د.منى غانم: لا بوادر للحلّ في سوريا ولابد من تغيير النظام السوري بشكل جذري

55

مرّت نحو عشر سنوات على انطلاق شرارة الانتفاضة السورية وتبدو الحصيلة ثقيلة، فقد خلفت الأحداث المتتالية التي أصبحت حربا تعدد فيها اللاعبون الدوليون، مأساة إنسانية وهجرة أكثر من ثلاثة ملايين سوري، فيما لم تفلح الجهود الدولية المبذولة في التوصل إلى تسوية سياسية للنزاع توقف بدورها معاناة المدنيين.

لم يتخيّل السوريون أن مطالبهم بالديمقراطية والحريات ستكون مقدمة لأكبر حروب القرن الواحد والعشرين، وأن حراكهم الذي سرعان ما واجهته قوات الأمن بالقمع سيتحول إلى حرب مدمرة تشارك فيها أطراف عدة خصوصاً مع صعود نفوذ التنظيمات “الجهادية”.

الدكتورة منى غانم، معارضة سورية ورئيسة “تيار بناء الدولة السورية” تتحدث في حوار مع المرصد السوري لحقوق الإنسان،عن هول المأساة ودور المعارضة في محاولة التوصل إلى حل سياسي جذري.

 

 

س – برأيك.. مع استمرار تعقد الأوضاع في سورية، هل تلوح بوادر حلول تنهي مأساة الشعب السوري؟

ج- لا توجد أي بوادر، بل إن المأساة تزداد يوماً بعد آخر مع انسداد أفق الحل السياسي وازدياد تداعيات الحصار الاقتصادي المتمثل في العقوبات الاقتصادية والأوضاع المتدهورة في لبنان أيضاً وأخيراً قانون قيصر.

نعتقد أننا اليوم في وضع مأساوي خطير، قد لا نخرج منه بسهولة ولن نجد الحل قريباً.

 

 

س- هل هنالك فرص لتوحيد المعارضة في الداخل والخارج على مشروع واضح لإنقاذ البلاد من دوامة المخاطر الداخلية والخارجية ؟

ج- لا تلوح في الأفق أي إمكانية لتوحيد المعارضة السورية.. فهذه المعارضة تلاشت أصلا بشكل كبير، خاصة المعارضة الخارجية المعترف بها، فالائتلاف تحول إلى أداة طيعة بيد تركيا، كذلك هيئة لجنة المفاوضات الموجودة في الرياض، تعصف بها خلافات وانقسامات، أضف إلى ذلك أن هذه المعارضة غير مقبولة من الشارع السوري..لذلك فإن طرح مسألة توحيد المعارضة هو مشروع خاطئ ولا توجد أي إمكانية لذلك..وتأسيسا على ذلك تبقى الإمكانية الوحيدة للعمل السياسي في سورية هي الدخول إلى داخل البلاد والعمل سياسيا من داخل دمشق، وهذا الأمر محفوف بالكثير من الصعوبات في حقيقة الأمر، لذلك فإن التعويل على المعارضة تعويل خاطئ لأنها لا تحمل اي إمكانية للحل بالنسبة للوضع السوري.

 

 

س- كثيرون توقفوا عند توقيت إعلان تشكيل الكتلة الوطنية عام2017، وكان لافتا أيضا ما جاء في بيان التشكيل من أن “الحرب في سورية انتهت وعلينا أن نبدأ مرحلة ما بعد الحرب”..ماذا تقصدين، دكتورة منى، بانتهاء الحرب؟ وكيف تتصورين مرحلة ما بعد الحرب في واقع الوجود الأجنبي؟

ج- نعم قلت سابقا إن الحرب انتهت، وما قصدته هو انتهاء الحرب بين المعارضة والنظام، ونحن لاحظنا كيف تم تفكيك المعارضة المسلحة ولم يعد هناك حرب على النظام السوري لكن الحرب لا تزال في الساحة السورية بين الدول الأجنبية وكذلك فيما يتعلق بـ”هيئة تحرير الشام” أو “جبهة النصرة سابقاً” في إدلب، علاوة على وجود مجموعات إرهابية، كما أن الحرب على إسقاط النظام توقفت، ولا بد من العمل على إعادة إعمار البلاد، لكن بشرط وجود حل سياسي يُفضي إلى تغيير النظام الحالي بشكل جذري، وهذا أفقه مسدودة بشكل كبير.

 

 

س- تيار بناء الدولة ،اعتبر أن الانقسامات في صفوف المعارضة تؤثّر سلباً على النضال الشعبي، ومع ذلك رفض الانضمام إلى ائتلافَي المعارضة الأكبر حجماً، بماذا تفسرين ذلك؟

ج – منذ البداية لم يقبل تيار بناء الدولة بالانضمام إلى ائتلاف المعارضة في الخارج لأننا كنا ولا زلنا على قناعة بأن هذا الائتلاف لن يؤدي إلى إسقاط النظام بل سيؤدي إلى ظهور مجموعات استقطابية ليس لها أي قيمة ودور في الحل السياسي في سورية، وظل موقفنا إلى اليوم مفاده التفاوض مع النظام لإيجاد حل وخلق حريات سياسية في البلاد، معتبرين ذلك أولوية بالنسبة لنا للعمل من داخل البلاد، وكانت الأمور طيبة إلى حدود 2015،عندما اضطررنا إلى الخروج تحت ضغط السلطات، لذلك نحن لن ننضم إلى مجموعات المعارضة ذات الاتجاه الإسلامي خاصة، والتي تحمل لونا طائفيا معينا فهي لن تصل إلى الحل في سورية.. وجهة نظرنا هي أن لا بد من بناء حياة سياسية في سورية تكفل الحريات السياسية أولاً.

 

 

س- تدعمون في التيار إقامة حوار مع النظام عندما يوقف هجماته المسلحة، وتدعون من جانب آخر إلى إسقاطه.. كيف تستقيم مثل هذه المعادلة؟

ج- لابد من تغيير هذا النظام بشكل جذري لا إسقاطه لأن هناك تماهيا بين النظام والدولة وحزب البعث.. نحن نقول لا بد من التفاوض مع النظام والعمل بشكل وطني على تغييره وتغيير أسسه، ننادي بالحوار مع النظام حتى اليوم بعد كل هذا الدمار والخراب، والتفاوض على آليات تغيير ذاتي بشكل جذري في سورية.

 

 

س- في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الشعب السوري منذ سنوات، ما مدى التأثير المتوقع لتطبيق قانون قيصر وتداعياته خاصة على الفئات الهشة؟

ج-تأثير ضخم متوقع للعقوبات الاقتصادية بشكل عام، وقانون قيصر بشكل خاص على السوريين، وكل مايجري في لبنان سيكون له تأثير كبير جدا على الفئات الهشة والأطفال والنساء بسورية،وسيؤثر سلبا على الواقع الصحي والتعليمي، وسنشهد انهيارا في المنظومة الإجتماعية والصحية والتعليمية، وسيكون لكل ذلك تداعياته على الأجيال المقبلة..نعتقد أن الحل الوحيد هو الدفع نحو الحل السياسي للتخفيف من المعاناة والمأساة المنتظرة برغم علمنا أنها لن تخف حدّتها إلا بعد سنوات طويلة.

 

 

س- يقولون إن معارضة منى غانم هي معارضة لها دور واحد فقط هو اصطياد ما يشوه انتفاضة شعب..ما رأيك؟

ج-أعتقد أن العمل على التغيير السياسي يتم بالسياسة لا بالشارع..لا أتصور أن المظاهرات قادرة على إحداث تغيرات سياسية جذرية في بلاد ليس فيها حريات ولا مجتمع مدني ولا أحزاب ولا ثقافة سياسية، طبعا سورية تختلف عن باقي البلدان العربية كتونس مثلا التي تتمتع بمجال واسع من الحريات، أما في سورية فالوضع مختلف تماما، لذاك نحن ننتقد المعارضة التي شجعت على التسلح والطائفية، وأرى أن الحياة السياسية والعمل في صلب الأحزاب السياسية أساسي لأجل التغيير السياسي نحو الأفضل.

صحيح أن هناك أخطاءً كثيرة ارتكبت في سورية، لكن وَجَب تجاوزها، ومن واجبنا النقد، ليس بنية الاصطياد بل بهدف الإصلاح وإضاءة المسار لمصلحة شعبي وبلدي سورية، لأن سورية وأبناءها في المقام الأول قبل المعارضة والنظام وغيرهما.

 

 

س- في واقع الأزمة التي عصفت بالمجتمع، ماذا تقول منى غانم عن معاناة المرأة السورية بصفة خاصة؟

ج- المرأة السورية دفعت ثمنا كبيرا لكن في نفس الوقت أثبتت وجودها وقدرتها على إجراء التغيير في حياتها برغم الحرب والدمار الذي يحيط بها.. السوريات استطعن تحمل مسؤولية مرحلة صعبة جدا في حياتهن برغم الحرب.. لقد تعرضت النساء من الفئات المهمشة لمشاكل قانونية واجتماعية واقتصادية كبيرة، لذلك لابد من العمل والسعي إلى إيجاد مشروع لإنقاذهن من هول المأساة والوضع المتدهور الذي يحط بثقله عليهن، ولا شك في أن تحرير المجتمع من كل الإكراهات هو أيضاً مقدمة أساسية لخلق الظروف الملائمة لانطلاقتهن والمساهمة الفاعلة في منفعة الوطن.