بعد أربع سنوات على تحريرها من قبضة تنظيم “الدولة الإسلامية”.. كنائس الرقة دون أجراس أو صلوات

32

اضطرت الكثير من العائلات من أتباع الديانة المسيحية في الرقة للهجرة من المدينة، بعد التضييق عليها لحد كبير ومنعها من ممارسة الطقوس والشعائر الدينية إبان سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية” على كامل المدينة، حيث قام التنظيم باستخدام الكنائس وهدم صلبانها، فضلاً عن حملات الاعتقال التي طالت العديد من أتباع الديانة المسيحية وفرض التقيد بتعاليم الدين الإسلامي، وتعيش حالياً نحو 30 عائلة مسيحية في المدينة، دون حصولها على حقها في ممارسة شعائر دينها منذ نحو تسع سنوات.
وفي حديثه لـ”المرصد السوري” يقول (ب.س) البالغ من العمر 55 عاماً وهو أحد أبناء الطائفة الأرمنية في مدينة الرقة، أنه أجبر على اعتناق الدين الإسلامي والخضوع لدورات شرعية أثناء سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية”.
مضيفاً، أنه اضطر للتماشي مع ذهنية التنظيم والخضوع لقوانينه من أجل الحفاظ على سلامته وسلامة عائلته، حيث عمد تنظيم “الدولة الإسلامية” إلى مصادرة العديد من المنازل والمحلات التجارية التي تعود ملكيتها لأقاربه بعد أن تم اعتقاله مع بعض أقاربه من قبل عناصر التنظيم، بتهمة إقامة شعائر “نصرانية” مخالفة لقوانين تنظيم “الدولة الإسلامية”.
ويصنف المسيحيون في مدينة الرقة إلى مجموعتين، الأولى تضم المسيحيين الذين سكنوا المدينة منذ القدم، أما الثانية فتتكون من المسيحيين الأرمن الذين هربوا من تركيا إلى سوريا بعد المجازر التي ارتكبت بحقهم إبان الحرب العالمية الأولى، وينقسم المسيحيون في مدينة الرقة إلى ثلاث طوائف رئيسية وهي”الروم الكاثوليك” ولديهم كنيسة البشارة المدمرة حالياً، ثم طائفة “الأرمن الكاثوليك” ولديهم كنيسة تسمى “كنيسة الشهداء” التي تم افتتاحها في شهر تشرين الثاني/نوفمبر من العام الفائت 2021، أما الطائفة الثالثة فهي “الأرمن الأرثوذكس” ولديهم كنيسة تقع داخل مدرسة مدمرة حالياً.
وقد تعرض المسيحيون في مدينة الرقة للتعنيف والتمييز العنصري من قبل عناصر تنظيم “الدولة الإسلامية”، إبان السيطرة عليها بحسب ما أكده نشطاء المرصد السوري، كما وأجبروا على دفع “الجزية” وتم تحويل كنائسهم لمقرات عسكرية، حيث تم تحويل كنيسة “سيدة البشارة” لمركز دعوي” أما “مدرسة الحرية” فتحولت لـ”ديوان الزكاة” ثم للشكاوي أثناء إنهاء سيطرة قوات النظام على المدينة ووقوعها تحت سيطرة  فصائل المعارضة المسلحة والجماعات الجهادية ثم تحت سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية”.
وتراجعت أعداد العائلات المسيحية في مدينة الرقة في الفترة الواقعة ما بين عامي 2013 و2017 لتصبح 200 عائلة فقط من أصل أربع آلاف عائلة، وبقيت بعض العائلات ضمن المدينة بعد دفع الجزية، أما البقية فقد هاجرت لمناطق مختلفة مثل تركيا ومناطق متفرقة من سوريا، وبعد إنهاء سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية” على المدينة على يد “قوات سوريا الديمقراطية وبدعم من “التحالف الدولي” في العام 2017، كانت قد دمرت جميع الكنائس في المدينة بسبب العمليات العسكرية، فقامت منظمة “رانجر فري بورما” الأمريكية وبالتعاون مع “مجلس الرقة المدني” بإعادة ترميم وافتتاح كنيسة الشهداء في العام الفائت 2021.
بدورها تروي (ن.خ) لـ”المرصد السوري” وهي معلمة تبلغ من العمر 65 عاماً وتتبع الديانة المسيحية معاناتها وهي أم لثلاثة أبناء وجدة لتسعة أحفاد قائلة، أنها نزحت من المدينة برفقة أبنائها وأحفادها إبان سيطرة”تنظيم الدولة الإسلامية” بعد أن فرض عليها خياري دفع “الجزية” أو اعتناق الدين الإسلامي، إضافة لمصادرة ممتلكاتها.
وتضيف أنها توجهت لمدينة دمشق حيث يقيم بعض أقاربها وبعد إنتهاء سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية” على المدينة عاد زوجها وأحد أبنائها، وتفاجأت بتغيير كل شيء في المنزل المدمر على يد عناصر التنظيم بعد مغادرتها برفقة عائلتها إلى مدينة دمشق، كما وتؤكد أن عائلتها لم تتلقى أي نوع من أنواع المساعدات من أي جهة رغم أن معاناة أبناء الديانة المسيحية في مدينة الرقة كانت وجبة إعلامية دسمة للإعلام المحلي، وتمت دعوتها مع عائلتها منذ شهرين لحضور افتتاح “كنيسة الشهداء” إلا أنه إلى الآن لم تقام الصلوات فيها.
وبحسب “مصادر خاصة” لـ”المرصد السوري” فإنه لم تتم إقامة الصلوات في كنيسة”الشهداء” ولم يتم اعتماد”قسيس” لإقامتها كما في سابق عهدها، ويعود سبب ذلك بحسب بعض العائلات المسيحية التي التقى بها نشطاء “المرصد السوري” لمرجعية المسيحيين في المدينة لمطرانية حلب وأنطاكية ولا يستطيع القس السفر لمناطق سيطرة”قوات سوريا الديمقراطية” وهناك سبب آخر يعود لهجرة غالبية العائلات المسيحية لتركيا ودول الإتحاد الأوروبي وبعض المناطق في الداخل السوري، لتبقى كنيسة”الشهداء” إلى الآن دون صلوات أو أجراس.
وعرفت مدينة الرقة منذ بدايات القرن العشرين بتنوع طابعها العشائري، وبالعودة للمسيحيين في مدينة الرقة فقد بدأ تواجدهم فيها منذ هجرة الأرمن إبان الحرب العالمية الأولى ووصلت أعدادهم لنحو أكثر من أربع آلاف عائلة موزعة على مدينة الرقة وكل من مدينتي تل أبيض والطبقة.