والشرايين”، ويتم التجنيد بإغراءات مادية عبر دفع رواتب شهرية مغرية نظراً للظروف الاقتصادية الراهنة، كما تتواصل عمليات تدريب المجندين حديثاً في معسكرات ضمن فوج طرطب جنوبي القامشلي.
وتتعدد أسماء الميليشيات المتواجدة هناك والتي قد تصل لعشرات التشكيلات العسكرية من جنسيات سورية وغير سورية، ممن جندتهم إيران في سورية باللعب على الوتر المادي والطائفي، أو تلك التي استقدمتهم من دول أخرى كـ “مرتزقة” لخدمة مصالحها في سورية، ومن أبرز التشكيلات: حزب الله العراقي ولواء زينبيون الباكستانية وأبو الفضل العباس والحرس الثوري الإيراني وكتائب سيد الشهداء واللواء 47 وحرس القرى وبالطبع لا ننسى لواء فاطميون الأفغاني الذي تحول على ما يبدو إلى القوة الضاربة الثانية لإيران في سورية بعد حزب الله اللبناني.

ومع مرور 10 سنوات على الثورة، وفي الوقت الذي تشهد جميع المحافظات السورية الخاضعة لسيطرة نظام بشار الأسد، أوضاع معيشية كارثية وفقر مدقع تعيق المدنيين من تأمين قوتهم اليومي في ظل الانهيار الاقتصادي وشح فرص العمل والارتفاع المخيف بأسعار السلع، تشهد تلك المحافظات ذاتها عمليات شراء عقارات بشكل كبير جداً، وبأسعار مرتفعة نظراً للأوضاع الاقتصادية السائدة، ففي مدينة حلب، أفادت مصادر المرصد السوري لحقوق الإنسان بأن الميليشيات الموالية لإيران سواء المحلية منها أو الأجنبية من جنسيات عربية وآسيوية، وتتركز عمليات شراء العقارات في الأحياء الشرقية من المدينة بعد تهجير أهلها قبل سنوات وسيطرة النظام عليها، ونذكر من هذه الأحياء المرجة وباب الحديد والميسر وأحياء حلب القديمة، وينوه المرصد السوري إلى أن عمليات شراء العقارات ليست بالجديدة بل تتزايد يوماً بعد يوم بمنحى متصاعد.
وفي مدينة حمص أيضاً، يقوم أشخاص من الجنسية السورية بشراء عقارات من منازل ومحال تجارية لصالح الميليشيات الموالية لإيران بأوامر منهم على غرار ما يحصل في دمشق وريف دمشق ومحافظات سورية أخرى، حيث يقوم مجموعة أشخاص من الجنسية السورية بجولات دورية على “المكاتب العقارية” والإطلاع على المنازل والمحال المعروضة للبيع ثم يقومون بشراءها لصالح تلك الميليشيات وبأسعار جيدة دون “مفاصلة” حتى.

إضافة إلى ذلك، تستمر تحركات الميليشيات الموالية لإيران قرب الحدود السورية – اللبنانية، برعاية حزب الله اللبناني الذي يعد القوة الضاربة و”متزعم” المنطقة هناك، حيث لاتزال الميليشيات الأجنبية تقوم بشراء الأراضي الواقعة على الشريط الحدودي بين البلدين ضاربة بعرض الحائط القانون السوري الذي يمنع بيع وفراغ الأراضي الحدودية، ووفقاً لمصادر المرصد السوري لحقوق الإنسان، فإن الميليشيات الأفغانية والإيرانية والعراقية واللبنانية قامت حتى اللحظة بشراء أكثر من 165 أرض في منطقة الزبداني وما لا يقل عن 250 أرض في منطقة الطفيل الحدودي التي باتت كقرية “الهيبة” الاسطورية في إحدى المسلسلات السورية، ويتزعمها شخص سوري مقرب من قيادات حزب الله اللبناني يدعى (ح.د)، في الوقت ذاته تواصل الميليشيات مصادرة الشقق الفارهة والفيلل في منطقة بلودان ومناطق قربها، ليرتفع إلى 97 حتى اللحظة تعداد الشقق التي استوطنت فيها تلك الميليشيات، وكل هذا يأتي بدعم مطلق من قبل حزب الله اللبناني الذي يعمل على تسهيل أمور الميليشيات باعتباره القوة الأكبر هناك ويسرح ويمرح فيها كيفما شاء، بينما النظام السوري منشغل بتضييق الخناق على لقمة عيش المواطن السوري.

وكانت مصادر المرصد السوري ضمن غوطة دمشق الشرقية، أفادت في 20 تشرين الثاني من العام 2020، بأن عمليات شراء عقارات في مدن وبلدات الغوطة تصاعدت بشكل كبير وملفت في الآونة الأخيرة، وذلك من قبل مجموعة أشخاص يعملون لدى “تجار” من محافظة دير الزور، حيث يقوم الأشخاص بأمر من هؤلاء التجار بشراء العقارات والتي تكون في أغلب الأحيان منازل وبعضها محال تجارية، والملفت في الأمر أن تلك العقارات تبقى مغلقة بعد شراءها.

ووفقاً للمعلومات التي حصل المرصد السوري عليها، فإن التجار ينحدرون من ريف الميادين شرقي دير الزور وهم يتبعون لميليشيا “لواء العباس” المحلية الموالية للقوات الإيرانية والتي تعمل تحت إمرتها، وأبرز هؤلاء التجار شخص يدعى (أبو ياسر البكاري)وهو من عشيرة البكارة وسبق وتم شراء الكثير من العقارات من قبله في دير الزور بأوامر من عدنان العباس قائد الميليشيا.

فيما تتركز عمليات شراء العقارات ضمن الغوطة الشرقية بشكل رئيسي في كل من كفربطنا وحزة وسقبا وعين ترما والمليحة وزملكا، وتشمل العقارات تلك المعروضة للبيع من قبل أصحابها بالإضافة لعقارات أصحابها متواجدين في الشمال السوري أو خارج سورية وذلك عبر وسطاء بين الطرفين، في حين وصلت تعداد العقارات التي تم شراءها خلال أشهر قليلة من قبل المجموعة التابعة لميليشيا “لواء العباس” إلى أكثر من 300 عقار بفترة زمنية قصيرة، فيما تتراوح قيمة العقارات التي جرى شراءها بين 25 و 125 مليون ليرة سورية على اختلاف المساحة والموقع.

وأضافت مصادر المرصد السوري، بأن العملية متواصلة على قدم وساق، ويقوم ممثلين عن هؤلاء التجار، يحملون أسلحة فردية، بزيارات دورية للمكاتب العقارية ضمن الغوطة الشرقية، متساءلين عن عقارات للبيع، ويطلبون من أصحاب تلك المكاتب إبلاغهم في حال وجود عقارات للبيع، الأمر الذي ولد تخوف لدى أهالي وسكان المنطقة، حول أسباب وأهداف هؤلاء بشراء الكم الهائل من العقارات ضمن مدنهم وبلداتهم.

وعلى ضوء ما سبق، لا يخفى على أحد الكوارث التي حلت في سورية على خلفية التدخل الإيراني فيها، وتغلغل الميليشيات الموالية لها في الجسد السوري، وما حل بالشعب السوري الذي دفع ثمن هذه التدخلات وحده وسط تعامي دولي، وعليه فإن المرصد السوري لحقوق الإنسان يجدد مطالبه للمجتمع الدولي للضغط على إيران لإخراجها من سورية ومحاكمة جميع المتورطين بارتكاب انتهاكات بحق أبناء الشعب السوري.