السياسية السورية لمى الأتاسي: اللجنة الدستورية حجة روسية لصناعة التقارب السعودي -الإيراني -التركي.. وسوريا بيد روسيا والنظام موظّف لديها ولا بد من إيقاف الدور السيء لإيران في المنطقة

75

برغم تيقّن كل الجهات من أن الحّل في سورية لن يكون عسكريا، فإن الوضع لا يزال على حاله منذ عقد من الزمن مع غياب الحلّ السياسي أو التسوية البناءة التي تنتهي على أساسها الحرب الدائرة التي خرّبت البلد وهجّرت جزءً كبيرا أهله.

مظاهر الخراب في سورية تراها في كل محافظاتها ومدنها وأريافها، وعجزت الأطراف المتصارعة عن إيقاف طاحونة الموت في واقع تشدد النظام الحالي وتشتت المعارضة .

وتعتبر السياسية السورية لمى الأتاسي، في حوار مع المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن الوضع في سورية بيد روسيا وهي التي تتحكّم في كل الأزرار منذ تدخلها الرسمي العسكري عام 2015، موضحة أن الدستور ولجنته كانا حجة روسية لصناعة التقارب السعودي -الإيراني -التركي، مشددة على أن مشاكل الشعب أبعد ما تكون عن كل الأطراف المتصارعة والنافذة.

 

س-برأيك، لماذا تسعى كل من روسيا وإيران إلى الإبقاء على دوران عجلة اللجنة الدستورية برغم تأكيد فشلها من عدة أطراف؟

ج-اللجنة الدستورية وُجدت قبل الوصول إلى أي مصالحة أو تفاهمات عميقة وحقيقية بين أطراف الصراع في سورية، بل أقصت أغلب الأطراف وكانت انتقائية، وهذا يعدّ قفزا فوق الواقع السوري ..كانت المسألة متروكة للأمم المتحدة لكي تعمل على توافق بين الدول المتصارعة في سورية وخصوصا إيران والسعودية وتركيا، وكان هناك شبه تجاهل غربي لهذه المبادرة الأممية التي لم تكن الولايات المتحدة طرفا فيها برغم وجودها عسكريا في بلدنا.

-السياسيون الذين تم انتقاؤهم لتمثيل هذا الطرف أو ذاك والتفاوض على مصير سورية كانوا مجرد أبواق لدول أرسلتهم، وأما عن الدستور فهو بحد ذاته لا يوجد خلاف عميق حوله بين أعضاء اللجنة الدستورية والنظام.. الدستور السوري الحالي غير مفعّل لأنه لا يوجد قضاء حر وفصل بين السلطات في سورية وهذه النقطة لن تسمح بنقاشها لا روسيا ولا تعني الآخرين حيث إن مصير الشعب لا يعنيهم قط.

 

س-هل في ذلك نية برأيكم لقطع الطريق أمام القرار 2254، وللإبقاء على هذا المسار حياً، وإجراء الانتخابات الرئاسية في آخر مايو المقبل بموجب دستور عام 2012؟

ج- تماما.. فسورية كونها بيد روسيا وإيران فهما يودان ضمان وقوف دول أخرى معهما ضد أي عملية تغيير عميقة في سورية، وكان المطلوب من اللجنة الدستورية التوافق، لكي بالنهاية يقر الدستور الجديد بشرعية الأسد ونظامه، على الأقل بين الدول الإقليمية لكي يسوق ذلك على أنه خيار سوري له طابع إقليمي..

 

س-انعقدت أعمال اللّقاء الدولي الـ 15 ضمن “مباحثات أستانة” حول سورية في منتجع سوتشي الروسي، لبحث قضايا ملحة، من بينها الوضع المتوتر في إدلب وأزمة اللاجئين والتسوية السياسية في سورية.. سؤالنا هو / منذ تدخل موسكو في سورية عام 2015 فعليا، ماذا حققت، وهل سعت فعلا إلى الحلّ السياسي برغم تدخلها العسكري؟

ج-روسيا تعتبر نفسها في حرب بقاء في سورية وهي منذ تخلي الولايات المتحدة وأوروبا عن الملف خصوصا في عهد ترامب، باتت معنية بإرضاء تركيا والسعودية لكي يتم قبول مصالحة السعودية وإيران.

-لذا، تعتبر موسكو ملف اللاجئين ومنطقة إدلب من ملفات التفاوض التي بحوزتها، فهي مطلقة اليدين بقصف إدلب متى شاءت، وفيما يخص اللاجئين هي وحدها (من الموجودين حول الطاولة ) القادرة على إعادة الناس إلى بيوتهم.. وبيد الأسد أن يعلن غدا عن عفو عام وعن إمكانية عودة آمنة للاجئين وهذا ما تريده كل الدول، إلا أن روسيا تتخذ المسألة ورقة تفاوض، ليبقى الشعب السوري رهينة أينما وجد.

 

س- أطلق مؤخرا، ميثاق الحقيقة والعدالة وهو خطوة جديدة بدأتها جهات سورية ناضلت ولا تزال تناضل للوصول إلى العدالة المطلوبة، برغم صعوبة ملف المعتقلين والمختفين، وعدم وجود نوايا دولية واضحة لحله.. ماتقييمك لهذا الملف، ولماذا هذا الغموض بشأنه؟

ج-سياسة الغرب عموما والولايات المتحدة الأمريكية بخاصة،لم يضعوا ثقلهم في سورية لدعم الحريات وحقوق الإنسان بالشكل اللائق إنسانيًا وتخلوا عن السوريين في منتصف الطريق في عهد باراك أوباما، بعدما أن كانوا قد شجعوا على التضحية والثورة في البداية وخذلوا الشعب بعدما أعطوه الأمل وتركوه يواجه الموت والظلم بمفرده، لكن لحسن الحظ في الغرب عموما يوجد هامش عمل ديمقراطي حقوقي إنساني غير متوفر في دول كروسيا والصين وحلفائهما، فالقرار الغربي ليس مع أي تدخل جاد ينقذ السوريين نعم، ولكن هناك ثغرات ومنافذ متوفرة للعمل على تغيير هذا القرار محليا.. وتعد المبادرة التي تتعلق بملف المعتقلين والمخفيين قسريا نقطة الضغط على روسيا غربيا لكي تفرض تغييرا نوعيا في بنية النظام، لكنها عمليا تبقى نقطة ضغط غير مفعّلة.

-لا توجد نوايا دولية أو غربية متعلقة بهذا الملف وإنما هي مبادرة مجتمع مدني في الغرب الديمقراطي.

 

س- ثمة مؤشرات تشير إلى أن إدارة بايدن، ستتجه لتبني استراتيجية مختلفة عن إدارة ترامب، حيث قد تعمل على استعادة الدور الأمريكي في سورية، بعد تراجعه بشكل كبير خلال المرحلة السابقة.. هل تلتمسين ذلك بعد حوالي شهر من تسلم بايدن السلطة ؟؟

ج-حتما المؤشرات والتصريحات الأمريكية تؤكد على عودة الدور الأمريكي بقوة، لكن في خطابه الأول لم يذكر سورية، وبرغم مواقفه الواضحة تجاه الدور السيء لإيران في المنطقة إلا أننا لا نعلم بعد إن كان سيكتفي بالضغوطات وترك الملف السوري لروسيا كسابقه أم أنه سيدخل في صراع لتبديل الأدوار.

-سورية مستعمرة روسية منذ زمن طويل في حين أن سياسات الدول الغربية لا تمضي حسب معايير تتعلق بحقوق الإنسان والديمقراطية كما يقال، بل بمصالح براغماتية ولا نعلم بعد إن كانت إدارة بايدن تضع سورية أم لا في سياستها أو نهجها القادم.

 

س- ماذا تتطلب عملية الانتقال السياسي في سورية حتى تنجح؟

ج-الانتقال السياسي غير مطروح عمليًا طالما الملف لا صراع روسي- أمريكي عليه جديًا..

-لا يزال الملف بيد روسيا، وهذه الأخيرة قد تعمد إلى استبدال شخص بموظف أخر عندها ليكون دوره استكمال البقاء لنظام الأسد بذات الشروط الحالية.

-ستحاول روسيا الحصول على رضا الشعب ولهذا قد تُقدِم على مجموعة من الإجراءات كالإفراج عن معتقلين وكلام كاذب عن حرية الأحزاب وكلام منمّق عن تغيير ما بالجيش ونزاهة القضاء ومكافحة الفساد ،وأمور أخرى ستبدو جميلة ومفرحة للناس ولكن عمليا لن تغير شيئا، فالأسد لطالما أعلن عن حرية الأحزاب ولطالما سمى بعض الناس أو وظفهم كمعارضين له ولطالما تحدث عن تنظيف ولم يفعل..

-وتعتمد روسيا ونظام الأسد على مافيات الفساد والعنف لحكم شعب لم يخضع لهما.. فالعصيان المدني موجود وحقيقي .

 

 

س-أي دور للمعارضة السورية في المرحلة المقبلة خاصة مع فشل اللجنة الدستورية وقرب موعد إجراء الانتخابات من قبل النظام؟

ج-هنا كارثتنا الكبرى .. نظام الأسد أو لنسمّه حكم روسيا، خطط جديا لإبقاء سورية روسية لزمن طويل، فصنع معارضات من ماركسيين أو بعثيين وإخوان يفكرون بذات طريقة الحكم الواحد..”الإخوان المسلمون” أي الطرف الأقوى في المعارضة في سورية يتصرفون بمركزية وديكتاتورية فيما بينهم ومع حلفائهم، هم وكل المعارضة السورية تصرفوا بزبائنية وهي ذات أساليب النظام السوري .. هكذا يحافظون على القرار لكنهم فشلوا بكل المؤشرات والمعايير..

-لم تسمح روسيا في سورية بوجود هامش تفكير حر، لكنه إن وُجد فلي ذلك بفضل المعارضة المقموعة والمتربية على الريبة والقمع وعدم الثقة، بل لوجود جيل جديد في سورية من شباب يريد شيئا آخر يتمثل في إيمانه بالحريات متعددة الجوانب.

-هؤلاء الشباب لم يملوا ولم ييأسوا، تعاملوا بايجابية مع الجميع لكن قرار المعارضة بيد طبقة القدماء تربية الأسد (بعث- إخوان- ماركسيون- قوميون..).. هناك شيء من صراع الأجيال والمستقبل للشباب.

-المعارضة غير قابلة للإصلاح تماما مثل نظام الأسد،لذلك يجب أن يشق الشباب السوري طريقا جديدا لتنظيمات جديدة بأسلوب عمل سياسي آخر وتفكير آخر وأساليب مبتكرة لم نصل إليها بعد، لكنها حتمية التاريخ..

– لن يصعب على موسكو إن أرضت تركيا والسعودية استمالة المعارضة الحالية للعمل مع نظام الأسد وقد أبدى البعض بالفعل استعداده، لكن هذا ليس قرار الشعب السوري ولن يكون، لأن الشعب السوري مصمم على التغيير..

 

س- أشار مكتب العلاقات العامة في “قسد” إلى أن حوار الأحزاب الكردية السورية فيما بينها هو جزء من استراتيجية قوتها لإطلاق حوار سوري- سوري يضم كافة المكونات السورية، وقال إن الطرفين أنجزا تطورًا ملموسًا وخطوات جادة خلال جلسات المباحثات السابقة.. كيف يمكن أن يصبح هذا الحوار ملموسا وضمانة لمستقبل مشرق لسورية التي عانى شعبها كثيرًا وقدّم تضحيات كبيرة لسنوات من مواجهة الإرهاب والاحتلال والنظام ؟

ج-مع أني أحلم بسورية بلا قوميات أو طائفية أو تقسيمات إلا أنني أخلاقيا ملزمة بأن أقرّ بأن التوجه الفكري لا يأتي إلا من الإخوة الكرد السوريين.. نعم، الاتفاق الكردي -الكردي ضروري لإطلاق الخط الثالث جديا ولإعطاء صوت حرية جديد لسورية.

-القيم التي قرأتها في أدبيات القانون الإداري للكرد في الشمال تدل على حالة وعي وإرادة تطور لم أشهدها بجدية في أي من صفوف المعارضة، وللأسف إرادة تحضير المجتمع ونبذ العنف ومكافحة التطرف وإعطاء المرأة مكانا متساويا، وقيم المساواة والحرية، كل هذا غير متوفر لا في ممارسات المعارضة أو في أدبياتها.

-لا بد من تصالح كردي-كردي، ولا بد من مشاركة سورية وعربية قوية لنجاح بلورة مشروع جديد لسورية، هنا لا بد أن أشير إلى ضرورة مصالحة كردية تركية، إذ لا يمكن المضي نحو دمقرطة سورية وتحضيرها بذات الأدوات التي استعملتها تركيا في سورية، أقصد المجلس والائتلاف ..

-تركيا حاليا لا ترى مصلحة لها في سورية بل هناك مخاوف على وحدتها وأمنها من حزب العمال الكردستاني ولا بد أن نتفهم هذه النقطة وأن يعيها السوريون وبالتحديد الكرد لكي نعمل ايجابيا.

-الفارق الكبير بين المعارضة السورية الرسمية( أي الائتلاف و من حوله ) والكرد في الشمال السوري هو بالعمل.. وقد رفضت المعارضة العمل على الأرض وتركت الشمال السوري لميليشيات التطرف، بينما نزلت قيادات الكرد وعملت على الأرض وعلى كافة الاصعدة فأخذت قوة و شرعية من الأرض.

 

س-سورية مستقبلا كيف ترونها ؟

ج-بعد نهاية هذه المرحلة السوداء من تاريخ سورية سنصل إلى نهاية مشرفة تفتخر بها الأجيال
نحن لسنا أول الشعوب التي نهضت، وهذا الذي نمر به هو ثمن الحرية الحضارية والديمقراطية القادمة.. متفائلة جدًا…