الحقوقي ميشيل شماس: ملف المعتقلين والمختفيين قسراً لم يحظى بالاهتمام اللازم وحلحلته ستساهم في الولوج إلى الحل السياسي  

83

يرى المحامي والحقوقي ميشيل شماس، في حوار مع المرصد السوري لحقوق الإنسان،  أن ملف المعتقلين لم يحظى بالاهتمام المرجو لحلحلته، مؤكدا أن حل الملف سيماهم في بناء إجراءات الثقة للولوج إلى الحل السياسي وإنهاء الصراع.

س-وأنت المحامي المدافع عن حقوق الإنسان ومعتقلي الرأي وسجناء الرأي، هل تم تهميش  الملف، وهل حلحلته باب من أبواب الحل السياسي في سورية؟

ج-لم يسبق في التاريخ الحديث أن شهدت سجون بلد في العالم هذه الأعداد المهولة من المعتقلات والمعتقلين، فعلى إمتداد الـ 11 سنوات الماضية تعرّض الملايين من السوريات والسوريين للاعتقال من قبل نظام الأسد وأيضاً من قبل الميلشيات المسلحة المنتشرة في عموم سورية.  وقتل عشرات الآلاف تحت التعذيب، أكثرهم قتل في مراكز الاعتقال التابعة للأسد، ولا يزال أكثر من 130000 معتقلة ومعتقل مختفين قسريا في عموم أنحاء سورية من بينهم أكثر من مائة ألف مختفي ومختفية في سجون وأقبية المخابرات السورية فقط. 

-وللأسف لم تحظى مأساة المعتقلين بالاهتمام الكافي من قبل المجتمع الدولي وقوى المعارضة السورية طيلة السنوات ال11 السابقة، وفشلت جميع المحاولات العربية والدولية في الإفراج عن المعتقلات والمعتقلين التي بدأت مع عمل بعثة المراقبين العرب المرسلة من الجامعة العربية الى سورية عام 2011، وكذلك الجمعية العامة للأمم المتحدة  التي طالبت في قرارها رقم (66/253) عام 2012 الإفراج عن جميع المحتجزين تعسفاً بسبب الأحداث التي تشهدها سورية، وصدور العديد من البيانات والنداءات والقرارات الدولية وفي مقدمها بيان جنيف والقرار 2254، التي  أكدت جميعها على ضرورة إطلاق سراح المحتجزين لدى كافة الأطراف،  إلا أن ملف المعتقلين بقي عصياً على الحل، ولم  تكتف الأطراف المتنازعة وخاصة “نظام الأسد” بعدم إطلاق سراح المحتجزين لديها وحسب، بل واستمرت بحملات الاعتقال حتى ضاقت بهم أماكن الاحتجاز، بالتأكيد إن حل مسألة المعتقلين والمختفين قسرياً والكشف عن مصيرهم  سيساهم في بناء إجراءات الثقة للولوج الى حل سياسي، لكن يبدو أن لا حل سياسي في سورية إلا برحيل هذه العصابة الحاكمة في دمشق ومعها شلة العصابات المنتشرة على الأراضي السورية  وطبعاً رحيل كل الاحتلالات والقوى الأجنبية والمسلحين الأجانب. 

 

س-يقول حقوقيون إن سورية تشهد حالات اعتقال جديدة وحالات القتل جراء التعذيب لم تتوقف حتى الآن، ما مدى صحة ذلك، وكيف يمكن إيقاف ذلك؟

ج- حالات الاعتقال والقتل تحت التعذيب في عموم أنحاء سورية لم تتوقف على الإطلاق، وخاصة في المناطق التي يسيطر عليها الأسد، ووصلت الأمور بنظام الأسد أن ضاق ذرعا من تزايد النقمة الشعبية عليه وخشي أن تتوسع هذه النقمة بسبب تدهور الوضع الاقتصادي والمعيشي، فأصدر قانون الجريمة  الالكترونية  الذي يعاقب حتى على التعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي  ووصفه السوريون بقانون كم الأفواه، وشكل هذا القانون خطراً كبيراً على حريات الناس، وبمجرد دخوله حيز التنفيذ عمّ الصمت وسائل التواصل الاجتماعي  خوفاً من الاعتقال.

-ولا حل لوقف عمليات الاعتقال إلا برحيل هذا النظام الذي لايستطيع أن يعيش لحظة واحدة دون إعتقال الناس وزجها بالسجون، و تعديل كل القوانين وفي مقدمتها الدستور بما يتوافق مع الشرعية الدولية لحقوق الإنسان، وهيكلة قوى الأمن والجيش والشرطة  ومنعها من التدخل في السياسة وحصر مهمتها في حماية أمن الوطن والناس وجعلها تحت المراقبة والمحاسبة القضائية. 

 

س- يقول معارضون إن فشل المعارضة إنعكس سلبا على ملف المعتقلين حيث لم تنجح كجسم سياسي في عقد مؤتمر دولي من أجلهم، ما تعليقك؟

ج- بالتأكيد إن عجز المعارضة وفشلها على جميع الأصعدة ورهن قراراتها لدول إقليمية ودولية انعكس بشكل سلبي على قضية المعتقلين، وجعلها عاجزة تماماً من فعل أي شيء لهم، وهذا ما ساعد نظام الأسد على رفض كل المبادرات الدولية  لإطلاق سراح المعتقلين، والمعارضة السورية ليست عاجزة عن عقد مؤتمر دولي وحسب، بل وحتى عاجزة عن عقد مؤتمر يجمع أطياف المعارضة المشتتة وانزلقت بصراعات فيما بينها وسارت مع الرؤية الروسية للحل في سورية بموافقتها على تشكيل اللجنة الدستورية خلافاً لما نص عليه القرار الدولي 2254 الذي نص أولا على وقف إطلاق النار وإطلاق سراح جميع المعتقلين وعودة اللاجئين  ومن ثم تشكيل جسم انتقالي الذي من مهمته  تمهيد الأجواء في سورية لعملية دستورية تنتهي بانتخابات برلمانية ورئاسية.

 

س،-ما أهمية محاكمة بعض رموز النظام دوليا قبل نهاية الازمة وما آثارها، وهل تحسب للحقوقيين السوريين؟

ج-طبعاً  تّحسب  للمحامين والنشطاء السوريين وفي مقدمهم العاملين في المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية فبجهودهم وبدعم من المنظمات الوطنية المعنية بحقوق الإنسان في أوروبا وخاصة المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الانسان في المانيا ECCHR من فتح باب ملاحقة المجرمين في أوروبا، وتأتي أهمية محاكمة بعض رموز نظام الأسد في اوروبا من أنها ستترك تأثيراً على مسار الحل في سورية ، فهي من جهة ستقلّص من الملاذات الآمنة التي يفكر المجرمون باللجوء إليها، ومن جهة أخرى ستؤكد أنه لا مفرّ من محاسبتهم ومعاقبتهم مهما طال الزمن.. كما أن مجرد إدراج أسماء هؤلاء المجرمين كمتهمين بارتكاب جرائم تعذيب وحرب وإبادة وجرائم ضد الانسانية سيحول دون أن يكون لهم أي دور في مستقبل سورية، وفوق ذلك ستعطي جرعة أمل مهمة للضحايا وذويهم بأن لا يفقدوا الأمل في تحقيق العدالة طالما إن هناك سوريون يواصلون جهودهم في سبيل ملاحقة المجرمين ومحاكمتهم وإبقاء باب العدالة مفتوحاً.

 

س- هل يمكن فصل مصير المعتقلين والملف الحقوقي عن الخلافات السياسية، للانتصار لهم والكشف عن مصيرهم؟

ج-طبعاً يمكن فصل قضية المعتقلين  والمختفين قسرياً عن المسار السياسي  باعتباره قضية إنسانية بحتة وجرت محاولات لفصل هذا الملف واعتباره ملف إنساني إلا أن هذه المحاولات باءت بالفشل للأسف أولا بسبب تمسك نظام الأسد بهذا الملف ودعم روسيا له وحق النقض الذي تملكه في مجلس الأمن، وثانيا صمت المجتمع الدولي  كنتيجة لضعف المعارضة السورية وفشلها بالتعاطي مع هذا الملف ومع القضية السورية ككل.

 

س–برغم الغموض الذي يلف ملف المعتقلين،  هل ترون أملا في الأفق لحله؟

ج- يبقى الأمل موجود، لكن ما نخشاه هو مصير أكثر من مائة ألف مختفي ومختفي في سجون الأسد ، فهذا الملف لا يحتمل أي تأجيل لأن كل يوم يمضي دون حل لهذه القضية معناه موت محقق لبعض من هم في السجون والزنازين.

 

س- ما تفسيرك لموقف المجتمع الدولي من ملف المعتقلين والمختفيين قسرا؟ 

ج- للأسف المجتمع عاجز ولم يتحرك بالشكل المطلوب بالرغم من ملف المعتقلين هو قضية إنسانية بامتياز، وهذا العجز ربما يعود بشكل أساسي  لعدم اهتمام السوريين انفسهم بقضية المعتقلين واقصد هنا طبعا القوى المعارضة لنظام الأسد، وأيضا الموقف الروسي الداعم لنظام الأسد في مجلس الأمن  الذي لم يجد أي حرج في استخدام حق النقض  كلما تعلق الأمر باتخاذ قرار يدين نظام الأسد أو يطلب منه مثلا الافراج عن المعتقلين.

 

س-كارثة الزلزال التى ضربت كل من تركيا وسورية لم تعرف حدودا ولم تفرق بين صغير وكبير تركيا أو سوريا أو اجنبيا، في المقابل تؤكد عدة تقارير وجود تمايز في المساعدات المقدمة الى البلدين المنكوبين، بينما الإنسانية والموت واحد ، كيف تستقيم مثل هذه السلوكيات والتعامل أمام الكارثة الإنسانية ؟

ج -للأسف ماحصل  خلال وبعد كارثة الزلزال التي ضربت أجزاء من سورية وتركيا  لاسيما في طريقة تقديم المساعدات هو كارثة إضافية ضاعفت من معاناة السوريين، يضاف إليها معارضة لا يمكن الوثوق بها وعاجزة حتى عن إدارة مدرسة وميليشيات مسلحة لاتختلف في سلوكها عن سلوك نظام الأسد  في دمشق  الذي بدا وكأنه فرحان وسعيد  بهذه الكارثة التي وجدها فرصة لفك العزلة ورفع العقوبات عنه. إضافة إلى أن تركيا أرادت الاستئثار بالمساعدات لنفسها في البداية وهذا ما يفسر تأخر دخول المساعدات إلى الشمال السوري بعد مضي ستة أيام على الزلزال يعني يلي ضرب ضرب. ورغم كل هذه المأساة إلا أن تضامناً شعبيا واسعاً بين السوريين أنفسهم  اخترق كل الحواجز  للتضامن مع المنكوبين  خاصة في الشمال السوري ، وهذا الأمر يجب أن يبنى عليه الآن وفي المستقبل لتشكيل رافعة وطنية  تستند إلى الناس بعيداً عن أولئك الذين رهنوا أنفسهم للخارج سواء من المعارضة والميلشيات المسلحة أو نظام الأسد.  لن يساعدنا أحد في العالم، ما لم نقف مع بعضنا  ونساعد انفسنا أولاً.

 

س-أخيراً لاحظنا أنك قد أنشأت قناة على اليوتيوب تحكي فيها عن مأساة المعتقلين، وقلت فيها “تعالوا نحكي وجعنا” ماذا تقصد بذلك وما هو هدفك من هذه القناة؟

ج-لأن مأساة المعتقلين تهمني وملايين السوريات والسوريين، ولأن هذه المأساة نسيها المجتمع الدولي ،ولأن هناك تقصير كبير من جانبنا نحن السوريون كأفراد وجماعات قررت أتحدث عن هذه المأساة من خلال سرد بعض الأحداث والقصص التي عايشتها بنفسي قبل خروجي من سورية والتي تروي جانبًا من معاناة المعتقلين بعد نقلهم من الأفرع الأمنية إلى المحاكم.ماذا حدث لهم وكيف عاملهم القضاة. خاصة قضاة محكمة الإرهاب.

والهدف من الحديث عن المعتقلين هو التذكير بمعاناتهم الشديدة والخطر الوشيك على حياتهم. وتحفيز السوريين على التحرك والتذكير بمأساتهم ، من خلال التظاهر أو الاعتصام ، وكذلك لتوثيق هذه المعاناة للذاكرة السورية وللأجيال القادمة. حتى لا تتكرر مثل هذه المأساة في سورية المستقبل، هي صرخة بوجه  المجتمع الدولي ايضاً لتذكيره بهذه المأساة لربما يتحرك ليس ايماناً بحقوق الإنسان ولكن لكي يتخلص من صراخنا الذي سيزعجه.

آمل أن يدعم الجميع هذه القناة على أوسع نطاق حتى يعرف العالم ما يعانيه المعتقلون في سورية.

إن صمتنا سيشجع العالم على التزام الصمت كما سيشجع نظام الأسد والمليشيات المسلحة على مواصلة جرائمهم ضد شعبنا. 

وختاماً اشكر المرصد السوري لحقوق الانسان على اتاحة هذه الفرصة لي للتحدث عن مأساة المعتقلات والمعتقلين في سورية وفي مقدمهم استاذي وصديقي المحامي خليل معتوق المعتقل في سجون الأسد منذ 2.10.2012، وكذلك رانيا العباسي وأولادها الستة وزوجها والدكتور عبد العزيز الخير وفائق المير وغيرهم الكثير مما لايتسع المجال لذكرهم جميعاً.