المرأة السورية.. فقدان الحماية وغياب الحقوق يصعد من معدلات الجرائم بحقها فهل من مجيب!

89

تعتبر المرأة الحلقة الأضعف في مختلف الصراعات والحروب التي تعرفها البشرية بل أوّل من يتضّرر ويتأثّر بالوضع، وقد سعت الحركات النسوية عبر العالم إلى محاولة وضع خطط تضع حدّا لكل الانتهاكات التي تمسّ النساء وسن قوانين محلية ودولية تلزم حمايتهن إلا أن تلك التشريعات لم تنجح في التصدي لجرائم قتل النساء، ولم تُستثنى نساء سورية، فلم تكن جريمة مقتل آيات الرفاعي مؤخرا على يد زوجها وعائلته إلا القطرة التي أفاضت الكأس وأعادت جرائم العنف وقتل النساء إلى الواجهة.

وأمس الأول عثر أهالي على جثة سيدة 52 عامًا، من سكان دوير الشيخ سعد في طرطوس، مقتولة بأداة حادة وعليها عدة طعنات في جسدها.
كما عُثر على جثة سيدة بالقرب من مجمع الكرنك في شاطئ الأحلام بطرطوس، حيث وجد بجانب الجثة ظرف مبيد حشري فعال “لانيت”.
وفي العاشر من يناير أقدم رجل في قرية صميد بريف السويداء الغربي، على قتل ابنتيه من خلال إطلاق النار عليهما خلال زيارتهما لمنزل والديهما، فإن الضحيتين متزوجتين، الأولى تبلغ من العمر 18 عاما وهي أم لطفل وطفلة وشقيقتها تبلغ من العمر 16 عاما أم لطفل.
وتعتبر ظاهرة تعنيف المرأة وقتلها من أكثر انتهاكات حقوق الإنسان في سورية وتبدأ من العائلة وصولا لتعنيف السلطة بوسائطها المختلفة، ولاعتبارها مالكة لقوانين تشرّع لنفسها ذلك، لكن الوضع في واقع الحرب والصراع يعدّ أكثر مأساوية وخطورة لاعتبار سريان قانون الغاب وعدم بسط الدولة نفوذها وعدم وجود سلطة واحدة نافذة وحاكمة ومايترتّب عن ذلك من دمار تكون نتائجه مضاعفةً على النساء.
ولطالما حذر المرصد السوري لحقوق الإنسان من تواصل جرائم الشرف وقتل النساء في مختلف المناطق ويدعو المنظمات الحقوقية إلى إعلان تضامنها مع هذه الفئة الهشّة التي كانت ولا زالت ضحية الحرب والصراع والانقسام، وشدّد على حرصه على إيصال أصوات المقهورات المظلومات ومساعدتهن على افتكاك حقوقهن في العيش بسلام وفي محيط آمن يقدرن فيه على التعلّم والعمل بكل حرّية ويمارسن فيه حقوقهن وواجباتهن كمواطنات درجة أولى ويؤكد أن العدالة حق للجميع.
كما يندّد المرصد بمقتل نساء سورية مرتين مرة بحرب مجنونة وأخرى على يد زوج أو أب أو أخ يعيش في بلد أُنتهك فيه كل شيء بسبب غياب تنفيذ القانون.
وترى ريما فليحان المديرة التنفيذية لللوبي النسوي السوري، في حديث مع المرصد السوري لحقوق الإنسان، أنّ هناك مجموعة عوامل مركبة أدت لتنامي العنف ضد النساء وهو ظلم تاريخي وانتهاكات ترتكب منذ زمن طويل ومازالت مستمرة حتى اللحظة، اول تلك العوامل هو المجتمع الذكوري الذي ينظر للنساء بدونية وحين نتحدث عن هذا المجتمع نتحدث عن ثقافة عنفية متوارثة مرتبطة بالعادات البالية وببعض الممارسات التي ترتكب تحت ذرائع دينية.
وأفادت فليحان بأن القوانين التمييزية قد عززت وجود هذه الممارسات العنيفة وهو العامل الثاني ويرتبط به القصور القانوني عن إيجاد قانون للعنف الأسري وعدم وجود ملاجئ للمعنفات محمية بالقوانين وهي عادة تحاذي القوانين التي تناهض العنف الأسري، أيضا الممارسات الخاطئة من قبل السلطات القضائية والضابطة العدلية والتي تعنف النساء بدورها ايضا، عامل إضافي يمكن أن يذكر بهذا السياق وهو طبيعة النظام القمعي القائم على العنف بحد ذاته هو عامل مشجع لتدوير العنف داخل الأسر، وفق قولها.
وأردفت، “وأيضا قوى الأمر الواقع بممارسات عنيفة في مناطق أخرى ،كما أن العنف يمارس أيضا من قبل الفصائل المتشددة التي تقمع النساء والمجتمع و تحد من الحريات في المناطق التي تسيطر عليها كما يشجع بعض رجال الدين على العنف ويكرسون عبر منابرهم الفكر الذكوري ويبررون عنف الرجل ويحاربون المنظمات النسوية التي تقوم بدور التوعية والتمكين للنساء التي يحارب بها النظام على الجانب الآخر النشطاء والمنظمات النسوية والمدافعين عن حقوق الانسان، ووسائل الاعلام ايضا تتحمل مسؤولية تنميط صورة المرأة وتكريس العنف و تكريس القيم الذكورية بالمجتمع”.
وأرجعت الناشطة النسوية تزايد هذه النسب إلى ظروف الحرب والفوضى حيث ارتفعت وتيرة العنف خاصة بعد انفلات السلاح وعموم الفوضى يضاف إلى ذلك الضغوط الاجتماعية والاقتصادية وضعف الخدمات وانعدامها بكثير من الأحيان وهو ما يؤدي الى كثير من الضغوط النفسية ونوبات الغضب لدى الناس.
ومن جانبها تقول جيهان خلف الناشطة النسوية السورية، في حديث مع المرصد، إن النساء والأطفال هم الفئة والشريحة الأضعف في المجتمعات الشرقية خاصة المجتمعات المنغلقة والتي تتراجع فيها معدلات التعليم والصحة كما يحصل الآن في سورية وبسبب تدني مستوى دخل الفرد والفقر المدقع الذي تعيشه الأسرة السورية، مما يؤدي الى ازدياد وارتفاع معدل العنف ضد النساء.
واعتبرت محدثتنا أن تصاعد هذه الجرائم والتي كانت موجودة اصلاَ ولكن ليس بالمستوى المرتفع حاليا سببه أن المجتمع يعيش أزمة حرب ومن المعروف أن المجتمعات أثناء الحروب تشهد صراعات وانقسامات كبيرة حيث تزداد خلالها حالات العنف الموجه والقائم على النوع الاجتماعي، كما يؤدي الى ارتفاع معدل حالات الفقر والتي تتسبب بانهيارات قيمية داخل المجتمع فتجعل النساء عرضة للعنف بمختلف أنواعه الجسدي والنفسي والعاطفي والجنسي والاجتماعي والأسري ومن أهم الأسباب هي تركة الحرب والانقسام المجتمعي القائم على أفكار ايديولوجية وانغلاق المجتمعات الصغرى على بعضها البعض.
وشدّدت على أن غياب القوانين الرادعة وسيطرة الحكم المجتمعي القائم على العادات والتقاليد، وحالة الفلتان الأمني التي تسود سورية حاليا نتيجة الصراع الدائر وبالتالي غياب المحاسبة القانونية وبالإضافة لعدم وجود عقوبات رادعة مما يعني هروب المجرم من العقوبة وكذلك الفقر الاقتصادي وتردي الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية الناتجة عن ذلك والتي تؤدي بطريقة غير مباشرة إلى ممارسة العنف بحق النساء بالإضافة لانخفاض المستوى التعليمي و المعرفي الناتج عن التسرب المبكر من التعليم وهجر مقاعد الدراسة الذي يقودنا الى التزويج المبكر وكل هذه الأسباب أدت لتصاعد وتيرة العنف ضد النساء.
أما عن كيفية التصدي لها فترى محدثتنا أن ذلك يتم عبر نشر الوعي المجتمعي والقانوني وتعريف النساء بحقوقهن وواجباتهن، والعمل على نشر التعليم ورفع المستوى الثقافي والتوعوي ودعم المبادرات التعليمية والورشات القانونية فضلا عن إيجاد واستحداث قوانين رادعة وأكثر صرامة تجرم المتهمين وتحقق العدالة للضحايا حيث أن قانون العقوبات السوري الذي صدر بالمرسوم التشريعي رقم 148 لعام 1949، كان يعفي القاتل من العقوبة في حال إقدامه على القتل، متذرعا بـ“الدافع الشريف”، ويمنحه عذرًا مُحلًا من هذه العقوبة، وفي عام 2009 طرأ أول تغيير عليه، فبات القاتل بهذا الدافع يُحكم مدة سنتين كحد أقصى واستمر ذلك إلى أن صدر المرسوم رقم 1 لعام 2011، الذي ألغى نص المادة 548 من قانون العقوبات السوري ولكن هذا لم يكن كافيا للحد من ارتكاب الجريمة ضد المرأة وختمت بالقول، “بالنسبة للوضع السوري فإن إيجاد حل سياسي هو ضرورة ملحة من أجل الوصول الى الاستقرار المجتمعي وإقامة عقد اجتماعي جديد وتطبيق العدالة الانتقالية وهذا بالتالي سيحد بشكل كبير من انتشار الجريمة وتحقيق العدالة للضحايا”.