68 شهرا على إعلان “الدولة الإسلامية”: خلايا التنظيم تواصل عملياتها بشكل متصاعد.. وحملات أمنية لمواجهتها.. ونساء “الهول” تواصلن محاولات إثارة الفوضى

42

المرصد السوري لحقوق الإنسان

مارس/آذار 2019

قبل عام وعدة أيام، خرجت قيادة التحالف الدولي لمواجهة تنظيم “الدولة الإسلامية” بصحبة قادة قوات سوريا الديمقراطية لإعلان انتهاء دولة الخلافة المزعومة للتنظيم وانقضاء المعارك ضد التنظيم، وسط تأكيدات على أن المرحلة التي تلت ذلك الإعلان كانت ستشمل عدة عمليات أمنية للقضاء على بقايا خلايا التنظيم، إلا أن الأيام مرت مع استمرار تلك الحملات دون القضاء النهائي على خلايا التنظيم التي باتت تستغل كل فرصة سانحة لإثارة الفوضى وتنفيذ عمليات الاغتيال والاستهداف التي تعمل من خلالها على إرسال رسالة مفادها أن التنظيم سيظل باقيا.

وعلى الرغم من انقضاء نحو 6 أشهر على إعلان مقتل زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي في غارة أمريكية، فإن عمليات عناصر وخلايا التنظيم لا تزال نشطة إلى حد كبير في مناطق متفرقة في شمال شرق سوريا، وسط تصاعد في عمليات الاختطاف لطلب الفدى المالية مرورا بالاغتيالات ووصولا إلى الابتزاز والتهديد بالقتل وفرض إتاوات مالية على المواطنين تحت مسمى “الزكاة”.

وعلى مدار الفترة من 29 فبراير/شباط 2020 حتى 29 مارس/آذار، رصد المرصد السوري لحقوق الإنسان استمرار التنظيم في أنشطته بعد أن تحول من “دولة خلافة” إلى تنظيم “خلايا نائمة”، في انتظار اللحظة المناسبة لتنفيذ عمليات من آن لآخر، إضافة إلى استمرار عمليات التحالف الدولي بالتعاون مع قوات سوريا الديمقراطية لمواجهة خلايا التنظيم، ناهيك عن عمليات قوات النظام لمواجهة خلايا التنظيم في مناطق سيطرتها.

فوضى أمنية واغتيالات وابتزاز.. تنظيم “الدولة الإسلامية” يستغل الانفلات الامني

في ظل الانفلات الأمني الذي يسود مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية وقوات النظام، تعمل خلايا تنظيم “الدولة الإسلامية” على استغلال الوضع من خلال تنفيذ عدة عمليات اغتيالات واستهدافات ضد “قسد” والنظام وعدد من المدنيين، إضافة إلى ابتزاز المدنيين لإجبارهم على دفع فدى مالية تحت مسمى “الزكاة”. وفي الحادي عشر من مارس، نفذت قوة عسكرية من قوات سوريا الديمقراطية بدعم من 4 طائرات مروحية تابعة للتحالف الدولي، حملة مداهمات على مخيم للنازحين في بلدة الشحيل بريف دير الزور الشرقي، حيث طالبت “قسد” عائلة نازحة من حماة للخروج وتسيلم أنفسهم، ليتم على أثرها اعتقال 4 أشخاص منهم وهم عناصر سابقين ضمن تنظيم “الدولة الإسلامية”. وفي اليوم نفسه، اندلعت اشتباكات في بادية حلب بين مجموعة مسلحة من خلايا تنظيم “الدولة الإسلامية” وقوات النظام، في منطقة حزم الصر والجعار، حيث اتجهت المجموعة المسلحة نحو قريتي أبو ميال ومخلف وقتلت مدنيين واختطفت سيارتين نوع “بيك آب”، في حين تم العثور على جثتي السائقين صباح اليوم التالي.

وفي السابع عشر من مارس، أطلق ملثمون النار على عنصر سابقا في تنظيم “الدولة الإسلامية” كان انضوى في صفوف قوات “قسد”، حيث هاجم ملثمون ملعبا لكرة القدم في قرية الحوايج بريف دير الزور، وطردوا اللاعبين وحرقوا جثة الشاب بعد قتله، ولاذوا بالفرار بعد أن هتفوا لتنظيم “الدولة الإسلامية”. وفي السادس والعشرين من مارس، قُتل عنصرين وأصيب آخر من “قسد” جراء تفجير عبوة ناسفة زرعها خلايا تنظيم “الدولة الإسلامية” استهدفت عربة عسكرية في منطقة ذيبان قرب حقل العمر النفطي في ريف دير الزور.

ومع سقوط مزيد من الخسائر البشرية، فإن عدد المقاتلين والمدنيين والعاملين في المجال النفطي والمسؤولين في جهات خدمية، ممن اغتيلوا ضمن 4 محافظات، هي: حلب ودير الزور والرقة والحسكة، بالإضافة إلى منطقة “منبج” في شمال شرق محافظة حلب والتي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية، يرتفع إلى 468 شخص. ورصد “المرصد السوري” اغتيال خلايا مسلحة 151 مدنيا، من بينهم 8 أطفال و6 مواطنات في ريف دير الزور الشرقي وريف الحسكة ومدينة الرقة وريفها ومنطقة منبج، إضافة لاغتيال 311 مقاتلاً من قوات سوريا الديمقراطية بينهم قادة محليين في المناطق ذاتها، فيما قضى 4 من عناصر التحالف الدولي. كما أحصى “المرصد السوري” سقوط عشرات الجرحى جراء عمليات الاغتيال تلك.

وعلم المرصد السوري لحقوق الإنسان، في الحادي والعشرين من مارس، أن “قوات سوريا الديمقراطية” و”الإدارة الذاتية في شمال وشمال شرق سوريا” أفرجت عن أكثر من 80 عنصر من تنظيم “الدولة الإسلامية” ممن كانت قد اعتقلتهم بوقت سابق إبان الحرب على التنظيم.

ووفقاً لمصادر المرصد السوري فإن المفرج عنهم جميعهم من الجنسية السورية، ينحدرون من الرقة والحسكة ودير الزور، كما أن بعض المفرج عنهم لم تنته فترة محكوميتهم بعد وبعضهم الآخر انتهت المدة الزمنية لها. ولاقت عملية الإفراج هذه استياءًا شعبياً واسعاً، وسط مخاوف من عودة المفرج عنهم للقتال في صفوف التنظيم الذي لا يزال ينتشر بشكل كبير جداً ضمن مناطق نفوذ قوات سوريا الديمقراطية. وفي السابع والعشرين من مارس، تمكن أحد عشر سجينا متهمين بالانتماء إلى تنظيم “الدولة الإسلامية” من الهروب من سجن قوات سوريا الديمقراطية في بلدة الكسرة بريف دير الزور الغربي، إلا أن القوى الأمنية التابعة لـ”قسد” ألقت القبض على جميع السجناء وأعادتهم إلى السجن.

البادية السورية.. التنظيم يسيطر على 1.8% من مساحة سوريا

على الرغم من انقضاء ما يسمى بـ”دولة الخلافة” وإعلان هزيمة التنظيم في سوريا، فإن تنظيم “الدولة الإسلامية” لا يزال يسيطر على نحو 3283 كيلومتر مربع، أي ما يعادل 1.8% من إجمالي مساحة سوريا، حيث لا يزال التنظيم مستمرا في نشاطه في البادية السورية غرب نهر الفرات في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات النظام والميليشيات الموالية لها من جنسيات سورية وغير سورية، عبر هجمات وكمائن متواصلة في بادية السويداء والرقة ودير الزور وحمص. وبحسب إحصاءات المرصد السوري لحقوق الإنسان، يسيطر التنظيم حاليا على منطقة تنطلق من جبل أبورجمين في شمال شرق تدمر، وصولا إلى بادية دير الزور وريفها الغربي. كما يتواجد التنظيم في بادية السخنة وفي شمال الحدود الإدارية لمحافظة السويداء.

وعلى مدار الشهرين الماضيين، رصد المرصد السوري لحقوق الإنسان عمليات وأنشطة التنظيم، حيث رصد عدة حوادث انفجار ألغام أرضية يزرعها عناصر التنظيم في بادية دير الزور، حيث انفجر لغم في 24 يناير في بلدة “البحرة” في ريف دير الزور، ما تسبب في استشهاد طفل.

وعلى مدار الأشهر القليلة الماضية، رصد “المرصد السوري” عشرات الهجمات نفذها تنظيم “الدولة الإسلامية” مواقع قوات النظام والقوات الحليفة لها في عموم البادية السوري، ووفقاً لإحصائيات المرصد السوري، فإن عدد القتلى ارتفع إلى 364 من قوات النظام والمسلحين الموالين لها من جنسيات سورية وغير سورية، من بينهم اثنين من الروس على الأقل، بالإضافة لـ67 من المليشيات الموالية لإيران من جنسيات غير سورية، قتلوا جميعاً خلال هجمات وتفجيرات وكمائن لتنظيم “الدولة الإسلامية” في غرب الفرات وبادية دير الزور والرقة وحمص والسويداء. كما وثق المرصد السوري استشهاد 4 مدنيين عاملين في حقول الغاز واثنين من الرعاة و4 قتلوا في هجمات التنظيم، فيما وثق “المرصد” كذلك مقتل 119 من تنظيم “الدولة الإسلامية”، خلال الفترة ذاتها خلال الهجمات والقصف والاستهدافات

مخيم الهول.. “دويلة التنظيم” باقية ولا حلول تلوح في الأفق مع استمرار الفوضى

مع انقضاء ما يسمى بـ”دولة الخلافة”، تحولت الأنظار إلى أزمة جديدة تعد من إرث التنظيم، والتي تتمثل في مخيم الهول للاجئين والنازحين، والذي بات أشبه بـ”دويلة” لعناصر وعائلات التنظيم، وهي أزمة تسعى معظم دول العالم إلى تجاهلها والتغاضي عنها تجنبا لاستعادة مواطنيها الذين انضموا إلى عناصر التنظيم، حيث تنتشر الفوضى والانفلات الأمني بصورة كبيرة داخل المخيم الذي يعد بمثابة قنبلة موقوتة تهدد بعودة ظهور “الدولة الإسلامية” أو تنظيم أشد خطرا منه، حيث إنه وفقا لإحصاءات المرصد السوري لحقوق الإنسان، فإن مخيم الهول يضم ما لا يقل عن 68607 شخص، هم: 8450 عائلة عراقية تشمل 30765 شخصا من الجنسية العراقية، و7809 عائلة سورية تشمل 28069 شخصا من الجنسية السورية، فيما البقية –أي 9773 شخص- من جنسيات أوربية وآسيوية وأفريقية وغيرها ضمن 2824 عائلة.

وفي إطار تلك الفوضى التي تسود المخيم، قتلت نساء متشددات من عوائل عناصر تنظيم “الدولة الإسلامية” متطوعا من الجنسية العراقية في صفوف قوات سوريا الديمقراطية، حيث جرى قتله بواسطة مطرقة. وكان “المرصد السوري” رصد في 15 يناير/كانون الثاني الماضي، مفارقة طفلين الحياة وإصابة والدتهما بجراح بعد اندلاع حريق في إحدى الخيام ضمن “دويلة الهول”، وهم من الجنسية التركية، فيما يرجح أن الحريق مفتعل من قبل نساء متشددات من عوائل عناصر التنظيم.

المختطفين لدى تنظيم “الدولة الإسلامية”.. تجاهل تام ومصير مجهول رغم انقضاء “دولة الخلافة”

على الرغم من انقضاء نحو 12 شهرا على الإعلان الرسمي للتحالف الدولي بالقضاء على تنظيم “الدولة الإسلامية” كقوة مسيطرة شرق نهر الفرات، وبرغم التطورات التي جرت على مدار الفترة الماضية، فإن الصمت لا يزال متواصلا من قبل جميع الأطراف حول قضية المختطفين لدى تنظيم “الدولة الإسلامية” دون تقديم أي إجابة عن مصير آلاف المختطفين، حيث تتواصل المخاوف على حياة ومصير المختطفين ومنهم الأب باولو داولوليو والمطرانين يوحنا ابراهيم وبولس يازجي، وعبدالله الخليل وصحفي بريطاني وصحفي سكاي نيوز وصحفيين آخرين، إضافة لمئات المختطفين من أبناء منطقة عين العرب (كوباني) وعفرين، بالإضافة لأبناء دير الزور.

إن المرصد السوري لحقوق الإنسان، ومع استمرار الجرائم والانتهاكات بحق المواطنين السوريين ورغم التهديدات التي يتلقاها العاملون به بالقتل من تنظيم “الدولة الإسلامية” ومن كافة القتلة في سوريا، يجدد تعهده بالاستمرار في عمله برصد وتوثيق ونشر كافة الانتهاكات والجرائم التي ترتكب بحق أبناء الشعب السوري. كما نجدد في المرصد السوري لحقوق الإنسان، مطالبتنا لمجلس الأمن الدولي بإحالة ملف جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المرتكبة في سوريا إلى محكمة الجنايات الدولية، لينال قتلة الشعب السوري عقابهم مع آمريهم ومحرضيهم. كما يشير “المرصد السوري” إلى أنه سبق وأن حذر قبل إعلان تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” عن “دولة خلافته” في سوريا والعراق، بأن هذا التنظيم لم يهدف إلى العمل من أجل مصلحة الشعب السوري، وإنما زاد من قتل السوريين ومن المواطنين من أبناء هذا الشعب الذي شرد واستشهد وجرح منه الملايين، حيث عمد تنظيم “الدولة الإسلامية” إلى تجنيد الأطفال فيما يعرف بـ”أشبال الخلافة”، والسيطرة على ثروات الشعب السوري وتسخيرها من أجل العمل على بناء “خلافته”، من خلال البوابات المفتوحة ذهاباً وإياباً مع إحدى دول الجوار السوري. ويجدد “المرصد السوري” كذلك مناشداته المجتمع الدولي بضرورة إيجاد حل لأزمة “دويلة الهول” التي تعد قنبلة موقوتة تهدد بالانفجار في أي لحظة في وجه العالم أجمع.

كما نجدد في “المرصد السوري” دعوتنا لمجلس الأمن الدولي وكافة المنظمات والدول التي تدعي احترام حقوق الإنسان في العالم، إلى العمل الفوري من أجل وقف الجرائم والانتهاكات المرتكبة بحق أبناء الشعب السوري، من قبل تنظيم “الدولة الإسلامية”، وإنشاء محاكم مختصة لمحاكمتهم، كما ندعوهم لمساعدة الشعب السوري من أجل الوصول إلى دولة الحرية والديمقراطية والعدالة والمساواة، التي تحفظ حقوق كافة مكونات الشعب السوري دون التمييز بين الأديان والطوائف والاثنيات، التي كانت ولا تزال وستبقى تتعايش من أجل مستقبل مزهر لسوريا على الرغم من الحملات الإعلامية التي تعمل على تدمير البنى الاجتماعية للوطن السوري.