إبراهيم الجباوي: إمكانية إغلاق معبر باب الهوى سيعرّي قبح إنسانية الروس والأمريكان

50

بين المعابر الحدودية المهددة بالإغلاق والحسابات السياسية الاقليمية والدولية الضيّقة يتأرجح الشعب السوري وينتظر الفرج القريب من قوى تصنع مصالحها وتوسّع نفوذها من مأساة السوري، تلك الدول المستكرشة التي سعت بكل جهودها إلى إطالة أمد الصراع وتواصل دمويته.

سورية التي كانت قلب العروبة النابض لمواقفها التاريخية منذ الثلاثينات  والتي قادت معارك التحرر من الوجود العثماني في تلك الفترة، باتت اليوم ‘لقمة وفريسة’ تصطادها القوى الكبرى لتوسيع نفوذها والاستيلاء على ثروات المنطقة ككل والتحكم في مصير الشعوب التي أصبحت مفككة منقسمة مضطهدة تتصارع من أجل ‘ من يخاف الله أكثر’ وهي معارك صورية يتخفّى وراءها صراع إسرائيلي عربي بالأساس.

ويرى الدكتور إبراهيم الجباوي، القيادي في هيئة التنسيق، والسياسي السوري المعارض، في حوار مع المرصد السوري لحقوق الإنسان، أنّ اجتماع أستانة لن يفضي إلا إلى مقايضات جديدة ستخدم النظام في سورية، مشددا على أن أمريكا لو أرادت الحل في سورية لفرضته .

 

س-تستضيف مدينة نور سلطان بكازاخستان يومي 7-8 يوليو الجاري الاجتماع الدولي السادس عشر رفيع المستوى لصيغة أستانا بشأن سورية، ولمناقشة  بعض الملفات أبرزها أزمة المعابر الحدودية واستئناف أشغال اللجنة الدستورية.. ماهي انتظاراتكم من هذا الاجتماع دكتور إبراهيم؟

ج- أعتقد أنّ أستانة الحالية في  دورتها السادسة عشرة لا تختلف عن سابقاتها، حيث ستسعى جهات العمل الداعمة إلى تحصيل ما لا يمكن تحصيله لصالح النظام بعيدا عن خدمة الثورة والشعب السوري الحرّ وبالتالي سنرى مفاجأة تضرّ بأهداف السوريين وقد تسعى إلى ضمان المزيد من الأراضي المحرّرة لصالح نظام بشار الأسد كما جرى في كل جولات أستانة، وكذلك إعادة تموضع جدّي للمليشيات الإيرانية وحزب الله الطائفي وتكون روسيا قد حقّقت ما تصبو إليه من هذه الأستانات  إذا كانت الأخيرة أو ماقبل الأخيرة  .

 

س- بالتزامن مع الاستعداد للاجتماع هناك حديث عن “تصعيد عسكري كبير في إدلب”، و”قصف مدفعي” و”قتل الأطفال والمدنيين”  من قبل  دمشق وحليفتيها روسيا وإيران .. ما الغاية من هذا التصعيد علما أن دمشق تتهّم المعارضة  بتخريب أي حوار أو جهود لمساعدة الشعب السوري وفرض قوانين على غرار قانون قيصر الخانق  ورفض تقديم المساعدات الإنسانية بواسطة المنظمات الدولية عبر دمشق؟

ج-قبل كل أستانة وحتى لو لم يكن هناك أستانة كانت روسيا والنظام يسعيان  إلى تحقيق هدف سياسي على الصعيد الدولي والإقليمي وكُنا نرى هذا التصعيد والمليشيات المدعومة من قبل موسكو، وليس مهما إن قتلوا مدنيين وأطفالا ونساءً، فذلك ليس ضمن حساباتهم الضيّقة، لأن موسكو لا تفهم معنى الأسر ومعنى الإنسانية التي تعتبر مقدسة بالنسبة لنا، تسعى فقط  من خلال التصعيد الذي سبق اجتماعات بايدن -بوتين واجتماع مؤتمر روما إلى حصار درعا البلد، والضغط على تركيا(إذا كان هناك خلاف أصلا حول هذا التصعيد) مع أني أرى أن هناك اتفاقا مسبقا بينهما خاصة  أن المجازر التي ترتكب لم يحرك إزاءها  الجيش التركي أي ساكن،  علما أن الساسة الأتراك يدّعون أن قواتهم موجودة لحماية الشعب السوري، فكيف يحمون الشعب وهو يقتل يوميا أمام أعينهم دون التحرك  لمنع الغارات الجوية وردع المدفعية والصواريخ وردع الميلشيات، ولا ننسى التصعيد الأخير في جبل الزاوية جنوب إدلب .. أعتقد أن لقاء أستانا الجديد  سينتج تصعيدا جديدا ومقايضات بين تركيا وروسيا على الأرض السورية وعلى حساب الدم السوري.

 

س-قريبا تنعقد جلسة ملف المعابر الحدودية التي تدخل منها المساعدات الإنسانية إلى ملايين السوريين، وتحديدا قضية معبر باب الهوى الوحيد المتبقي على الحدود التركية.. ماذا لو أغلق هذا المعبر الذي يعدّ شريان حياة تلك المناطق ، ولماذا أقحمت حياة الملايين في تلك الصراعات السياسية والحسابات الضيّقة؟

ج-أرى أنه إذا تمّ إغلاق  معبر باب الهوى الوحيد  لتمرير المساعدات الإنسانية فسوف  يبرهن ذلك  للعالم أجمع عدم إنسانية القوى الدافعة إلى غلقه والمتسببة في تجويع السوريين، وعدم مبالاة وعدم اكتراث الجهات الفاعلة، ولاحظنا في مؤتمر روما أنه تمّ الاتفاق على أن يكون إدخال المساعدات الإنسانية حتى لو استخدمت روسيا حق النقض الفيتو لأن أمريكا بإمكانها أن تحشد تحالفا دوليا لإدخال مساعدات وقد حشدت في مؤتمر روما تحالفا لمناقشة المسألة.

-والسؤال هنا:هل تجرأ روسيا على منع هذا التحالف؟.. لا أعتقد  طبعا، لكن المثير للاستغراب  هو أن هذه القوى تختزل الأزمة السورية والمعاناة في المساعدات الإنسانية، ولو أرادت واشنطن أن تُدخل مساعدات من خارج مجلس الأمن لأدخلتها كما تفعل شرق الفرات، وهي قادرة على ذلك، بينما تسعى موسكو جاهدة  إلى خدمة حليفها الرئيسي، النظام، من أجل السعي لتمرير المساعدات عبر دمشق، وهذا إن تمّ  فإن الشعب السوري في الشمال لن تصله المساعدات لأن النظام سيقدمها لحلفائه وشبيحته لبيعها بالسوق السوداء وابتزاز الشعب من خلال الترفيع في أسعارها أو إرسالها إلى عصاباته المسلحة لتبقى على قيد الحياة في مواجهة الشعب السوري، لذلك أعتقد أنه إذا تحرك الضمير الإنساني  فلن يغلق  معبر باب الهوى .

 

س- تتحول حياة السوريين اليوم ومعاناتهم إلى أرقام،  كم سيموت أو سيبقى بعد كل قرار! ولا يهم أن تحل الأزمة أو يحاسب من تسبّب بها، المهم كيف يستمر التجاذب حول ‘إدارة الأزمة’ وإطالة عمرها في ظل استغلال عدم وجود وسائل إنفاذ للقانون الدولي.. من يتحمّل مسؤولية معاناة السوريين هذه التي استمرت عقدا من الزمنّ، وإلى متى سيظل السوري  مجرّد رقم تتلاعب به الدول المتنفذة؟

ج-سيتم حلّ القضية السورية إذا ما أعلنت إسرائيل أن  إنهاء الأزمة في صالحها ، وهي حقيقة ندركها، باعتبار إسرائيل الطفل المدلل للعالم بما فيه روسيا، فهي التي تأمر وتنهى، ولاحظنا كيف أمرت بتسليم الجنوب السوري إلى المليشيات الإيرانية التي تدّعي تل أبيب أنه يجب ألا تكون على حدودها وهي الآن متاخمة لحدود الجولان، وباتت المليشيات أمام عيون الاسرائيليين، لذلك هذه الألاعيب  لا تنطلي على الشعب السوري الذي ظل –للأسف- رقما لا أكثر في حساباتهم في غياب الحس الانساني لدى الساسة الدوليين وخاصة ساسة الدول الفاعلة في الملف السوري وعلى رأسهم ساسة أمريكا.. أوباما الذي منح روسيا هذا الحق بالتدخل السافر بالقضية لسورية ومنح طهران أيضا ذلك الحق، كان بإمكانه منع موسكو وطهران وحزب الله، وإيقاف هذه المهزلة منذ 2013 عندما استخدم نظام الأسد الكيمياوي في الغوطة الشرقية والتي زمجر لأجلها أوباما ووضع خطوطا حمراء، لكن كل الأطراف داست على قراراته ولم يتحرك مما يؤكد تآمر أوباما شخصيا مع إيران وروسيا ضد الشعب السوري  بطلب من إسرائيل، وهكذا نرى أنّ العالم كله يسبح في فلك واشنطن  وحين تريد أن تنتهي الأزمة ما عليها إلا أن  تؤشر لإسرائيل وتجمع تحالفا من أجل سورية ليس بالقوى العسكرية بل بعقد مؤتمر دولي  لفرض الحل في سورية كما فرض في البوسنة والهرسك  منتصف  تسعينات القرن الماضي.

ماتريده إسرائيل تنفذه أمريكا وروسيا وحتى إيران، فلو أرادت تل أبيب إنهاء وجود إيران  في سورية لما بقيت ساعة واحدة..  أرى  أن هناك دولا كثيرة تنتظر الضوء الأخضر الأمريكي من أجل إعادة العلاقات مع دمشق وهناك دول  أخرى حاولت إعادة العلاقات لكن بهمس من واشنطن تراجعت، وكان الخوف  يلفّ هذا التراجع، لذلك أعتقد أن كل الخيوط بيد أمريكا،وروسيا لا تجرؤ على أن تحلّق بطياراتها فوق الأرض التي يُرفع عليها علم أمريكي واحد، وبالتالي فإن واشنطن تدرك أن وضع علم فوق  خيمة في هذه البقعة من الجغرافيا السورية لن تجرؤ موسكو ولا غيرها على الاقتراب منها إطلاقا .

 

س-دعا لافروف أكراد سورية إلى إبداء اهتمام بالحوار مع حكومة دمشق وعدم الرضوخ لمحاولات فرض نزعات انفصالية عليهم، علما أن هناك حوارا سابقا  بين الطرفين انتهى بالفشل.. ما رأيك في هذه المساعي التي تقوم بها روسيا لإعادة  إنتاج النظام محليا ودوليا برغم كل ما حدث؟

ج-روسيا وكما هو معلوم بدأت تتخبط في سورية وتلفظ أنفاسها الأخيرة كما أرادت لها أمريكا  أن تستنزفها في سورية، لذلك روسيا تسعى جاهدة إلى إعادة التمركز في كافة المحاور، وقام سيرغي لافروف بجولة في الدول العربية  سيما الخليجية من أجل إعادة إنتاج النظام وعودته إلى الجامعة العربية لكنه فشل لأن واشنطن ترفض أن يتم ذلك حاليا، وشروط واشنطن واضحة، وهي ضرورة قيام النظام بتغيير سلوكه ليعاد النظر في قانون قيصر ومختلف العقوبات المسلطة عليه، وإعادة العلاقات مع بعض الدول.. أمريكا هي التي تؤشر  لهذه الدولة أو تلك، بإرجاع العلاقات أو قطعها، في حين أن موسكو من باب أنها تحاول  التخفيف من وطأة وجودها في سورية، تسعى إلى سحب الأكراد  شرق الفرات إلى النظام ولكننا نعلم أن تلك المنطقة تحت النفوذ الأمريكي ، و”قسد”  لن تذهب  إلى روسيا ولن تستقبل المقترحات الروسية إلا بإيحاء أمريكي، لكن هناك خطوط يجب ألا تتجاوزها “قسد” في هذه المباحثات مع روسيا وغيرها، علما أن المفاوضات مع النظام  لإعادة  إدخال مؤسساته إلى تلك المنطقة كانت قد فشلت، لأن أمريكا لا تريد ذلك.. كل شيء  يحدث  على الأرض  السورية مرده أن أمريكا تريد أو لا تريد  .

 

س-يرى مراقبون  أن على بايدن إصلاح نهج الولايات المتحدة تجاه سورية، الذي فشل منذ إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما.. هل هناك مؤشرات  من بايدن للضغط على النظام من أجل التسوية السياسية وفرض الحلّ، وكيف تصفون مساعيه؟

ج-أعتقد أن بايدن ليس أفضل من اوباما بالنسبة للقضية السورية وأكبر دليل  فشله الذريع في اجتماعه الأخير بنظيره الروسي فلاديمير بوتين، وحين أراد أن يحفظ ماء الوجه أمام شعبه دعا إلى اجتماع روما، لذلك تيقّن بايدن  من أنه فشل مبدئيا وحاول أن  يتدارك لكي يثبت لناخبيه أنه  مهتم بالأزمة السورية كما وعد في حملته الانتخابية خاصة من الناحية الإنسانية، علما أنه القادر على تمرير مايريد إلى مناطق  شمال سورية، ولكن السؤال هو: لماذا هذا الاهتمام بشمال وشرق  سورية؟.. أليست تلك المناطق  تحت النفوذ التركي ؟ ولماذا إذن روسيا تعترض على باب الهوى وهو معبر بين شطري النفوذ التركي شمال سورية ؟

– هناك لف ودوران في ما يخص المساعدات الانسانية من قبل  روسيا، فكما تُدخل أنقرة الأسلحة والذخائر إلى تلك المناطق   بإمكانها أيضا إدخال المساعدات، إلا أن  الخضوع التركي لروسيا إلى هذه الدرجة سبب كل المآسي وجعل روسيا تتحكم بهذا المفصل من مفاصل الحياة بسورية في غياب الحس الإنساني السياسي.. .

س-أفرجت قوات النظام السوري، مؤخرا،  عن معتقلين بمحافظة درعا ، ضمن حملة أطلقها النظام السوري قبل قرابة ثلاثة أسابيع، لإطلاق سراح عدد من المعتقلين من سجونه في عدة مناطق بعفو رئاسي، غير أن القائمة خلت من المعتقلين الذين أمضوا سنوات طويلة في السجون على خلفية معارضتهم النظام، ويقول محللون إن الخطوة جاءت لتخفيف الاحتقان ضد النظام في تلك المنطقة.. هل تتفقون مع هذا الرأي؟

ج- هذه عادة النظام منذ خمسين عاما  يستغبي الشعوب ويلعب على هذا الوتر..  يعتقل اليوم ويفر ج غدا..  يعتقل من الحواجز والطرقات والمؤسسات والمدراس والجامعات ثم بعد أسبوع  يطلق سراحهم لأنه لا يوجد أي شيء ضدهم  ..ولكن هل أطلق سرح أشخاص عرفوا بمعارضتهم للنظام  وظلوا في الاعتقال سنوات  كثيرة؟.. لا،  لن يطلق سراح هؤلاء،بل  سيتم الإفراج عن  الشخصيات والأشخاص الذين لا تأثير لهم  وكان اعتقالهم صوريا..

  النظام يلعب على وتر العواطف الجياشة لدى هذه المناطق الثائرة التي عادت إلى وصايته  ولازالت محتقنة سيما – كما لاحظنا في الآونة الأخيرة- في مناطق الجنوب السوري.

 

س – هل ترون تسوية في الأفق برغم كل المآسي واللقاءات والمبادرات؟

ج- لم يعد لأي محلل أو سياسي مهما كانت درجة اطلاعه على الملف السوري، أن يفهم ماذا سيحدث أو يتوقع  تسوية سياسية قريبة في الأفق، لأن المفاجآت الحاصلة بشكل متسارع في المواقف الدولية تسبب حالات من التذبذب ولأنها غير  ثابتة.

نأمل في أن يصحو الضمير الإنساني العالمي  ويتمّ إنهاء المأساة السورية التي طال أمدها في عالم الجشع والمصالح الأنانية.