انتصار إيران في سوريا المهزومة

31

قبل أن يتوجه الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي لدمشق بـ 24 ساعة، كانت طائرات الاحتلال الإسرائيلي تشن غارات عنيفة على مطار حلب الدولي ومحيطه وعلى مخازن أسلحة إيرانية، والغارات الإسرائيلية التي أصبحت اعتيادية، تستهدف كل مرة مواقع ميليشيا إيران الناشطة في مواقع النظام السوري العسكرية والأمنية، في توقيت الزيارة وعنوانها المرفوع على مواقع إيرانية حملت شعار”الرئيس الإيراني يشارك في حفل انتصار المقاومة في سوريا”

حصر المواقع المستهدفة

وإذا تم حصر المواقع الإيرانية المستهدفة من الاحتلال الإسرائيلي وإحصاء الخسائر البشرية والمادية لطهران، نجد أن الرقم تجاوز الألف غارة منذ ثمانية أعوام، وأن الخسائر البشرية طالت كوادر مهمة من عسكريين ومستشارين يقدمون الدعم والإسناد لقوات النظام السوري في قمع وقتل السوريين، وغارات الاحتلال الاسرائيلي وصلت لكل نقطة تتمركز فيها ميليشيا طهران على الجغرافيا السورية مع مواقع النظام .
العنوان الفضفاض ” للانتصار” الإيراني وإلباسه رداء المقاومة المهترئ بثقوب عرت كل شيء وأظهرت حقيقة المشروع الإيراني المنتصر حقيقةً على الشارع السوري، وهو المقصود بالإسناد والدعم الذي قدمته طهران للنظام السوري بثبيت دعائمه الأمنية والعسكرية الباطشة في المجتمع السوري المُخترق بقوافل التشيع المذهبي والطائفي والتغيير الديموغرافي الذي طال مناطق عدة في سوريا، وأتاح لطهران مقايضة النظام بفاتورة تمويل قمعه للسوريين بإبرام عقود استحواذها على مقدرات اقتصادية بالغة الأهمية، يدفع السوريون ثمنها لمن ساهم بقتلهم وتشريدهم وإفقارهم، وعلى غرار الفاتورة الروسية التي جباها بوتين من النظام السوري في صكوك وعقود السيطرة على مفاصل أساسية من الاقتصاد السوري، وشكلت فجوات هائلة بالمجتمع السوري وانعدام الأمن الغذائي والدوائي والمائي حسب وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث، أن أعداد السوريين الذين يعيشون تحت خط الفقر بأكثر من 90 في المئة من إجمالي عدد سكان البلاد، وأشار إلى أن كثيرا منهم يضطر إلى اتخاذ خيارات صعبة للغاية لتغطية نفقاتهم.

نزيف الخسائر

مفهوم الانتصار الإيراني، والاحتفاء به من داخل دمشق، هو بحجم المكاسب الذي حققتها طهران باستمرار سلامة نظام بشار الأسد، وربطاً بالشعار المرفوع عن المقاومة ومكاسبها من هذا الانتصار بجوانبه العسكرية والاقتصادية والسياسية، نجد أن نزيف الخسائر والهزائم طالت كل شرائح المجتمع السوري المعني بهذا النصر، تشير إلى أن المعركة أو المواجهة التي تخوضها طهران في سوريا بغرض تحقيق الانتصار، هي مراكمة الإنجازات التي تمكنها من تنفيذ مشروعها بالسيطرة، كما اعتاد مسؤولوها على تذكير الإنسان العربي بسيطرة طهران على أربع عواصم عربية، واليوم يسمع السوري من الرئيس الإيراني العبارة نفسها في دمشق عن انتصار المقاومة المتمثلة في نظام الأسد، وعن فضائل المجرم قاسم سليماني الذي أبدع في طرق قتل السوريين.
نظام يتلقى الغارة تلو الغارة من المحتل الإسرائيلي المستمر باحتلال الجولان، ويهنئ بهدوء جبهته منذ خمسة عقود بفضل وجود النظام “المقاوم” على هرم السلطة في دمشق ولا مشكلة أصلاً لدى المؤسسة الصهيونية أن يسمي النظام نفسه بأي أسماء تفخمه أو تعملقه طالما يحصل منه على الهدوء المطلوب.

التمدد الإيراني

وبالعودة ، للانتصار الإيراني في سوريا، وتحقيق النظام مكاسب هزيمة الثورة السورية الذي يحتفي الإيراني بتحقيقها بمشاركة النظام، نجد أن المحتل الإسرائيلي كما عبر أكثر من مرة في السنوات الـ12 الماضية أن لا مشكلة له مع نظام بشار الأسد، بقدر مخاوفه من التمدد الإيراني في سوريا والذي يعتمل معه وفق الرواية الإسرائيلية بكثير من الدقة والمراقبة والاستهداف والتدمير، أي أن الانتصار تحت السيطرة الإسرائيلية “مفيد” بنتائجه الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والأمنية للاحتلال، وفي البحث عن الفوائد التي خلفها النظام السوري للاحتلال الإسرائيلي، من بطش وتدمير للمجتمع السوري، نجد أيضا مئات من المفارقات المؤسية والمؤلمة والمخزية في معظم المجالات، أصغرها عدم قدرة الاحتلال الإسرائيلي على إحداث هذا التحطيم الواسع الذي طال سوريا بفضل وحشية النظام التي أتاحت ساتراً ضخماً يتلطى خلفه عتاة الصهيونية في تل أبيب، وعبد لهم طرق التطبيع العربي معها ومع النظام في الوقت عينه.

الأنظمة العربية

أخيراً، الانتصار الإيراني في سوريا المهزوم شعبها بالقمع وبإجهاض حريته وقتل إنسانيته ومواطنته، ورسالة مهمة للأنظمة العربية التي تذرعت بقطيعتها اللفظية للأسد لعلاقته مع المشروع الإيراني، أن ثبيت الديكتاتور السوري على دماء الشعب السوري، يترك أثراً واضحاً أن النصر في سوريا المهزومة اليوم هو لمشاريع الاحتلال الإيراني والروسي والإسرائيلي، و من يمتلك دلائل نصر اجتماعي واقتصادي وسياسي وأمني وعسكري، فليرشدنا إليها بعيداً عن يافطة إيران والنفخ بعضلات الأسد على جثث وحطام السوريين وربطها مع فلسطين أو الحفاظ على عروبة سوريا ووحدتها وأمنها.

نزار السهلي

——————————————————————————-
المصدر: القدس العربي

الآراء المنشورة في هذه المادة تعبر عن راي صاحبها ، و لاتعبر بالضرورة عن رأي المرصد.