القيادي في هيئة التفاوض نشأت الطعمية: بتوافق أمريكي-روسي ستنتهي الحرب في سورية.. واللجنة الدستورية لن تنجح إلا بإنشاء هيئة حكم انتقالية

34

يرى القيادي بهيئة التفاوض المعارضة والمستشار القانوني السابق في اللجنة الدستورية، نشأت الطعمية في حوار مع “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، أنّ الأزمة في سورية ستنتهي بتوافق روسي-أمريكي، لافتا إلى أنّ اللجنة الدستورية لن تنجح مع عدم إنشاء هيئة حكم انتقالية.
كما شدّد على أنّ التضافر العربي من أجل التصدّي لتمدّد إيران، ظاهرة صحّية جيدة وجب إتباعها، مشيرا إلى أنّ ما تعيشه لبنان والعراق وسورية اليوم جراء التمّدد الفارسي، من دمار، هو أكبر دليل على ضرورة التضامن لحفظ الأمن القومي العربي.

س- أكّد منسق مجلس الأمن القومي الأمريكي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا “بريت ماكغورك” أن قوات بلاده تعتزم البقاء في سورية لمحاربة داعش، مشددا على أن أمريكا قد تعلمت الدروس الصعبة في سورية، برأيكم ماهي هذه الدروس التي تعلّمتها واشنطن؟

ج- رسمت الإدارة الأمريكية في زمن الرئيس الأسبق باراك اوباما خارطة طريق لسياستها في منطقة الشرق الأوسط، والتي تعتبر من أشدّ المناطق حرارة ومن المناطق ذات الأهمية الإستراتيجية لواشنطن، كما حدّدت، مع استلام أوباما للرئاسة، خارطة طريق لسياساتها في إدارة العالم. إذ تتمحور تلك السياسة حول ضرورة التفرغ لمجابهة النمو الاقتصادي المتسارع للصين، والذي أصبح يهدد قيادة أمريكا للعالم.
-وبناء على ذلك قررت الإدارة الأمريكية سحب قواتها من العراق بل والانسحاب كليّا من منطقة الشرق الأوسط فضلا عن عدم التدخل المباشر في أزماتها طالما لا يوجد تهديد لمصالحها الإستراتيجية أو مصالح حلفاؤها في تلك المنطقة، إذ تركت إدارة تلك الأزمات لحلفائها أو شركاءها. وترتكز أهم هذه المصالح الإستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط والتي لا يمكن التساهل فيها (تأمين الطاقة، والغاز والبترول) وضمان أمن إسرائيل وكذلك أمن حلفاءها في الخليج وعدم امتلاك دول المنطقة السلاح النووي، باستثناء إسرائيل، وأيضا منع التمدد الصيني أو الروسي فيها بالقدر الذي يهدد تلك المصالح الاستراتيجية أو بالقدر الذي يصبح هذا التمدد طويل الأجل أو أن يصبح قوة يصعب زحزحتها في المستقبل، ونجد ضمن هذه الإستراتيجيّات أن الأمريكان لم يتدخلوا بشكل مباشر في أزمات المنطقة أو في انفجارات ما سُمي بالربيع العربي، بل نجدهم قد حمّلوا الفرنسيين والأتراك والإخوان المسلمين، المسؤولية في انفجار تونس خلال الفترة الممتدّة بين سنة 2010 و2012 وكذلك الأمر في انفجار كل من مصر وسورية. وقد تمّ الاعتماد على العسكر في إزاحة الإخوان عن السلطة بعد الخلاف مع تركيا ومع الإخوان، ثم مع موسكو في سورية، بعد اتفاق الكيمياوي معها عام 2013، وكان الهدف الأساسي من تلك الاتفاقات هو إحالة تلك الدول دون السّير نحو المسار الدّيمقراطي الوطني والمستقل الذي يهدد مصالحها الإستراتيجية في المنطقة. فلم تختلف كثيرا سياسة الإدارة الأمريكية زمن الرئيس دونالد ترامب عن التوجهات حول المنطقة؟

س-لو أرادت أمريكا الحلّ بسوريا لفرضته، فلم هذا التذبذب الذي ترك الوضع ينزلق إلى هذا الحدّ من الدمار والخراب؟

ج- عايشتُ كل من المبعوثين الدوليين دي مستورا وبيدرسون، منذ تشكيل رياض 1 ورياض 2، عدّة ضغوطات، كان دي مستورا قد استقال من مهمته الدولية مثلما استقال كل من الأخضر الإبراهيمي وكوفي عنان بسبب عجزهما عن تنفيذ الحل السياسي وفقا للقرار الدولي 2254 لعام2015، وهذا راجع لعدم توفر الإرادة الدولية في حلّ الأزمة السورية.
-فقد سعى المبعوث الدولي الرابع بيدرسون بعد استلام مهمته إلى تحريك العملية السياسية المستعصية في سورية بسبب النظام وداعميه من الروس والإيرانيين عبر تفعيل سلة الدستور، حيث كان ولازال يعتقد أنه يمكن له أن يفتح من خلال العملية السياسية نافذة وأن يتقدم فيها خطوة إلى الأمام في حال انخرط النظام بشكل جدي في العملية الدستورية ، قلنا لهجينها ، إنك وفق هذا الأسلوب تضع العربة أمام الحصان حيث أن المعارضة قد وافقت على سلال دي مستورا الأربعة بشرط أن تسير بالتوازي مع السلال الأخرى، وأنه لا يمكن تنفيذ سلة منها دون التقدم في بقية السلال والانتهاء منها وفي مقدمتها سلة الحكم الانتقالي لذلك لابد من تحريك سلة الحكم الانتقالي وتشكيل حكومة انتقالية في سورية ، كما قلنا له ، أنه عند العمل على حل الصراعات السياسية في دولة ما فانه يتوجب تحقيق الحل السياسي أولا وتشكيل حكومة انتقالية ثانيا يتم عبرها وضع دستور جديد للبلاد ثم تجري انتخابات عامة وفقه ، ومع إصراره في السير بهذا الأسلوب وافقنا على الانخراط بها حتى لاتتهم المعارضة بعرقلة جهود الميسر الأممي لحل الأزمة السورية ، وكما توقعنا ، وبعد ستة جولات من المفاوضات في جنيف بين المعارضة من جهة والنظام من جهة أخرى من أجل صياغة دستور جديد لسورية لم يحصل أي تقدم يذكر فيها وذلك بسبب رفض النظام التعامل مع القرار الدولي 2254 والسير به وبسلاله الأربعة ، هذا وأعتقد انه لم يكن ان يحدث هذا الاستعصاء في العملية الدستورية أو في العملية السياسية لولا الدعم الروسي للنظام وعلى عكس الظاهر الذي يدعونه بدعم جهود المنسق الدولي بيدرسون في إنجاح مهمته ، حيث يعتقد الروس أنهم سيفقدون جميع مكاسبهم التي تحققت في سورية وفي المنطقة بعد تدخلهم العسكري في سورية في حال نجاح الحل سياسي فيها استنادا للقرارات الدولية ذات الشأن ، لذلك حاول الروس قدر الإمكان الالتفاف على بيان جنيف 1 وعلى القرار الدولي 2254 وافراغهما من أهميتهما عبر جلسات سوتشي المتعددة أو عبر مؤتمر أستانا.

-وان واقع الحال يقول إن المبعوث الدولي سيبقى عاجزا عن تحقيق اي تقدم موضوعي في مهمته، سواء على صعيد العملية السياسية ككل او على صعيد العملية الدستورية طالما لم يتحقق توافق روسي – أمريكي على الحل السياسي، وطالما بقيت الأزمة السورية بعيدة عن أولويات السياسة الأمريكية في المنطقة.

س- باعتبارك عضوا في هيئة التفاوض بعد انعقاد رياض 2 وكونك منسقا سابقا للجنة الدستورية لوفد هيئة التفاوض ومستشارا سياسيا وقانونيا للهيئة العليا للمفاوضات، لماذا انسحبت وما هي أفق نجاح اللجنة الدستورية؟

ج- أجل، لقد انسحبت من وفد اللجنة الدستورية بعد اعتراض تركيا على وجودي فيها حتى لا تتعرقل أعمالها، لذلك ومن خلال تجربتي ومعايشتي للازمة السورية ومن خلال انخراطي في العملية التفاوضية وفهمي للقرارات الدولية ، يمكنني القول انه مهما كثرت أو تعددت زيارات بيدرسون لدمشق أو عواصم أخرى معنية بالأزمة السورية ، فإنه لن يستطيع التقدم بخطوة جدية إلى الأمام، لا في العملية الدستورية ولا في العملية السياسية أيضا ، وهذا يعود لعدم توفر رغبة و إرادة للدول المعنية بالأزمة لإنهائها، كما يرجع الأمر أيضا إلى العيوب التي تواجدت في كل من بيان جنيف 1 وفي القرار الدولي 2254 لعام 2015 ، فهي قد صيغت بطريقة إنشائية توافقية ترضي جميع الدول الأطراف المنخرطة بالأزمة السورية ولم توضع لها آلية محددة لإنجاح التوافق فيما بينهما ، ناهيك عن تلك القرارات والبيانات الأممية التي لم يوضع لها أنياب والتي يمكن أن تستخدم في حال عرقلة تنفيذها وبالتالي لا أرى في الأفق المنظور أية إمكانية لحدوث تقدم في أي من العمليتين – الدستورية أو السياسية ولن يتم ذلك أن لم يحدث تطور مفاجئ أو دراماتيكي في المنطقة أو في سورية أو أن يتم انفراج أمريكي -روسي في الأزمة الأوكرانية أو أن يعاد النظر بالقرارات الدولية ذات الشأن بحيث يتم إغناؤها بقوة دفع لتنفيذها في حال استمر استعصاء التوافق بين أطراف النزاع .

س- تستغل إيران الوضع في سورية من أجل الحصول على مكاسب سياسية، وهي تستمر في التفاوض على حساب الشعب السوري، وصراعها مع إسرائيل – على حساب السيادة السورية، كيف يمكن إيقاف تمدّد طهران في سورية والتصدّي لأطماعها الواضحة في سورية؟

ج- لقد جاءت صحوة النظام العربي الرسمي على التمدد السياسي والعسكري والديمغرافي الإيراني في المنطقة العربية ( العراق ، اليمن ، الخليج العربي ،لبنان ،ثم سورية ) ، متأخرة ، ورغم ذلك نقول أن تأتي متأخرة أفضل من أن لا تأتي أبدا، كانت بوابة التمدد والتغلغل الإيراني في المنطقة العربية مع سقوط عاصمة الدولة العباسية بغداد، بفعل الغزو الأمريكي عليها ، حيث كافأت الإدارة الأمريكية حينها طهران على المساعدة اللوجستية التي قدمتها للقوات الأمريكية في غزوها للعراق ، فسمحت لطهران بالتمدد في عموم العراق وسلمت إدارة حكومة بغداد لقوى وشخصيات مرتهنة سياسيا ومذهبيا لإيران كما سمحت لها في 2005 بإحياء مشروعها النووي المجمّد .

-في سورية، وبعد نجاح ما سمّي بالثورة الإسلامية في طهران ، وضع الأسد الأب أسس العلاقة الاستراتيجية معهم ، كان الدافع الأساسي عنده من إقامة تلك العلاقة هو مضايقة النظام العراقي من جهة الشرق كما أبقى الأسد الأب على جسور العلاقة مع النظام العربي الرسمي ولم يهدمها كما فعل الأسد الابن الذي وضع جميع الأبيض بالسلطة الإيرانية، مع الأسد الأب كان حينها نظام الأمن القومي العربي في أضعف أيامه بسبب مقاطعة الدول العربية لمصر وأبعادها عن جامعة الدول العربية لتوقيعها اتفاقات كامب ديفيد والصلح مع إسرائيل وأيضا بسبب انفجار الحرب الأهلية في لبنان .

-بعد وفاة الأسد الأب تعهدت طهران بحماية نظام الأسد الابن وبدأت ترسل الخبراء والمستشارين في السياسة والأمن ومنحهم النظام السوري صلاحيات واسعة في إدارة الحكم والتغلغل في المؤسسات العسكرية والأمنية كما تم توقيع العديد من الاتفاقات الاقتصادية والعسكرية والثقافية ومنح الإيرانيين في أغلب المحافظات السورية تراخيص إنشاء منظمات مذهبية ومراكز دينية تدعو للتشيع المذهبي وكانت تحت تصرف تلك المنظمات والمراكز أموال طائلة استغلتها بتقديم الهدايا والعطايا والرواتب لتحقيق أهدافها مستغلة الفقر والحاجة التي أصابت غالبية الشعب السوري من جراء سياسة النهب والفساد والاستبداد كما كانت تلك المراكز محمية من أجهزة الأمن واعتبر أعضاءها مريدين للمؤسسات الأمنية، وتم تدريب جيش أمني خفي يستخدم عند الحاجة لمواجهة المجتمع المدني السوري المعارض لسياسات النظام وبرزت وظيفة هؤلاء المريدين للعلن عند الانفجار الشعبي في 2011 حيث استخدمهم النظام إلى جانب الجيش والأمن في قمع وقتل الشعب السوري، كان الشعب مدركا وواعيا بوظيفة هؤلاء المريدين، إلا أنه كان في الان ذاته عاجزا على مواجهتها. كما كانت تلك السياسات التي استخدمها النظام من أحد الأسباب الرئيسة التي أدت إلى انفجار ثورة 2011الى جانب الأسباب الاقتصادية وغياب الحريات والديمقراطية ومنع الأحزاب المعارضة واعتقال أعضاءها وملاحقة الناشطين في مجال حقوق الإنسان وغياب العدالة والتنمية واستحواذ قلة من المرتبطين بالسلطة والأمن على خيرات البلاد التي استمرت لعقود.
–استعان النظام السوري بالمليشيات المسلحة الإيرانية والعراقية والأفغانية إضافة إلى مليشيات حزب الله اللبناني وقد سمح لهم بالتمدد الديمغرافي وتملك العقارات والأراضي لإنشاء مشاريع اقتصادية بالمدن السورية وخاصة في دمشق وحمص وحلب واللاذقية ودير الزور وكانت جميعها تأتمر بأوامر من القادة الميدانيين الإيرانيين ولا تملك سلطة النظام أية سلطة عليهم.
-استفاق النظام العربي الرسمي على خطورة التغلغل الإيراني وتجذّره في سورية بعد أن استشعر خطرا على استقراره وتحسبا من تمدده في بقية البلدان العربية وبدأ يستغيث بأمريكا التي منحت كل الدعم لإيران بعد انسحابها من العراق بقصد ملء الفراغ الأمني فيها وكذلك بدأ يستنجد بالكيان الإسرائيلي مستغلا تخوف هذه الأخيرة من تطور برنامج إيران النووي ، وحسب رأيي لا ضير من هذه السياسة على الرغم من النزعة البراغماتية فيها، شرط الا يكون ثمنها التطبيع مع إسرائيل، لابد من استنهاض النظام العربي الرسمي بطاقاته الكبيرة وتوحيد جهوده ومواقفه لوقف التمدد الإيراني بكل أشكاله.

س- مع دخول فصل الشتاء، تشهد سوريا وضعا إنسانيا في أسوأ مستوياته، في مختلف المناطق، أليس من المهم على المجتمع الدولي تجنّب العقوبات التي يمكن أن تؤثر على عمليات تسليم المساعدات الإنسانية للمدنيين والنازحين في المخيمات والذين يعيشون أوضاعا مأساوية صعبة؟

ج- لابد من السعي إلى إنهاء سياسة الخطوة مقابل الخطوة أو طريقة تقديم المساعدات الإنسانية للشعب السوري تحت مسمى مساعدات عابرة للحدود والخطوط، تلك السياسة التي خطها المفوض بيدرسون بتأييد ومساعدة من الولايات المتحدة الأمريكية، إذ لابد من إدراك أن النظام السوري لديه تجربة طويلة في سياسة (الأخذ دون العطاء) فهو لا يمكن أن يقدم على خطو أية خطوة يستشعر أنها ستضعفه ، لذلك فإن سياسة الترغيب وتقديم الجزرة لن تؤدي إلى نتائج مفيدة، ومن جهة أخرى فهو الآن يستفيد من النصيب الأكبر من المساعدات الإنسانية التي تقدمها الأمم المتحدة ولا يستفيد منها الشعب السوري المحتاج وخاصة في الداخل الا الإذن من الذبيحة، إذ أن المساعدات الإنسانية مقررة للشعب السوري بموجب القرارات الدولية ذات الصلة وأن الأمم المتحدة مفوضة بإيصالها إلى مستحقيها عبر مؤسساتها المستقلة لا عبر النظام وأجهزته الأمنية والأمم المتحدة لا تعدم من الوسائل التي تمكنها من إنجاح مهمتها خاصة وأن جميع القضايا الإنسانية ومنها المساعدات للشعب السوري تعتبر وفق القرارات الدولية قضايا فوق تفاوضية ولا تخضع للتصويت في مجلس الأمن أو أن تكون مرتهنة لموافقة دول محددة.