“دويلة” الهول في 2020: 33 جريمة قتل وإخراج 1300 عائلة سورية.. وسوء الأحوال الصحية والمعيشية تودي بحياة 209 أشخاص نحو نصفهم من الأطفال

81

تعد الأحداث المتوالية ضمن مخيم الهول الواقع أقصى جنوب شرقي الحسكة، إرثا شاهدا على الفوضى التي أطلقها تنظيم “الدولة الإسلامية” في سورية، حيث بات مخيم الهول للاجئين والنازحين أشبه بـ”دويلة” لعناصر وعائلات التنظيم، وهي أزمة تسعى معظم دول العالم إلى تجاهلها والتغاضي عنها تجنبا لاستعادة مواطنيها الذين انضموا إلى عناصر التنظيم. وتنتشر الفوضى والانفلات الأمني بصورة كبيرة داخل المخيم الذي يعد بمثابة قنبلة موقوتة، المرصد السوري لحقوق الإنسان بدوره واكب التطورات ضمن المخيم خلال العام 2020.

الموت القادم من الصحراء يحصد أرواح 209 أشخاص نحو نصفهم من الأطفال

لا يزال الموت يحصد أرواح المزيد من الأشخاص ضمن “دويلة” الهول الواقعة شمال شرق محافظة الحسكة، في ظل الأوضاع الكارثية التي تلقي بظلالها على الجانب الطبي ضمن مخيم الهول، وتقاعس جميع الجهات الدولية عن تقديم الدعم لإيجاد حل للكارثة الإنسانية في مخيم “الموت”، حيث وثق المرصد السوري لحقوق الإنسان مفارقة 209 شخص للحياة منذ مطلع العام 2020 الجاري بينهم 95 طفل دون سن الـ 18، وذلك نتيجة سوء الأحوال الصحية والمعيشية، ونقص الأدوية والأغذية، والنقص الحاد في الرعاية الطبية، بفعل تقاعس المنظمات الدولية.

وبذلك فإنه يرتفع إلى 694 على الأقل عدد الذين فارقوا الحياة في مخيم الهول منذ مطلع يناير من العام الفائت 2019 وحتى الآن، من ضمنهم 521 الأطفال دون سن الـ 18، في استمرار لسلسلة الموت في المخيم الذي يعاني من أوضاع إنسانية صعبة، بعد أن تحول لدويلة صغيرة تضم في غالبيتها أطفال ونساء عناصر تنظيم “الدولة الإسلامية”، حيث أن الأطفال الذين فارقوا الحياة هم من جنسيات دول بريطانيا وبرتغال وروسيا وتركيا وأذربيجان وأوكرانيا وبلجيكا والصين والشيشان وتركستان والمغرب وتونس وجزر المالديف وأندونيسيا والصومال والهند وجنسيات أخرى من آسيا وأوربا وافريقيا.

فلتان أمني كبير يفضي إلى مقتل نحو 35 شخص على مدار العام

لم يحمل العام 2020 أي جديد على الصعيد الأمني ضمن مخيم الهول جنوب شرق الحسكة، حيث تواصلت الفوضى المصحوبة بفلتان أمني كبير، وسط تصاعد واستمرار عمليات القتل على أيدي أذرع تنظيم “الدولة الإسلامية” وتجاهل دولي للمتواجدين ضمن المخيم من مختلف جنسيات العالم، وقد رصد المرصد السوري خلال العام 2020، 33 عملية اغتيال ضمن المخيم بأساليب وطرق مختلفة، وهم: 21 لاجئًا عراقيًا غالبيتهم من المتعاونين مع قوى الأمن الداخلي “الأسايش”، و6 نساء هن “امرأة من حملة الجنسية الروسية، و2 من حملة الجنسية العراقية، و3 من الجنسية السورية”، و6 رجال من الجنسية السورية بينهم حارس منظمة إغاثية تعمل ضمن “مخيم الهول”.

إخراج 1300 عائلة سورية.. وتسليم نساء وأطفال من جنسيات غير سورية لممثلين عن دولهم

عمدت الإدارة الذاتية لمناطق شمال وشرق سوريا خلال العام 2020، إلى تسليم “125” طفلاً و “4” نساء من جنسيات غير سورية لممثلين عن دولهم، ووفقاً لإحصائيات ومعلومات المرصد السوري، فإن جميع الأطفال والنساء من عوائل تنظيم”الدولة الإسلامية” القابعين ضمن “دويلة الهول” الواقعة أقصى جنوبي شرقي الحسكة، آبائهم وأزواجهم كانوا مقاتلين في صفوف التنظيم، إما قتلوا في معارك سابقة، أو فُقدوا.
كما عمدت الإدارة الذاتية وبالتنسيق ما بين مجلس سوريا الديمقراطي ووجهاء وشيوخ العشائر في الجزيرة السورية إلى إخلاء نحو 1300 عائلة من المتواجدين ضمن المخيم خلال العام 2020، يقدر عددهم بأكثر من 5000 شخص، وهم من عوائل التنظيم الذين لم تتلطخ أيديهم في الدماء، غالبيتهم من أبناء محافظات الرقة ودير الزور، بالإضافة إلى التجهيز لإخراج دفعات جديدة من بينهم عوائل من أبناء محافظة حلب.
ويضم مخيم الهول ما لا يقل عن 62498 شخص، هم: 8286 عائلة عراقية تشمل 30694 شخصا من الجنسية العراقية، و6270 عائلة سورية تشمل 22626 شخصا من الجنسية السورية، فيما البقية –أي 9178 شخص- من جنسيات أوربية وآسيوية وأفريقية وغيرها ضمن 2677 عائلة.
ووفقاً لمصادر المرصد السوري، فإن إدارة المخيم تستعد لإخراج جميع السوريين على دفعات خلال الأيام والأسابيع القليلة المقبلة، إلا أن نحو 16 ألف منهم من مناطق النظام السوري، وهو ما يشكل عائق كبير لإخراجهم، حيث يتم التفاوض مع الأمم المتحدة لتأمين ضمانات لهؤلاء كي لا يتم التعرض لهم وملاحقتهم من قبل أجهزة النظام الأمنية، ولاسيما بأن غالبيتهم الساحقة من عوائل عناصر تنظيم “الدولة الإسلامية”
كما أن عدد كبير من الذين خرجوا مؤخراً من “دويلة الهول” إلى مناطقهم، توجهوا إلى مخيمات ضمن مناطق قسد في الحسكة، لأسباب عديدة، أبرزها عامل الخوف لديهم من انتقام أهالي المناطق منهم بسبب أنهم من عوائل عناصر تنظيم “الدولة الإسلامية”، بالإضافة لأن الكثير منهم تدمرت منازلهم بفعل العمليات العسكرية السابقة.
وفي سياق متصل، تعمل إدارة المخيم على إخراج عوائل عناصر من التنظيم من الجنسية العراقية، عبر تفاوض مع الحكومة العراقية، وسط مخاوف من العراقيين المتواجدين في المخيم من ملاحقة الحشد الشعبي والانتقام منهم، وخاصة أن البعض منهم لايزالوا يحملون فكر تنظيم “الدولة الإسلامية”.

محاولات هروب مستمرة وسط تورط لبعض حراس ومسؤولي المخيم

وثّق المرصد السوري لحقوق الإنسان، منذُ مطلع العام 2020 نحو 30 عملية ومحاولة هروب لعوائل عناصر تنظيم “الدولة الإسلامية” من جنسيات سورية وغير سورية برفقة أطفالهم، تلك الحالات معظمهم باءت بالفشل، وفي غالبيتها كانت تجري بالتنسيق ما بين العوائل وحراس وعاملين ضمن المخيم، بينما تمكنت بعض العائلات الأُخرى من الهرب بعد دفعهم مبالغ مالية “رشاوى” لمسؤولين وحراس ضمن المخيم.

المرصد السوري وثق جميع تلك المحاولات بكافة تفاصيلها وفيما يلي يشير المرصد إلى بعض تلك الحالات، ففي الـ 31 من يناير/كانون الثاني، أحبطت “قوى الأمن الداخلي” عملية تهريب نساء من عوائل عناصر تنظيم “الدولة الإسلامية” المتواجدات ضمن مخيم “الهول” أقصى جنوب شرق الحسكة، ووفقاً لمصادر “المرصد السوري” فإن النساء اللواتي حاولن الهروب من جنسيات “تركية وداغستانية وجورجية وشيشانية” وبلغ عددهن 6 برفقة 9 من أطفالهم، حيث تمكنت “قوى الأمن الداخلي” من إصابة أحد المهربين واعتقاله وفرار الآخر بعد إحباط عملية التهريب، وفي 21 مارس /آذار، أحبطت قوات “الأسايش” عملية تهريب نساء من عوائل تنظيم “الدولة الإسلامية” من المتواجدين ضمن “مخيم الهول” أقصى شرق محافظة الحسكة. ووفقا لمصادر “المرصد السوري”، فإنه بعد رصدهم من قبل كاميرات المراقبة، أحبطت قوى الأمن الداخلي عملية تهريب 5 نساء من الجنسية الروسية من عوائل تنظيم “الدولة الإسلامية” رفقة 13 من أطفالهم، بعد أن قامت امرأة بمحاولة تهريبهم من داخل المخيم وهي زوجة المسؤول الإداري لعلاقات قتلى تنظيم “الدولة الإسلامية” من الجنسيات غير السورية، ليتم كشفهم وهم يحاولون الفرار من السور الجانبي للمخيم وإحباط عملية تهريبهم.

وفي الـ 12 من نيسان/أبريل، جرى إحباط محاولة تهريب لتسعة نساء من عوائل التنظيم من الجنسية التركية ومعهم 9 أطفال من مخيم الهول في ريف الحسكة الشرقي، ووفقا لمصادر “المرصد السوري” فإن عملية التهريب كانت تتم عبر دخول النساء والأطفال ضمن صهريج المياه التابع للهلال الأحمر السوري التابع للحكومة السورية في المخيم، وتم اعتقال السائق، وفي الـ 7 من يوليو/تموز، أبلغت مصادر المرصد السوري، أن قوى الأمن الداخلي “أسايش” ألقت القبض على قائد حراس “مخيم الهول” الذي يحوي عوائل تنظيم “الدولة الإسلامية” في الجنوبي الشرقي لمحافظة الحسكة، على خلفية تورطه بعمليات تهريب نساء مقابل مبالغ مالية طائلة، حيث اعترفت إحدى السيدات من حملة الجنسية التونسية دفعها مبلغ 2000 دولار أمريكي لقائد الحراس بهدف تهريبها خارج المخيم.
وفي الـ 13 من أيلول /سبتمبر، تمكنت قوى الأمن الداخلي من إحباط محاولة هروب 4 نساء مهاجرات ومعهم 6 أطفال، صباح اليوم، كانوا قد تنقلوا جميعا من قسم المهاجرات إلى القسم الخاص بالسوريين داخل مخيم الهول، تمهيدا لمحاولة الهروب إلى خارج المخيم، وأفشلت قوى الأمن الداخلي أكبر عملية هروب جماعي من مخيم الهول، حيث تمكنت القوى الأمنية من إحباط هروب نحو 200 امرأة من جنسيات سورية وعراقية ومعهم عدد كبير من الأطفال، وذلك بالتعاون مع عناصر “وحدات حماية الشعب”، وتعد عملية الهروب هي الأكبر منذ افتتاح مخيم الهول.

وسلط المرصد السوري الضوء الضوء على هروب نحو 15 سيدة أجنبية من عوائل تنظيم “الدولة الإسلامية” مع 20 طفلاً، من “دويلة الهول” إلى مناطق نفوذ هيئة تحرير الشام والفصائل في محافظة إدلب، بمساعدة شبكة من المهربين، وذلك منتصف العام الجاري 2020.
ففي إفادته للمرصد السوري قال أحد المقربين من النسوة، أن قيادي في تنظيم “الدولة الإسلامية” نسق مع امرأة من الهاربات، وقدم لهن دعماً مالياً كبيراً، ليتمكن من الهرب من مخيم الهول، في حين تمكنت إحدى السيدات من إقناع أحد حراس المخيم ويدعى “شيار” بعد دفع مبلغ مالي يقدر بـ35 ألف دولار أمريكي للخروج مع أطفالهن إلى ريف حلب الشمالي، وبدأت العملية ليلاً، حيث خرج الجميع على دفعتين، الدفعة الأولى ضمت 7 سيدات و10 أطفال، والثانية 8 سيدات و 10 أطفال، وذلك بسيارات تابعة لقوات سوريا الديمقراطية من بوابة المخيم، دون أن يتم تفتيشها، ووصلوا بعد ساعات طويلة إلى مناطق نفوذ الفصائل الموالية لتركيا في ريف حلب الشمالي الشرقي.

وأضاف المصدر بأن الأشخاص الذين يستقلون سيارات قوات سوريا الديمقراطية، ينسقون مع آخرين من الفصائل الموالية لتركيا، ليتمكنوا من إيصال النساء والأطفال إلى المكان المتفق عليه مع القيادي في التنظيم لأخذ المبلغ المتفق عليه، وفي ريف حلب تسلم المجموعة شخص يدعى (أبو محمد)، حيث قام بنقلهم إلى أحد المنازل لقضاء الليلة في بلدة الغندورة شمال شرقي حلب، ثم وصل شخص يدعى (أبو أيوب الأنصاري) وهو إداري يتبع لتنظيم “الدولة الإسلامية”، وتسلم مجموعة السيدات والأطفال، وبالوقت ذاته، تم تسليم الأموال المتفق عليها للمدعو “شيار”.
وتعيش السيدات مع أطفالهن في ريف مدينة سلقين شمالي إدلب، ونوه المصدر بأن إداريي “التنظيم” يوفرون لهم المسكن المقدر إيجاره بنحو 200 دولار أميركي، فضلاً عن رواتب شهرية مقدمة من “التنظيم”، حيث يبلغ راتب السيدة 100 دولار أمريكي والطفل 20 دولار أمريكي. الجدير ذكره، أن المدعو “شيار” مسهل عملية الهروب جرى اعتقاله من قبل استخبارات قوات سوريا الديمقراطية قبل 4 أشهر -أي عقب عملية الهروب هذه بفترة قصيرة-، وذلك بتهم تتعلق بالفساد.

ومع تحول مخيم الهول إلى “قنبلة موقوتة” قد تعيد الفوضى إلى المنطقة من جديد، يجدد “المرصد السوري” مناشداته المجتمع الدولي بضرورة إيجاد حل لأزمة “دويلة الهول” التي تهدد بالانفجار في أي لحظة في وجه العالم أجمع. كما نجدد في “المرصد السوري” دعوتنا لمجلس الأمن الدولي وكافة المنظمات والدول التي تدعي احترام حقوق الإنسان في العالم، إلى العمل الفوري من أجل وقف الجرائم والانتهاكات المرتكبة بحق أبناء الشعب السوري من قبل تنظيم “الدولة الإسلامية”، وإنشاء محاكم مختصة لمحاكمتهم.

 

رابط الدقة العالية لإنفوجرافيك مخيم الهول خلال 2020: