الشمال السوري.. حرية إعلام غائبة في ظل تعدد الجهات المسيطرة ومناطق سيطرة القوات التركية وفصائل “الوطني” الأسوء من ناحية حرية العمل الصحفي

44

لا يزال العاملون والعاملات في المجال الإعلامي في الشمال السوري عرضة للانتهاكات من قبل “سلطة الأمر الواقع” من فصائل وحكومات تنتهج سياسة قمع الحريات و”تكميم الأفواه” لتثبيت نفوذها وسيطرتها على المناطق، تأتي هذه الإنتهاكات بعد مضي عقد وعام من عمر الأحداث الجارية في سوريا ومحاولة إنشاء إعلام بديل خلال هذه الفترة يحسب على جانب المعارضة والثورة السورية بشكل موازي لإعلام النظام.

منطقتي النفوذ في الشمال السوري يختلفان في التعاطي مع الإعلام

تتفاوت بحسب العديد من الناشطات والنشطاء في المجال الإعلامي في الشمال السوري درجة القمع الممارس لحرية الإعلام مابين كل من “هيئة تحرير الشام” التي تخضع لسيطرتها مناطق إدلب وريفها وأجزاء من ريف حلب الغربي وريفي اللاذقية الشمالي وحماة الغربي، و الفصائل الموالية لتركيا التي تسيطر على مناطق ريف حلب، حيث تتبع كل منهما طرق مختلفة لتحجيم دور الإعلام والهيمنة عليه وفرض السلطة عليه، والتقى نشطاء المرصد السوري لحقوق الإنسان بالعديد من النشطاء الصحفيين في منطقتي النفوذ في الشمال السوري للوقوف على قضية حرية الإعلام والفروق بين المنطقتين من ناحية إتاحة المجال للعاملين في هذا المجال لممارسة عملهم ومدى وجود تفوق لمنطقة عن الثانية في قضية حرية الإعلام رغم وجود العديد من أوجه التقارب في اتباع أساليب مشتركة لوضع حدود للإعلام بما يتماشى مع مصالح الفصائل التي تسيطر على مناطق الشمال السوري.

التنوع الفصائلي شمالي حلب يعيق عمل الإعلام

تعددية الفصائل وعدم وجود جهة واحدة يتعامل معها الصحفيون في مناطق سيطرة الفصائل الموالية لتركيا تجعل الأمر يزداد تعقيدًا وتهديدًا لحياة العاملين في المجال الإعلامي على عكس مناطق سيطرة ” هيئة تحرير الشام” التي وبالرغم من وجود الانتهاكات بحق الإعلام إلا أنها تبقى الأفضل بحسب ما يرى الناشط الصحفي (م.أ) المقيم في إدلب وفي حديثه للمرصد السوري لحقوق الإنسان يقول، أنه وإضافة لتعدد الفصائل في مناطق سيطرة الفصائل الموالية لتركيا فلا يوجد هناك مؤسسة رسمية معنية بأمور الإعلام ومتابعته، مضيفًا، أما في مناطق إدلب وريفها الخاضعة لسيطرة “هيئة تحرير الشام” فالنشطاء يجدون راحة أفضل من ناحية تنظيم العمل الإعلامي عبر مؤسسة واحدة وهي “مديرية الإعلام” التي يستطيع أي ناشط تقديم شكوى لها بحال تعرض لأي اعتداء وتقوم بدورها في توفير الحماية لهم والتعاون معهم لإعادة حقوقهم قضائياً، كما أن للمديرية دوراً هاماً في العمل لكونها الجهة الوحيدة التي يتعامل معها النشطاء حالياً وكل شيء يخص الإعلام بجري من خلالها.

ويتابع قائلاً أما مناطق سيطرة الفصائل الموالية لتركيا فهناك حالة من العشوائية وعدم التنظيم المؤسساتي وغياب تام للقضاء وكل فصيل لديه طريقته الخاصة في السيطرة على مناطق نفوذه وهذا بالتأكيد يشكل عائقاً كبيراً أمام حرية الإعلام هناك، ناهيك عن سياسة الانتقام والاعتقال خارج نطاق القانون حيث يقوم أي قائد فصيل باعتقال صحفي بسبب مشكلة شخصية أو لانتقاده ويجري الاعتقال دون سابق إنذار.

ويوضح أن الفرق الآخر أن هناك نوع من الاهتمام بالحاضنة الشعبية والرضوخ لمطالبها ضمن مناطق “هيئة تحرير الشام” أكثر من الفصائل الموالية لتركيا فعندما يكون هناك حملة مطالبة بأي ناشط صحفي يتم اعتقاله في إدلب تخرج الجهات المعنية بإيضاح سبب الاعتقال، أي أن هناك نوع من الشفافية أكثر من مناطق الفصائل الموالية لتركيا “بحسب قوله”

مؤكداً أنه وفي العام 2020 تم احتجازه من قبل عناصر “هيئة تحرير الشام” بسبب خلاف على تفتيش سيارته في منطقة ريف إدلب الغربي وخرج منذ اليوم الأول رغم تعرضه للاهانة النفسية ومحاولة الضرب لولا تدخل أحد القياديين لكن تبقى مناطق إدلب وريفها برأيه مكاناً أفضل للعمل الإعلامي من مناطق سيطرة الفصائل الموالية لتركيا “على حد زعمه”

تحرير الشام تتغلب على الفصائل الموالية لتركيا في منح حرية للإعلام

مراقبة النشطاء الصحفيين عبر وسائل التواصل الإجتماعي وضبط تحركاتهم من خلال تصريح عمل عبر البطاقات الصحفية واعتقالهم بسبب انتقاداتهم للسلطات المحلية التعرض لهم بالضرب والإهانة ومصادرة المعدات كلها طرق تتبع في منطقتي النفوذ الحالية في الشمال السوري سواءً مناطق سيطرة “هيئة تحرير الشام” أو الفصائل الموالية لتركيا.

الناشط الصحفي ( أ.أ) من ريف حماة الغربي والمقيم في مدينة إعزاز في ريف حلب الشمالي يؤكد أن احتمال خطر الاعتقال التعسفي ضمن مناطق سيطرة الفصائل الموالية لتركيا أعلى من مناطق سيطرة “هيئة تحرير الشام” فقد يتم الاعتقال لمجرد التعبير عن الرأي وانتقاد فصيل معين أو قيادي معين، ولا تزال إلى الآن هناك الكثير من القضايا لصحفيين تعرضوا للاعتقال شائكة ولم تحل على عكس مناطق سيطرة “هيئة تحرير الشام” حيث يتم حل الخلاف وعرضه للرأي العام وفي أصعب الحالات يتم تحويله للقضاء إن ثبت تورطه في عمل معين للفصل في القضية، مشيراً لعدم وجود قضاء واحد ضمن مناطق سيطرة الفصائل الموالية لتركيا وعلى الرغم من الهيكلية العامة التي توضح بأن هذه الفصائل منضوية تحت جسم واحد إلا أن الواقع يكذب ذلك فكل فصيل لديه مناطق نفوذ محددة وطرق مختلفة في بسط سيطرته ويختلف كل فصيل عن الآخر بالتعامل مع النشطاء الصحفيين وهذا ما يزيد الأمر تعقيداً، ويلفت محدثنا لعقبة أخرى وهي أن مناطق سيطرة الفصائل الموالية لتركيا تحكم فعلياً من قبل تركيا وهي من تدير المنطقة وتأتمر الفصائل بأمرها وقد لاحظنا في الآونة الأخيرة منع الصحفيين من تصوير القصف الذي تعرضت له مناطق في ريف حلب الشمالي سواءً من قبل قوات النظام أو من قبل “قوات سوريا الديمقراطية” على عكس الحال في مناطق إدلب حيث يسمح بالتصوير بكل حرية.

ويؤكد أنه يتنقل بشكل دائم بين المنطقتين ومطلع تماماً على حالة حرية الإعلام ففي إدلب سهلت البطاقات الصحفية التي منحت للصحفيين والصحفيات كثيراً تحركهم وتغطيتهم لأي حدث دون تعرضهم للتوقيف ويكتفي الناشط بإبراز بطاقته الصحفية وإذن التصوير، أما هنا فقد وصل الحال لعودة المدنيين للتصوير عبر الهواتف وبشكل متخفي أحياناً لحالات قصف أو غيرها بسبب وجود تقصد للتكتم عن أوضاع المنطقة.

ما هي مطالب النشطاء الصحفيين في الشمال السوري؟

محاولة ترضيخ الإعلام لسلطة “الأمر الواقع” وجعله أداة بيد الجهات العسكرية المسيطرة في الشمال السوري هو الشغل الشاغل لها وهمها الأكبر وهو ما يرفضه العاملون في المجال الإعلامي بحسب الناشط الصحفي (ر.س) المقيم في إدلب، وفي شهادته للمرصد السوري لحقوق الإنسان يقول، بأنه من المفترض أن يكون القطاع الإعلامي بعيداً عن السلطة وغير تابع لها حتى يستطيع العمل بمهنية كاملة دون شروط أو قيود، لكن مايجري في الشمال السوري هو أن كل جهة عسكرية تحاول أن توجه عدسات وأقلام الصحفيين باتجاه الأشياء التي تصب في صالحها فقط دون التعرض لأي انتقاد أو التطرق لمواضيع قد تسيء لها.

ويكمل (ر.س) “هيئة تحرير الشام” في إدلب جهدت خلال الآونة الأخيرة على سن قوانين عبر “حكومة الإنقاذ” يجدها البعض أنها لصالح العمل الإعلامي لكن حقيقتها هو فرض سقف لحرية الإعلام، مثل قانون الإعلام الأخير أو إنشاء مديرية الإعلام التي يديرها أشخاص كانوا سابقاً يديرون وكالة إعلامية تابعة لها عندما كانت باسم “جبهة النصرة” وهذه حقيقة يعرفها العديد من الصحفيين.

موضحاً، بأن البطاقات الصحفية وفرض الحصول على إذن لإعداد تقرير مرئي أو التصوير ماهو إلا وسيلة لمنع نشر أي محتوى إعلامي لا يتماشى مع سلطة “هيئة تحرير الشام” ومايدعم ذلك أن الجميع يعلم أنه إلى الآن لم يتم توقيف صحفي موالٍ أو تابع “لهيئة تحرير الشام” أو التعرض لوكالة موالية لها وهم كثر ومعروفون

ويشدد على أهمية أن يكون هناك فسحة أكبر للإعلام في جميع مناطق الشمال السوري وأن يتم التوافق على معاهدة تضمن حق حرية الإعلام لدى جميع الفصائل حتى يأخذ الإعلام مكانه الصحيح ويعمل الصحفيون والصحفيات بحرية دون البقاء دائماً تحت رهبة الاعتقالات والاعتداء من قبل الجهات العسكرية في الشمال السوري، كما ويطالب باحترام حرية الصحافة والإعلام وعدم التعرض للعاملين في هذا المجال في الشمال السوري، فمن حق الصحفي تقصي المعلومات وإعداد المادة الإعلامية بحرية مطلقة ويجب على هذه الفصائل والجماعات أن تضمن له حق الحصول على المعلومة وتأمين الحماية له أيضاً.

خطر الإعلام المهني على الفصائل

وتسعى بطبيعة الحال الجهات العسكرية جميعها في الشمال السوري وحتى في باقي المناطق مثل مناطق سيطرة قوات النظام والميليشيات المساندة له ومناطق سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” أن لا تسمح للإعلام بأن يأخذ حقه بشكل كامل وأن يعمل بشكل مهني دون تقييد بأوامر وتعليمات الجهات المسيطرة، وذلك بهدف عدم ظهور المناطق للرأي العام على حقيقتها وهذا ينافي مصلحة أي جهة عسكرية تسيطر على أجزاء من سوريا لاسيما مناطق الشمال السوري الواقعة تحت سيطرة “هيئة تحرير الشام” والجماعات الجهادية والفصائل إضافة للفصائل الموالية لتركيا.

فعند وجود إعلام مهني محمي من الإنتهاكات ولا يتعرض العاملون فيه للخطر فهذا يعني إبراز الكثير من الجوانب السلبية التي لا تحبذ هذه الجهات العسكرية المسيطرة ظهورها إعلامياً أو التعمق أكثر في تفاصيلها مثل مايجري داخل السجون ولاسيما السرية منها التابعة للفصائل وحجم الثروات والفساد الإداري والإرتزاق وتنفيذ الأجندات الخارجية وطرق وأساليب سرقة المدنيين من فرض الضرائب، وعمليات الاختطاف والاغتيالات والتناحر الفصائلي وغيرها العديد من الجوانب التي يسودها التكتم والغموض من قبل الجهات العسكرية المسيطرة والمعنية.

فهذه وغيرها الكثير كلها أسباب تدفع الجهات العسكرية المسيطرة لتقويض دور الإعلام وتحجيمه وتوجيهه حسب ماتريد وعدم منح العاملين فيه كامل الحرية في اختيار نوع المادة الإعلامية المراد إعدادها، وفي حال خرجت كل تلك الجوانب بشكلها الصحيح وبمهنية إعلامية فهذا يعني تراجع الحاضنة الشعبية لهذه الفصائل وظهورها بوقف حرج أمام الرأي العام.

وبمقارنة مستوى الحرية الممنوحة للإعلام في منطقتي النفوذ في الشمال السوري يتضح أن هناك العديد من القواسم المشتركة في طريقة التعامل مع الإعلام بين منطقتي النفوذ الخاضعتين لكل من “هيئة تحرير الشام” والفصائل الموالية لتركيا، لكن ومن خلال رصد آراء العديد من العاملين في المجال الصحفي ضمن المنطقتين يتضح أن مناطق نفوذ تركيا والفصائل الموالية لها هي المكان الأسوأ لحرية الإعلام لسببين هما الهيمنة الفعلية التركية على المنطقة وتعدد الفصائل والتوجهات على عكس مناطق سيطرة “هيئة تحرير الشام” بالرغم من عدم وجود قدر كبير لحرية للإعلام فيها.

المرصد السوري يطالب باحترام حرية الإعلام في الشمال السوري

بناءً على كل ما سبق، فإن المرصد السوري لحقوق الإنسان يطالب بالإيقاف الفوري والغير مشروط للاعتداءات المتكررة بحق الصحفيين والصحفيات في الشمال السوري وضمان سلامتهم وعدم زج العمل الإعلامي في متاهات التناحر الفصائلي وبسط النفوذ والسيطرة و تحييده تماماً عن كل ذلك من أجل ضمان استمرار النشطاء الصحفيين والباحثين والمدافعين عن حقوق الإنسان في نقل الصورة الحقيقة للأحداث بعيداً عن إملاءات الجهات العسكرية المسيطرة.