الناشطة الاجتماعية انتصار أبو لطيف: عسكرة الثورة دفعت سوريا إلى متاهات خطيرة.. والنظام صنع معارضة شكلية أهدافها سرقة قوت الشعب.. وسعي الإدارة الذاتية إلى بناء الدولة الكنفدرالية يهدف إلى تقسيم البلد

33

تشهد سورية منذ سنوات حركة احتجاج غير مسبوقة ضدّ النظام الذي يقوده الرئيس بشار الأسد، ومنذ ذلك الحين يتفاقم العنف في البلاد، ومع غياب أفق حلّ سياسي دخلت البلاد في نفق مظلم يصعب التكهن بتبعاته ونهاياته.
ويرى مراقبون أن آفاق الحلّ السياسي لا تزال بعيدة بسبب الاختلاف في الأولويات بين الحكومة السورية وفصائل المعارضة، برغم كثرة المؤتمرات الدولية التي ترعاها دول كثيرة.
وتتحدّث انتصار أبو لطيف الناشطة النسوية السورية والناشطة في مجال حقوق الإنسان في محافظة السويداء و مجال الأعمال الخيرية، في حوار مع المرصد السوري لحقوق الإنسان، عن أهمية الوصول إلى حلّ سياسي سلمي يتطلّب العديد من التفاهمات الاقليمية والدولية على أساس الحوار البنّاء بين مختلف الأطراف المتنازعة.

س- قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في آخر حواراته إن النزاع بين النظام والمعارضة قد انتهى، لافتا في الوقت نفسه إلى أن هناك نقطتين ساخنتين في سورية، وهما إدلب ومنطقة شرق الفرات.. هل انتهت فعلا المواجهة بين النظام والمعارضة؟

ج- لافروف يمثل دولة روسيا العظمى، وهي التي تلعب الدور الأكبر والأقوى في إدارة الأزمة السورية وربما في الحلول التي تتناسب وتتوافق مع مصالحها ومصالح حلفائها، والخلاف بين الشعب والنظام يتركز على بناء الدولة العلمانية والديمقراطية، دولة القانون والمواطنة، إضافة إلى سعي السوري إلى محاربة الفساد وسيادة القانون والتداول السلمي على السلطة للقضاء على كل أشكال التمييز والتنمر والعنصرية في العرق والدين بكافة تعدداته.
-نحن نطمح إلى بناء دولة المواطنة التي لاتميز بين مواطنيها على أي أسس، والمواجهة العسكرية أصبحت محصورة بهاتين النقطتين اللتين أشار إليهما، وأقصد إدلب ومنطقة شرق الفرات، غير أننا نعتقد أن هناك ملابسات عديدة حول هذا الموضوع، فالمواجهة منذ البداية كانت على أكثر من محور، والمحور العسكري أحد هذه المحاور، لذلك لا نعتقد أنها انتهت حقيقة طالما أنه لم يتم الاتفاق على الكثير من النقاط المختلف عليها .. وبعد عشر سنوات من الحرب أصبح الجميع على يقين بأن الحل السياسي هو الوحيد والأفضل وأن الحرب لم تجلب للبلد إلا الدمار.

س- ألا ترين أن تحول بعض أطراف المعارضة السياسية في سورية من مسار الحل السلمي إلى رفع السلاح قد أفقد المعارضة بمجملها أوراقا مهمة في مشروعها ؟

ج-في الحقيقة إن هذا التحول قد فرض بداية الأمر على المعارضة التي وجدت نفسها بعد فترة منغمسةً فيه وأصبح يشكل الوجه الأساسي للمواجهة مع النظام، وفعلا أفقد الحل العسكري المعارضة الكثير من داعميها، بعد أن انزاحت عن الطريق الصحيح والسلمي الذي طرحته بدايةً الأزمة، كما أفسح المجال لتدخّل الكثير من الأطراف واستغلال الأوضاع لمصالحها الخاصة وبث الخلاف السياسي والعسكري بين فصائل المعارضة ذاتها، وبكل تأكيد أعطى التحول إلى حمل السلاح الذريعة الأقوى للنظام ولتجار الحرب أيضا لإحكام القبضة الحديدية في مواجهة المحتجين والمتظاهرين السلميين.
-حمل السلاح أفقدنا الكثير من الأوراق المهمة، ولو حافظت فصائل المعارضة على سلمية الحركة لرأينا نتائج أفضل بكثير ميدانيا ولانتصرنا في الحرب، وقد انطلقت ثورتنا سلمية بأهداف محدّدة إلا أن جرّها من قبل بعض الأطراف نحو السلاح، أفقدها الكثير من الزخم وحاد بها عن أهدافها الحقيقية.

س- ما رأيك أستاذة انتصار بفكرة إنتاج معارضة بديلة عن تلك الموجودة اليوم مثل ما اقترح المبعوث الأمريكي بسورية جيفري منذ أسبوعين؟

ج- لا نرى مبررا ولا أريد أن أقول أسماءً وأُحدّد فصائل بالاسم، لكن نرى أن القوى الدولية والإقليمية متوعكة في سورية، في حين أن النظام صنع أو أوجد قوى معارضة شكلية، وأي طرف من القوى الدولية يسعى إلى إيجاد قوى تعارض شكليا، هو في الواقع يرمي إلى مصادرة آمال الشعب السوري الذي انتفض لبناء دولة المواطنة ومحاربة الفساد والاستبداد، ولكنني وبشكل شخصي ضدّ أي وجود أجنبي على أراضي وطني، وأعتقد أنني أتفق مع كل الشرفاء في سورية على هذا بدون تنازل عن أي شبر من وطننا.

س-تحدث رئيسة منصة موسكو جميل قدري مؤخرا عن تخوف “مسد” من الإنسحاب الأمريكي من شمال شرقي سورية.. برأيك لماذا هذا التخوف علما أن نداءات كثيرة هدفها تطهير البلد من أي تدخلات أجنبية أمريكية ؟

ج-هنالك شبه إجماع وتخوف إقليمي ودولي من أن أي تكتل كردي قد يُفضي مستقبلا إلى قيام دولة كردية في المنطقة، وبالتالي خروج القوات الأمريكية يضع “قسد” والأكراد بشكل عام في مواجهة الجميع، من هنا يأتي تخوف “قسد” من خروج أو مغادرة القوات الأمريكية الداعم الرئيسي لها.
سورية ستبقى موحدة أرضا وشعبا وهذا ما نسعى إليه كسوريين بغض النظر عن القومية والدين والفئات المختلفة من أي جهة كانت، لذلك يجب العمل على تحرير وطني أي ترك سورية للسوريين وطرد القوات الدولية الأجنبية التي لها وجود عسكري في بلادنا، وأنا لست مع اللجان ولا مشاركة بأي لجنة لكنني داعمة للمؤتمر من أجل سورية والسوريين.
-أما عن موقف “قسد” فهو متغيّر تتحكم فيه مجموعة عوامل منها الهيمنة الأمريكية، ومنها العلاقات مع الإئتلاف، لكنني أرى أن موقف قوات سورية الديمقراطية في بناء الدولة الكنفدرالية أو الاستقلال الذاتي في النهاية يهدف إلى تقسيم البلد، وأقول للإخوة الوطنيين الأكراد إن مشكلتهم القومية لا تحل إلا من خلال دولة المواطنة، وهم من النسيج الوطني الإجتماعي السوري، فلنقف يدا بيد نحن كسوريين على اختلاف قومياتنا وتعدد طوائفنا وعرقنا في محاربة الفساد والديكتاتورية وبناء دولة علمانية قوية بشعبها، بعيدا عن أي تدخلات دولية أو إقليمية.

س- يرى مراقبون أن الإنخراط في العملية السياسية يتطلّب العمل تحت مظلة أحد طرفي الصراع وقبل ذلك الحصول على قبول دولي وإقليمي .. هل تؤيدين هذا الرؤية؟

ج- لايجوز للسوريين أن يعملوا تحت مظلة أي طرف من الأطراف الدولية إنما العمل لابد أن يكون من أجل استعادة القرار والسيادة دون إملاءات خارجية وهذا لايعني أن يكون هناك تطابق لكن يجب التفاهم وتبادل الآراء وفتح سبل الحوار السلمي بين مختلف الأطراف الثورية، ونعتبر أن الدول الإقليمية والأخرى التي لها قواعد على الأرض السورية عسكريا تهدف إلى تحقيق مصالحها ضاربة عرض الحائط بمصالح الشعب السوري واستقراره السياسي والأمني والاقتصادي والاجتماعي، وهي تسعى إلى تقسيم قوى المعارضة وتفتيت جهد الشعب السوري لتحقيق أهدافها الخبيثة.

س-سيدة انتصار.. جهود تحقيق حل سلمي تبدو عسيرة أو تحتاج إلى مسار زمني طويل خاصة في ظل تعطل المفاوضات ووصولها أحيانا إلى طريق مسدودة.. ما هي أفق الحلّ السياسي في سورية وهل ترين أملا للخروج من عنق الزجاجة؟

ج-أدعم دائما الحلّ السلمي، حتى لو كان الأمر صعبا أو طويل الأمد، والخروج من عنق الزجاجة هو حتمي ومؤكد إلا أنني لا أستطيع التحديد حاليا كيف ومتى وإلى أي زمن، لكن سننتصر يوما ما ونعيد لحمة شعبنا في دولة ديمقراطية مستقلة.