“حزب الله” اللبناني رأس حربة التغيير الديمغرافي في حمص

66

شهدت محافظة حمص تغييرا في الديمغرافية السكانية في القرى والبلدات، تزامنا مع اندلاع أحداث الثورة السورية مطلع العام 2011، إذ تسببت الحرب بتهجير سكان العديد من أهالي القرى والبلدات التي ساندت طرفي الصراع لدوافع مناطقية من جهة وطائفية من جهة أخرى.
بدأت معالم ترسيم المناطق الساخنة بفرض خطوطها العريضة، مع بدء تحول الثورة السورية من المرحلة السلمية إلى المسلحة الفصائلية بهدف إسقاط النظام السوري  قبل أن تتدخل الميليشيات الأجنبية من جهة والجهادية “الإسلامية” من جهة أخرى، والتي ساهمت بزيادة الشرخ بين أبناء المجتمع السوري المنقسم أصلاً ما بين مؤيد ومعارض لنظام الحكم.

التهجير الممنهج بدأت معالمه في ريف مدينة حمص الجنوبي
شهدت منطقة القصير جنوب محافظة حمص أولى عمليات التهجير القسري لأبناء المناطق والقرى التي سيطرت عليها ميليشيا “حزب الله” اللبناني التي قاتلت بشراسة ضدّ فصائل المعارضة خلال شهر مايو/أيار من العام 2013 الماضي متمثلة بـ “كتائب الفاروق” والتي انتهت بهزيمة الأخير ليفرض الحزب سياسته الممنهجة على المنطقة برمتها بالتزامن مع موجة النزوح التي حلّت بآلاف المدنيين الهاربين من آلة القتل والاعتقال التعسفي.
عمر عبد الحق -اسم مستعار- لأحد المهجرين من قرية “البجاجية” بريف مدينة القصير الغربي قال: إن مدينة القصير حولتها ميليشيا “حزب الله” اللبناني لأشبه ما تكون بالثكنات العسكرية والمقرات الأمنية التي انتشرت بالحي الشرقي، بالتزامن مع رفض منح الأهالي الراغبين بالعودة لمنازلهم “إذن العودة” كنوع من العقاب على مواقفهم المناوئة للنظام وتأييدهم للثورة السورية.
وأشار “عبد الحق” أن عملية التهجير المدروسة من قبل حزب الله بحق الأهالي بدأت ملامحها بالظهور بعد فترة وجيزة من سيطرته بدءً على القرى ذات الخليط الشيعي-السني كما هو الحال بالنسبة لـ (الصفصافية التي لا يتعدى عدد قاطنيها 1000 شخص من سنة وشيعة– وقرية حاويك التي تبعد عن الحدود اللبنانية مسافة 5 كيلومتر ويقطن ضمنها نحو 2000 نسمة، وبساتين تل أحمر ودوسر وبلدة أبلوزة ) وجميع تلك القرى نجح الحزب بتهجير “السنةّ” من أبناءها ليضمن ذلك ولاء من سُمح له بالبقاء ضمن معقله الأكبر في سوريا.
ولفت إلى أن حزب الله بات يسيطر على عشرات القرى ذات المكون “السني” بريف القصير المتمثلة بـ السوادية المتاخمة لقرية زيتا إحدى أكبر معاقل مقاتلي اللجان الشعبية الذين تمّ تسليحهم من قبل الحزب، وقرية السماقيات التي رفض قاطنيها وصاية حزب الله عليهم مع بداية المعارك في مدينة القصير، وكذلك قرى أكوام التي يقدر عدد ساكنيها بـ 1000 نسمة، والسكمانية ذات الطابع العشائري من قبيلة الفواعرة والذين لجأ معظمهم إلى منطقة وادي خالد على الحدود اللبنانية نظراً للقرابة التي تجمع فيما بينهم.
من جهته أكّد أبو عمر أحد النازحين إلى بلدة عرسال اللبنانية بإحداث ميليشيا حزب الله اللبناني تغييراً ديمغرافياً داخل مدينة القصير، وذلك بعدما أقدمت على توطين عشرات العائلات من مهجري قريتي (الفوعة – كفريا) الذين تم تهجيرهم من ريف محافظة إدلب نحو مناطق سيطرة النظام بموجب اتفاق المدن الأربعة الذي جرى برعاية عربية وإقليمية.
موضّحاً أن الجمعيات الخيرية الموالية لحزب الله اللبناني أقدمت على ترميم وتجهيز منازل أهالي القصير المهجرين “أصلاً” بما يلزم لتحصين القاعدة الشعبية وضمان عدم عودة مالكي المنازل الأصليين خلال فترة ليست بالقريبة بحسب تعبيره.
ومع نجاح الحزب بتجارة وزراعة الحشيش في المنطقة مستغلاً خصوبة أراضيها، بات من الصعب بمكان عودة المهجرين لتلك القرى التي باتت مصدر ربح مالي وفير لحزب الله بعيداً عن أي تواجد عسكري وأمني لقوات النظام.
وعلى الرغم من التعتيم الكبير الذي يحاول حزب الله تطبيقه على ما يدور من أحداث أمنية داخل مدينة القصير إلا أن مصادر محلية أكّدت استمرار الحزب بفرض سياسة منع المهجرين من العودة لمنازلهم على العكس تماماً مع ما يتم ترويجه بين الحين والأخر على وسائل الإعلام الموالية للنظام، مع حرصه على عدم الاقتراب من السكان المسيحيين المقيمين في بلدتي “ربلة والدمينة”.
القرى التي يسكنها أبناء الطائفة العلوية نالت نصيبها أيضاً من التهجير على أيدي فصائل المعارضة شمال حمص، وتمكنت فصائل المعارضة المسلحة متمثلة بكل من (لواء الإيمان بالله – لواء تلبيسة – كتيبة سيف الإسلام خطاب) من السيطرة على قرية العامرية شمال شرق محافظة حمص عقب معارك استمرت لمدة ثلاثة أيام مع قوات النظام مطّلع العام 2013 الماضي، الأمر الذي أجبر سكانها على النزوح نحو قرى وبلدات مجاورة لضمان عدم تعرّضهم للقتل والخطف على أيدي الفصائل الجهادية.
وعقب فرض الفصائل المشاركة بعملية السيطرة على قرية العامرية بدأت عناصرها بعملية نهب وسرقة ممتلكات المدنيين تحت ذريعة أنها “غنائم حرب” قبل أن تبدأ طائرات النظام بقصف القرية بشكل هستيري لمنع تمركز مقاتلي المعارضة داخلها لضمان عدم تقدمهم نحو القرى المتاخمة لكتيبة الهندسة المتواجدة على أطراف مدينة المشرفة، ما أدى بدوره لتدمير البنية التحتية بشكل شبه كامل.
وليس بعيداً عن قرى ريف حمص الشمالي التي أجبر سكانها من الطائفة العلوية على النزوح، شهدت بلدة “الزارة” موجة من النزوح الجماعي بعدما تمكنت فصائل “جهادية” ضمن ما يسمى “غرفة عمليات ريف حمص الشمالي” والمتمثلة بـ حركة أحرار الشام ولواء 313  وأجناد حمص وفيلق حمص وأهل السنة والجماعة من دخولها وارتكاب مجزرة مروعة بحق عدد من النساء والأطفال صبيحة يوم الثاني عشر من مايو 2016 الأمر الذي أكّد اتساع الهوة الطائفية بين المتصارعين على بسط النفوذ من كلى الجانبين.

المسيحيون أيضاً كانوا من المتضررين بفعل الاقتتال بريف حمص الشمالي
تسبب الموقع الاستراتيجي لقرية “أم شرشوح” التي يقطنها نحو 3000 شخص من الطائفة المسيحية بتحولها لأرض معركة بين فصائل المعارضة وقوات النظام على الرغم مما كان يوفره سكانها لأهالي وقرى البلدات المحاصرين بريف حمص الشمالي من مواد غذائية وأدوية وحليب الأطفال.
تقع قرية أم شرشوح على بعد مسافة تقدر بنحو 3كيلومتر غرب أوتوستراد حمص-حماة وهي المنطقة الفاصلة ما بين قرية جبورين إحدى أبرز المناطق التي ساندت قوات النظام والتي شكّلت الخزان البشري لرفد التشكيلات العسكرية بما يلزم لإخماد المناطق الثائرة على غرار مدن تلبيسة والرستن.
وتحولت قرية أم شرشوح منتصف العام 2013 لساحة حرب بين مقاتلي المعارضة من جهة، وقوات النظام والميليشيات الداعمة له من جهة أخرى، مما أجبر أهالي القرية “المسيحيون” على مغادرتها نحو مناطق متفرقة من حمص وباقي المحافظات السورية، فضلاً عن توجّه شريحة واسعة منهم لمغادرة البلاد.
ومع دخول ريف حمص أخر معاقل المعارضة المسلحة بعملية تسوية سياسية مع قوات النظام منتصف العام 2018 الماضي بضمانة حليفه الروسي، أطلق مجموعة من رجال الأعمال المغتربين من أبناء القرية مشروع إعادة ترميم للمنازل المدمرة، بالتزامن مع البدء بترميم قسم من “كنيسة القرية” والتي أقيم بها عدّة صلوات بحضور أعداد خجولة من أهالي القرية رغم دمارها الشاهد على ما تعرضت له القرية من قصف ممنهج، بالوقت الذي بدء الأهالي بالتردد على منازلهم لإصلاح ما يمكن.
وعلى الرغم من المحاولات الخجولة من قبل أهالي القرية بالعمل على ترميم ما يلزم إلا أن غياب الجمعيات المساهمة بعملية إعادة الإعمار، ومشاريع الهلال الأحمر الذي ساعد معظم أهالي المنازل المتضررة في ريف حمص الشمالي عن تقديم خدماتهم للقرية تسبب ببقاء منازلها مدمرة لغاية الأن.

التركمان يتهمون النظام وميليشياته بالتطهير العرقي
اتهم المحامي (بـ.ح) خلال حديثه للمرصد السوري لحقوق الإنسان، قوات النظام وميليشياته باتباع أسلوب التطهير العرقي بحق أبناء “تركمان سوريا” الذين يقطنون ضمن قرى ريف حمص الشمالي والغربي في كل من (تسنين -السمعليل – المشروع – حرب نفسة -طلف -أكراد الداسنية – الحيصة – وبرج قاعي) لافتاً إلى تعرض أبناء تلك القرى والبلدات للتهجير الممنهج والمدروس مع إتاحة الفرصة بدخول عائلات من طوائف أخرى للاستيلاء على ممتلكاتهم دون أي وجه حق.
وأضاف (بـ.ح) أن تركمان سوريا يعتبرون الخاسر الأكبر ضمن معادلة التغيير الديمغرافي الذي طال معظم المناطق التي ثارت على النظام الحاكم، وذلك لسببين رئيسيين، الأول هو القلة العددية للمكون التركماني ضمن الريف الحمصي بشكل عام، والثاني غياب الدعم والحاضن لوجودهم وسط سوريا، لا سيما أن معظم قراهم تتاخم قرى الطائفة العلوية التي اتخذت موقفاً مغايراً تماما لموقف التركمان من الثورة السورية.
وشهدت بلدة “برج قاعي” مجزرة مروعة بحق النساء والأطفال في شهر حزيران من العام 2016 الماضي على يد عناصر قوات النظام وطائراته الحربية كان بمثابة أولى موجات النزوح والتهجير القسري لأبنائها الذين لجأ البعض منهم إلى قرى وبلدات ريف حمص الشمالي هرباً من عمليات التصفية الجسدية، بينما قرر بعضهم المغادرة نحو مناطق شمال سوريا.

استقبلوا اللاجئين فوقعوا بين سندان حزب الله وقوات النظام وميليشياته
وقف أهالي تجمع قرى منطقة قطينة بريف حمص الجنوبي الغربي مع المدنيين الذين أجبرتهم آلة الحرب على مغادرة منازلهم من قرى القصير التي باتت معقل رئيسياً لميليشيات حزب الله اللبناني بعد ما يقارب تسع سنوات من سيطرتهم على المنطقة.
مصادر خاصة أكدت من إحدى القرى المهجرة للمرصد السوري بأن قرى وبلدات آبل والمباركية وبويضة الشرقية وضاحية الأندلس كان لهم الباع الأكبر بتوفير وتأمين المنازل للمهجرين من قرى شرق مدينة القصير، على العكس تماما مما عاناه أهالي المسعودية والدمينة الغربية والسلومية وقرية الشومرية من تضييق على المستوى الأمني نظراً لقربها من القرى الشيعية التي ساندت ميليشيا الحزب، والتي سعت لتوفير حزام أمني للقرى المتاخمة لمناطق سيطرتها، إذّ تعمّد مقاتلي الحزب على استهداف تلك القرى بنيران مدفعيته المتمركزة ضمن قرى الضبعة وكفر موسى والمسعودية ورحبة قطينة، التي تشكل الحزام الأمني لمطار الضبعة العسكري، وسجلت قرى عش الورور وكمام أولى حلقات النزوح الجماعي في ريف قطينة الغربي الجنوبي مطلع العام 2014 الماضي.
لم يكن القصف هو الوحيد الذي دفع بأهالي القرى الجنوبية من منطقة قطينة للخروج منها، بل كان لميليشيات الدفاع الوطني دورها البارز بحصار المنطقة من الجهة الشمالية، وذلك من خلال قطع أوصال الطرقات المؤدية للمنطقة نظراً لإحكام سيطرتهم على خط الامداد المقدر بعمق 50 كيلومتر بدءً من بلدة النقيرة مروراً بكفرعايا ووصولاً إلى مساكن الادخار وحي بابا عمرو الذي سبق أن سيطرت عليه قوات النظام، ناهيك عن انتشار الحواجز الأمنية على طول أوتوستراد تحويلة حمص-دمشق لضمان عدم تعرض مصفاة حمص المتاخمة للأوتوستراد لأي هجوم محتمل.
وبهذه الخطوة فرضت قوات النظام من جهة وعناصر ميليشيا حزب الله اللبناني من جهة أخرى سياسة (الكماشة) التي وضعت أهالي القرى الأصليين مع المهجرين من باقي قرى وبلدات القصير ما بين مطرقة الحزب من جهة وسندان قوات النظام وميليشياته من جهة أخرى.
وعلى الرغم من انقضاء نحو عقد من الزمن على اندلاع الحرب في سوريا وإزالة العديد من الحواجز الاسمنتية والعسكرية بالإضافة للسواتر الترابية من محيط المنطقة، إلا أن المزيج الجديد لسكان قرى منطقة قطينة ما يزال يراوح في نفس المكان مع الإشارة لتمكن بعض العائلات من الخروج من المنطقة بشكل فردي.