المعارض والحقوقي السوري طارق حاج بكري: لا حلّ في سورية مع وجود الأسد ولن نعود إلى حظيرة النظام مهما كلفنا الأمر.. وتركيا تعاني من أحداث سورية ولها مصلحة في انتصار الثورة

49

تعصف الحرب بسورية منذ نحو عشر سنوات، انتفاضة شعبية محلية تحولت إلى نزاع شامل تعدد فيه اللاعبون على الأرض داخل البلاد وخارجها، إلى حد صار من الصعب إيجاد الحلول السياسية السلمية، وسط اتهامات للنظام من جانب والمعارضة من جانب آخر بالتعطيل والعرقلة.

ويتّهم الحقوقي السوري والمعارض طارق حاج بكري، في حوار مع المرصد السوري لحقوق الإنسان، النظام بالإجرام في حقّ الشعب السوري، لافتا إلى أن الأسد وحاشيته وراء تأزم الأوضاع في البلد وتعقيدها.

س- عادت أعمال اللجنة الدستورية في جنيف الاثنين الماضي إلى عقد أشغالها، واللافت والصادم في أولى الجلسات تصنيف وفد النظام اللاجئين الذين يريد عودتهم إلى “اللاجئ الحقيقي”، و”اللاجئ غير الحقيقي” الذي عرّفه وفد النظام بأنه اللاجئ السياسي أو لأسباب سياسية، وتكون عودته بشروط وضوابط.. ما رأيك أولا في التوصيف والتصنيف ، ثم ألا يمثل هذا رفضا ضمنيا لعودة هؤلاء المحقة ؟

ج- تصنيف لا يمت للواقع بصلة، فكل من خرج من سورية خرج مضطهدا من ظلم نظام الأسد نتيجة موقف سياسي أو ملاحقة أمنية لأنه ثار ضده باعتباره يسعى إلى أن يبقى إلى الأبد في حكم سورية، ثار السوريون وطالبوا باستعادة سورية الحقيقية لا سورية الأسد وحاشيته، هذا الشعب ثار لاستعادة اقتصاد سورية الذي نهبه النظام، ومن أجل عمل المؤسسات دون رشوة وفساد، السوريون انتفضوا من أجل بناء سورية الديمقراطية الحرة التي تستطيع أن تقف في صف الدول المدنية المتحضرة، لهذا يعادي النظام الحضارة والمدنية اللتين تتعارضان مع سلطته الديكتاتورية التي تفرض على سورية وتتعارضان مع سياسة القتل الوحشي الذي يمارسه على المدنيين والثوار، وتتعارضان أيضا مع استخدامه الكيميائي، بالتالي لا يريد أن يبقى في سورية إلا العبيد الذين يقبلون بسلطته المطلقة وهو لا يريد أن يعود أي لاجئ إلا إذا رضي بأن يعود إلى صفوف العبيد ولا يعترض، يأكل ويشرب وينام.

 

س- ربطت هيئة التفاوض عودة اللاجئين بـ”الحل السياسي الكامل” الذي تؤكد عليه القرارات الدولية.. ألا تعتبر عودة هؤلاء “حالة إنسانية بالأساس”، ولماذا يتم ربطها سياسيا ما من شأنه أن يصعد المأساة ؟

ج- هناك من يتخيل أن اللاجئ السوري قد هاجر لأنه في حاجة إلى الرغيف اليومي، لا أبدا.. اللجوء السوري لم يكن إنسانيا، السوري خرج لأنه أراد أن يستمر بثورته من أجل إسقاط نظام ديكتاتوري استولى على سورية لمدة 40 عاما، اللجوء السوري يختلف عن كل أنواع اللجوء في العالم، اللجوء بالنسبة لنا هو تحرك تلقائي من أجل سورية، لذلك هناك فارق بين ما يسمى باللجوء الإنساني واللجوء السوري.. أجزم أن الشعب السوري لا أحد يريد أن يبقى في الخارج، كلهم يرغبون في العودة إلى البلد لكن بعد سقوط هذا النظام، العودة صعبة الآن لا من الناحية الانسانية في ظل الخراب الذي تعيشه البلد أو الوضع الاقتصادي المنهك والمنهار، فمقومات الحياة الكريمة في بلدنا مفقودة، أما الأهم وهو الناحية الأمنية، ففي ظل القمع والتتبعات الحاصلة تصعب مهمة العودة على كل شريف، السوري يريد أن يعود إلى وطن يعيش فيه بحرية في ممارسة أعماله والمساواة أمام القانون وتطبيق العدالة الاجتماعية ويضمن فيه حقه ككل مواطن في العالم، مع ضمان حقه في الحياة الكريمة وحرية الصحافة والإعلام والتعبير والرأي.. الشعب السوري يريد الحرية، نحن مشكلتنا مع نظام الأسد وليس مع حالة إنسانية.

 

س- تزامنت اجتماعات اللجنة الدستورية في جولتها الرابعة في جنيف، مع احتجاجات في محافظة درعا، حيث يتهم السكان المحليون دمشق بعدم الوفاء باتفاق المصالحة عام 2018 مع المعارضة.. هل من عقّدت هذه الأحداث عمل اللجنة الدستورية؟

ج- لم يلتزم نظام الأسد منذ أن تم توقيع المصالحة مع أهالي درعا بهذا الاتفاق، وهو يسعى إلى إعادة درعا إلى “حظيرة الأسد” بعد أن خرجت عن طوقه وذاقت معنى الحرية ولا يمكن أن تعود أبدا، لذلك هو يحاول إدخالها في بيت الطاعة بعد أن أصبحت عصية على ذلك .. لقد تعودنا سابقا خلال الأعمال السياسية أن غالبية سياسيينا الموجودين في الخارج يهتمون بأمورهم ومواقعهم أكثر من اهتمامهم بما يحصل داخليا، لذلك لا أتوقع أن يؤثر هذا العمل على مسيرة عمل اللجنة الدستورية وكل المسارات السياسية وخصوصا مع ممارسة الضغوط الدولية على الأعضاء.

-أقولها بصراحة: مشكلة سورية ليست دستورا ولكن مشكلتنا في “الحمار الذي أكل الدستور”، نحن ليس لدينا مشاكل قانونية بل في من تعدى على الدستور والقانون وهو النظام الحالي بعد أن استباح البلاد والعباد وطوّع الدستور لصالحه واستغل الجيش والأمن في قتل العباد وعطّل القانون، ومع ذلك فاللجنة الدستورية في ظل تركيبتها الحالية لا يمكن أن تصل إلى دستور، يمكن أن تتفق على العموميات أما النقاط الأساسية التي تخص سورية ويمكن أن تصل بالبلد إلى تحقيق الأهداف التي جاءت من أجلها الثورة فلا أظن أنه سيتم التوافق عليها لأن النظام لن يقبل على الإطلاق بالمساس بصلاحيات رئيس الجمهورية أو الانتقاص منها لأنه يريد أن يبقى الأسد على رأس السلطة ويريد دستورا مفصلا على قياسه لأن أي تغيير في الدستور سيسمح بتغيير الأسد يعني مقتل هذا الرجل.

س- يقول متابعون للشأن السوري، إن التناقضات الرئيسية بين المعارضة السورية والسلطات لا تزال قائمة، حيث لا يُتوقع انتظار انفراج من خلال اجتماع جنيف.. هل تتفق مع هذا الرأي؟

ج-مشكلتنا، هي مشكلة شعب مع قاتل، وبالتالي لا يمكن أن يلتقي الطرفان، إن كان هناك معارضة تلتقي مع نظام الأسد فهي لا تمثل الشعب السوري والثورة في الحقيقة، هذا الشعب الذي قدم مليون شهيد ومئات الآلاف من المعتقلين في السجون.. مشكلتنا مشكلة شعب مع قاتل وعصابة تحكم.

س- يقول مراقبون إن الشرط الرئيسي لبدء الحوار في سورية، هو أن يعترف كل من الطرفين(النظام والمعارضة) بتمثيل الآخر للشعب الذي يتحدثون نيابة عنه.. إلى أي مدى يمكن أن يحقق هذا الشرط الحل السياسي على أساس القرارات الدولية وأبرزها 2254 ؟

ج-من يمثّل هذا النظام ؟ هل هناك فرد من شعب نظام الأسد يستطيع أن يخرج في مظاهرة مكونة من مائة شخص يطالب فيها بتخفيض قيمة الضرائب في الخبز؟ من يمثل هذا النظام؟ هذا النظام يسيطر على عصابة ويديرها ويسيطر بها على مجموعة من الناس الذين يعيشون في مناطق سيطرته، فقط، لا يمكن أن يكون ممثلا للشعب، أما من ناحية المعارضة فأي شخص يستطيع أن يمثله طالما يطالب باستعادة حقوق سورية التي سلبها النظام والمحافظة على وحدة سورية ومساواة الشعب السوري بكامل أطيافه أمام القانون.. هذه مطالب السوريين..أي شخص يستطيع تمثيل السوري طالما أنه يريد محاكمة من أجرم في حقه وطالما يريد الحرية لأبناء الشعب المفقر، لكن لا أحد من طرف النظام قد يستطيع تمثيل الشعب.

س- ماذا عن التدخل الخارجي في سورية وما مدى تأثيره على مجريات الأحداث ؟ وما رأيك في القول بأن هذا التدخل الأجنبي هو السبب الرئيسي في انحراف مسار الحراك الشعبي وفي الدمار الذي لحق بالبلد؟

ج-لم يكن هناك تدخّلات أجنبية لصالح الشعب السوري ولا لصالح النظام، كل الدول تمثل مصالحها في سورية، وكل التدخلات والمساعدات كان هدفها تدمير الثورة من الداخل وأكبر مثال تقديم دعم للأغبياء وتهميش الخبراء من الضباط والحقوقيين والقضاة والمعلمين وتسليم المؤسسات إلى أشخاص لايتمتعون بأي كفاءة.. المشكلة كانت تفجير الثورة من داخلها ولكن هذا لن يستمر والثورات تنتصر وسننتصر، ولا يمكن لأي دولة في العالم التدخل في شؤون أي دولة أخرى لمصلحتها.. السياسة هي سياسة مصالح وكل الدول التي تدخلت في سورية تدخلت لحماية مصالحها فقط.

 

س- تنظر المعارضة السورية إلى المؤشرات التي تنبئ باحتمال حدوث تقارب سياسي بين تركيا والسعودية بإيجابية، وتبدي أوساط فيها ارتياحاً واسعاً لتوالي ظهور هذه المؤشرات، التي من شأنها إزالة الخلافات بين أنقرة والرياض.. برأيك هل أن أي التقاء في المصالح التركية السعودية من شأنه أن يعود بالنفع على القضية السورية، لأن المملكة تشكل ثقلاً عربياً، وتركيا تعد من أبرز داعمي الثورة السورية؟

ج- نعلم جميعنا أن التقاء أي شخصين في هذا الكون واتفاقهما هو خير، السعودية وتركيا هما قطبان في هذه المنطقة وخصوصا حين تنضم إليهما مصر تستطيع هذه الدول أن تكون صاحبة قرار يتمكن من أن يفرض أمرا واقعا على كل دول العالم، لكن التجاذبات السياسية والدكتاتوريات الموجودة في المنطقة التي تخضع لهيمنة مشغليها تمنع هذا التقارب، وهناك قاعدة تقول: لا يمكن لدكتاتور أن يلتقي مع ديمقراطي أو يسمح له بالاقتراب من حدوده، نتمنى مثل هذا اللقاء وإن تم فإن ذلك سيعود بالنفع على كل المنطقة.

س- مرت عشر سنوات .. متى تبدأ معالجة مصير عشرات الآلاف من السوريين المحتجزين أو المختطفين أو المفقودين، والتي تحدث عنها المبعوث الأممي إلى سوريا مرارا ؟ ..ألا تعتبر قضية هؤلاء أولوية قصوى؟

ج-ملف المعتقلين في سجون النظام ملف كبير ومعقّد وهو ملف بيد من يدعون الدفاع عن حقوق الإنسان كالأمم المتحدة ومجلس الأمن، فروسيا والصين عضوان دائمان بمجلس الأمن يرفضان أي قرار يتعلق دائما بالمساجين أو إدخال المساعدات، وتقديم الضروريات.. معاناة الشعب السوري هي نتيجة للتدخلات وقرارات المجتمع الدولي، لو لم يتدخل المجتمع الدولي في قضيتنا السورية لأصبحت سورية دولة ديمقراطية وأصبحت منارة الشرق.

-ملف المعتقلين المدنيين والسياسيين لا يمكن أن يحلّ إلا برحيل النظام الحالي وكشف كل الحقائق، نحن لا ننسى أن لدينا مئات ألاف المعتقلين منذ الثمانينات إلى الآن ولم يتم الكشف عن مصيرهم وفيهم من تم التخلص منهم وقتلهم في السجون، والى الآن هناك مئات الآلاف من السوريين لا يدركون مصير أبنائهم وآبائهم وإخوتهم وأقربائهم.

-تسوية ملف المعتقلين يعني تصنيف هذا النظام بكامله كمجرم حرب عدو الانسانية، لأن التعذيب والبتر والقتل والإعدام الميداني في السجون ودون سبب جرائم لم يرتكبها أي نظام إلا الأسد، وأؤكد أن هناك من مات جوعا ولدينا كل الأدلة وشهود من السجون.. فأي نظام بهذا الكون يسمح لمواطن لديه بأن يموت جوعا في السجن؟ أي نظام؟.

 

س-هل ترى بوادر انفراج للأزمة السورية برغم كل الإحباطات والصراعات الداخلية والخارجية؟

ج- الانفراج في الأزمة قبل رحيل الأسد صعب جدا، إشكاليات في هذا”الصنم” الذي يجتمع حوله مجرمو العالم لكي يبقى على كرسيه.. سطوة المال والإجرام وتجارة المخدرات وسطوة العائلة والطائفية كلها تجسدت في هذا النظام. إن أي حل للقضية السورية لا يمكن أن يبدأ مادام الأسد على كرسيه.. هنا المشكلة الحقيقة .. متى سقط الأسد عن الكرسي يمكن أن يبدأ الحل في البلد وما دام موجودا فالحل صعب.

 

س- هل أصبح وجود روسيا “القوي” في سورية مربكاً؟ وما تعليقك بخصوص من يقول إن روسيا استغلت تركيا لتمكين دمشق من السيطرة على مناطق واسعة، كانت خارج سيطرة النظام.؟

ج-روسيا كغيرها تتعامل بلغة المصالح ولا تتعامل بطريقة حليف في ممارسة السياسة بالتزامن مع القوة العسكرية لفرض أمر واقع على الساحة السورية، مستغلة عدم مقدرة تركيا وعدم رغبتها حاليا في خوض حرب غير محسوبة النتائج قد تقود العالم كله إلى حرب وانهيار، استغلت روسيا هذا الأمر مع التخلي الأمريكي والأوروبي عن القضية السورية بالكامل، ولو كانت أمريكا وأوروبا تدخلتا فعلا لصالح الحرية والديمقراطية التي يدعونها والتي يسعى إليها الشعب السوري ووقفتا في صف الحرية لاختلف الوضع.. الكل يعلم أن نظام الأسد جزء من منظومة أمنية موجودة في كل العالم ومن أجل أن يتغير هذا النظام يجب أن تعاد هيكلة هذه المنظومة وبنائها من جديد.. حربنا في سورية هي حرب الجغرافيا وقدرنا في هذا الموقع الاستراتيجي الهام الذي يقع شرق المتوسط وشمال غرب الخليج العربي.. قدرنا أن نقع في هذه المنطقة المهمة في العالم.

 

س- يقول محللون إن تركيا تعدّ أكثر المستفيدين من التخبط والإرتباك الروسي في سورية.. وبعيداً عن سياسات المعارضة السورية يرى البعض أن تركيا لم تكن معنية بالثورة، ويهمها في المقام الأول تحقيق مصالحها ولهذا كانت من أقوى الدول في علاقتها مع النظام السوري قبل الثورة، وحتى في الأشهر الأولى لها، ولاحقاً دعمت بعض الاتجاهات داخل الثورة، وحينما تعارضت مصالحها مع تلك الاتجاهات ومع الثورة، فضلت أن تتحالف مع روسيا، ولو أدّى الأمر إلى تقسيم سورية، وليس فقط التضحية بالثورة.. ما تعليقك؟

ج-إن الدولة الوحيدة في العالم التي لها مصلحة في انتصار الثورة السورية هي تركيا لأنها الدولة الديمقراطية والبلد الذي يعيش حالة من الديمقراطية النادرة، أما بقية الأنظمة فهي ديكتاتورية، في بلدان الخليج العربي مثلا مصلحتهم في عدم وجود جارة ديمقراطية كسورية خوفا من امتداد الثورة إلى بلدانهم خاصة وأن عروشهم قد أصبحت مهتزة.

-ونعلم أن تركيا هي أكبر الخاسرين وأكبر المتضررين من الحرب، فما مصلحتها في أن يموت العشرات من جنودها في الشمال؟ ما مصلحة تركيا في أن تخوض حربا؟ بل مصلحتها في حماية حدودها وأمنها، تركيا ليست بمستوى روسيا أو أمريكا في احتلال البلدان ولا تستطيع أن تقف في وجه الدولتين، الإعلام يعطي صورة خاطئة عن الوجود التركي في سورية، فتركيا تعاني مما يحدث في سورية.