رئيس مكتب شؤون النازحين واللاجئين في الإدارة الذاتية شيخموس أحمد: الوضع الإنساني في مخيم الهول كارثي يستدعي التدخل العاجل..

103

تقول إحصائيات الأمم المتحدة إن أكثر من 13 مليون سوري يعانون وضعا إنسانيا متدهورا بسبب ضعف الإغاثة الإنسانية وصعوبة وصول المنظمات الإنسانية إلى بعض المناطق التي تسيطر عليها الفصائل المسلحة وبعض المليشيات وحتى تلك الواقعة تحت سيطرة النظام، وتحذّر من كوارث إنسانية أبشع في ظل تواصل الوضع على ماهو عليه حاليا خاصة في المخيمات على غرار مخيم الهول الذي يضم عائلات تنظيم الدولة الإسلامية وإرهابيين، مع ارتفاع وتيرة العنف والإجرام والقتل واستهداف موظفي المخيم والمنظمات الإنسانية المرابطة هناك.
ولطالما حذّر المرصد السوري لحقوق الإنسان من الوضع المأساوي بمخيم الهول والمخيمات العشوائية في مختلف المناطق السورية، ودعا إلى التدخل العاجل عبر توفير الأساسيات لضمان العيش الآمن وفق ما ينص عليه القانون الدولي لحقوق الإنسان، مشدّدا على أن استمرار الحرب وعدم وجود حل ينهي الأزمة السورية ويحقق التسوية سيساهم في تعكر الوضع أكثر.

ويرى شيخموس أحمد، رئيس مكتب شؤون النازحين واللاجئين في الإدارة الذاتية، في حوار مع المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن الوضع الإنساني في مخيمات شمال شرقي سورية كارثي يتطلّب الدعم الكافي وتكاتف الجهود الإقليمية والدولية لوضع حد للمأساة، لافتا إلى وجوب مراعاة الجانب الإنساني وإنقاذ الوضع.

س- يحمل الهول عنوانا كبيرا لظلم داخلي وتواطؤ خارجي، يختصر معاناة إنسانية تجاهلها العالم باستثناء بعض المنظمات الإنسانية، وهو بؤرة لتفريخ مآسي جديدة يحملها الجيل الحالي، من حيث العنف والضياع .. لو ترسم لنا صورة عن الوضع الحالي خاصة في الجانب الإنساني؟
ج-نعم.. هو عنوان كبير لمأساة مستمرّة بسبب العدد الكبير للنازحين السوريين واللاجئين العراقيين إضافة إلى عائلات تنظيم “داعش” الارهابي الذين يرابطون في المخيم وهم من جنسيات مختلفة بحدود 57 جنسية تقريبا، وهو من أخطر المخيمات على مستوى العالم حيث يعتبره التنظيم دويلته المصغّرة ينفذ فيه ايديولوجياته المسمومة وأفكاره إلى جانب شرائعه وقوانينه المتطرفة، وقد شاهدنا التهديدات التي مسّت وطالت اللاجئين العراقيين والنازحين وحتى عوائلهم الذين لا يرغبون في أن يتم دمجهم في التنظيم أو انضمامهم إليه طالتهم أيادي المتشددين، وحتى الموظّفون العاملون بالمخيم وممثلو المنظمات الإنسانية الدولية وإدارة المخيم كلهم يعملون تحت تهديد خلايا التنظيم، وقد تصاعدت التجاوزات منذ بداية العام الحالي حيث بلغ حدود98 شخصا بين القتلى والمهددين ومحاولات الاغتيال من قبل الخلايا كان أخرها منذ أيام حيث تم قتل لاجئين عراقيين في مركز الاستقبال مايشكل تطورا جديدا على مستوى آليات الاستهداف والتي تتصاعد في وقت تقوم فيه تركيا بتهديد المنطقة وتنامي خلايا التنظيم في العراق والبادية السورية ووجود بقاياه في شمال شرقي سورية .
-وضع المخيم مأساوي من جميع النواحي وخاصة من ناحية الرعاية الصحية والوضع الأمني وهذا يشكّل كارثة إنسانية وتحديا كبيرا أمام الإدارة الذاتية في الفترة الحالية والمقبلة.

س-ماتداعيات ذلك على المجتمع السوري والمنطقة ككل خاصة أن الموجودين بالمخيم ليسوا سوريين فقط بل هم من جنسيات مختلفة كما أشرت ؟

ج- تغيّرات كثيرة طرأت على المجتمع السوري منذ قدوم التنظيم الإرهابي وعائلاته من كل أنحاء العالم مايشكّل كارثة اجتماعية نعاني منها، وخاصة في مخيم الهول.. الحالة الإجتماعية لها تأثير سلبي على سورية والمنطقة بدرجة ثانية وعلى تماسك المجتمعات ، ولا ننسى أن المخيم يضم أطفالا قصّرا ونساء شبّعوا بالتفكير المتطرّف وقد تكون مغادرته يوما ما بمثابة القنبلة التي قد تمسّ الأمن القومي العربي والعالمي ككل، هم خطر على المجتمع الدولي، لذلك وجب السعي والعمل على إنقاذ الوضع لأن هذا التأخير سيكون سببا في انفجارات في المستقبل ستمسنا جميعنا، انفجارات تحمل غرس فكر متطرف متشدد في مناطقنا.
-هذه التبعات السلبية من حيث حمل الفكر التكفيري الظلامي ستنتقل إلى بلدان المنطقة عبر قنوات عديدة، لذلك لابد من إتباع نهج إقليمي ودولي لتحقيق توازن أفضل، ولمحاربة فلول التنظيم، فمثلا عدم الاستقرار في سورية سيمتد إلى جوارها متجاوزا الحدود، وهكذا، فإن اتباع نهج إقليمي قد يساعد على تحسين الوضع من هذه الآثار داخليا لتقليص الأضرار الكبرى ومحاربة الفكر الظلامي.

س-من يتحمّل مسؤولية هذه المأساة المستمرة، وهل هناك تخاذل من المجتمع الدولي لإيجاد حل للمخيم، ولماذا برأيكم ترفض بعض الدول إعادة إرهابييها؟

ج- يتحمّل المجتمع الدولي كل المسؤولية وبالدرجة الأولى الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والجامعة العربية برغم دفع هذه الجهات ولو نسبيا للقضاء على تنظيم “داعش” من الناحية الجغرافية منذ أكثر من سنتين لكن حتى الأن غالبية الدول التي لها رعايا في مخيم الهول تتأخر في تقديم المساعدات وفي إعادة رعاياها بل إن استجابتها بطيئة جدا من حيث سحب إرهابييها وتقديم الدعم الكافي للإدارة الذاتية لإنشاء محكمة دولية ودعم المخيم.
-المسوؤلية تتحملها هذه الجهات وأيضا الحكومة العراقية التي لها رعايا أكثر من بقية الدول في مخيم الهول ، علما وأن الحدود العراقية لا تبعد عن المخيم سوى بعض الكيلومترات، ومع الأسف إلى اليوم لم تستجب لمطالبنا ولم تخطو أي خطوة باتجاه إعادة هؤلاء ومحاكمتهم هناك، فكل إرهابي وشخص يتكلّف علينا من الرعاية الصحية وتوفير الأكل والشرب والمراقبة خشية من تسجيل جرائم أو محاولة التسلل والهروب ، المسؤولية كبيرة والإدارة الذاتية بإمكانياتها المحدودة لا تستطيع أن تتحمل كل مسؤولية المخيم، ولابد للمجتمع الدولي والإنساني أن يتحرّك باتجاه إيجاد الحلول الواقعية والسريعة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه بعيدا عن أي حساسيات لأن هؤلاء بمثابة القنابل المعدة للإنفجار في أي وقت وستكون النتائج وخيمة على سورية والدول المجاورة والمنطقة بل العالم .

س- أشرت إلى الدولة العراقية منذ حين فيما يخص التأخر في الاستجابة لاسترجاع رعاياها من مخيم الهول..هل هناك تنسيق بين الإدارة الذاتية شمال شرقي سورية، والحكومة العراقية، بخصوص وضع اللاجئين العراقيين الموجودين في المخيمات السورية؟

ج-ترفض بعض الدول إعادة اللاجئين في المخيمات لأسباب أمنية أساسا إضافة إلى دوافع أخرى سيما بعد تشبع أغلبهم بالفكر الداعشي الظلامي ما يشكل تهديدا للمنطقة والمجتمع الدولي، لذلك لابد من توفر الإرادة الدولية لتجاوز الصعوبات والتحديات التي تواجهها الإدارة الذاتية بمفرها خاصة مع تنامي تنظيم “داعش” من جديد في عديد المناطق وإعادة تنظيم فلوله.. التخاذل الدولي واللامبالاة قد يساعدان التنظيم في الوقوف مجددا وإعادة صفوفه والاستعداد لمهاجمة المجتمع الدولي، ونحن مع إيجاد حل عاجل للوضع الحالي لكسر شوكة إمكانية تنامي التنظيم ولمنعه من إعادة التمركز مجددا ، والوضع يحتاج إلى وعي جماعي بخطورة التنظيم وفلوله ويستحق التضامن الدولي والعمل الجدي لمحاربته.
-الغالبية الموجودة في المخيم من الجنسية العراقية.. قبل القضاء على التنظيم كان هناك تنسيق بين الإدارة الذاتية والحكومة العراقية، وأقدم العراق على إعادة الآلاف من أبنائه، علما أن المخيم يضم قرابة 30 ألف عراقي.
– بموجب اتفاق عراقي مع الإدارة يعود لعام2018، لم يتم إلى حدود اليوم استرجاع سوى 500 شخص فقط وهو رقم ضئيل لا يتماشى والاتفاق مع الأمم المتحدة الذي يقضي بإعادة 5 آلاف شخص يرغبون في العودة، ونتمنى أن يكون هناك ضغط دولي على الحكومة العراقية لتسحب رعاياها وإنهاء جزء من المأساة .

س-برأيكم أي مصير لهؤلاء العوائل والأطفال خاصة، وهل من السهل بعد دمغجتهم كلّيا إعادتهم وإدماجهم في مجتمعاتهم؟

ج-أرى أن الوقت الحالي مناسب جدا لعودة اللاجئين والنازحين إلى بلدانهم سواء أكانوا عراقيين أو سوريين أو غيرهما، ونطالب المجتمع الدولي بالتدخل للمساهمة في إعادتهم والعمل على دمجهم في مجتمعاتهم.. نحن في الإدارة الذاتية قمنا بتنظيم45 رحلة عودة بحدود2500 عائلة و9450 شخصا أعدناهم بآمان إلى مناطقهم وتم إدماجهم ولم نسجل أي عملية إخلال بالأمن.
-نجزم بأن إبقائهم في المخيم هو أزمة حقيقية ويجب إيجاد حل وحرمان التنظيم الذي يعمل من أجل دمغجة الأغلبية وإدخالهم في دوامة العنف والإرهاب والإجرام والتشدد، ونتمنى أن تكون هناك استجابة من أجل إخراجهم وإعادتهم إلى مناطقهم والأهم إدماجهم ومراقبتهم لعدم الإخلال بالأمن القومي العربي .
– نشير إلى أن نسبة الأطفال هي الأكبر في مخيم الهول و تعتبر هذه الفئة الهشة الأكثر تضرّرا ومعاناة حيث يحرمون من أبسط حقوقهم في التعليم والتربية، ويتلقون في المقابل التدريب والأيديولوجيا الداعشية وهم يشكلون خطرا حقيقيا على المجتمع الدولي عامة وسيكونون الأخطر مستقبلا ومن أبرز مقاتلي التنظيم لاعتبار ماترسّخ في عقولهم منذ صغرهم، هي تنشئة تربوا عليها سنوات وسيكبرون ضمنها وهم الضحايا الحقيقيون لذا وجب إنقاذهم قبل فوات الأوان.
-المخيم ليس حلا بل يعتبر مركز إيواء فقط، والبقاء سيكون عنوان أزمة حقيقية أعمق وأكبر ومايناسب هؤلاء إعادتهم إلى مجتمعاتهم الأم ومحاسبة من أجرم وفق القوانين المحلية والدولية.

س- لماذا لم تلاقِ بعض مبادرات الأمم المتحدة نجاحا وتواصلا في ما يخص المخيم ؟

ج-برغم المبادرات التي قدمتها الإدارة الذاتية والمبادرة التي قدمتها الأمم المتحدة مؤخرا لمساعدة الدول التي ستقوم بسحب رعاياها من ناحية إنشاء مراكز ومن الناحية اللوجستية والتقنية، لكن ظلت استجابة الدول ضعيفة لظروف مختلفة.
-عدم الاستجابة قد يفسّر خشية تلك الدول من التهديدات الإرهابية من قبل من ستقوم بإعادتهم بعد أن تلقوا تدريبات متطورة من التنظيم في سورية وغيرها، وبعد أن تم تشبعهم بالفكر الظلامي مايهدد أمنها القومي، فضلا عن ضعف قدرة بعض الدول على احتواء رعاياها بتوفير سبل وطرق الدمج في المجتمعات وتوفير المراكز للإحاطة النفسية والاجتماعية، لكن الأمم المتحدة قدّمت وعودا بالدعم وتوفير الأساسيات، ونحن في الإدارة الذاتية لاعتبار أن مخيم الهول في مناطقنا يهمنا أن نجد الحلّ عاجلا ونوفّر على أنفسنا عديد المصاعب .

س- هل هناك تخوّف من إمكانية هروب بعض العناصر الموجودة بالمخيم في حال تواصل التهديدات التركية باجتياح بعض المناطق بالشمال السوري؟

ج-محاولات الهروب مستمرة دائما وتأتي تزامنا مع التهديدات التركية المتكررة لاجتياح مناطقنا ومع تداخل الاستخبارات الاقليمية خاصة التركية التي تقوم بالتنسيق مع الخلايا النائمة الموجودة في المنطقة وأيضا قادة التنظيم في المناطق المحتلة من قبل الجيش التركي، فكلما قامت تركيا بالتهديد بشن هجوم تنشط هذه الخلايا النائمة داخل وخارج المخيم، سنويا نسجل مئات محاولات الهروب بأساليب مختلفة، ولا ننسى تدخّل الاستخبارات التركية لمساعدة المهربين لتهريب العديد من العوائل إلى تركيا
س-هل تقترحون حلولا لإنهاء مأساة المخيم ؟

ج- قدّمنا مقترحات إلى الإتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي لإنهاء المأساة في مخيم الهول إما بسحب رعاياهم أو إنشاء مراكز تأهيل للأطفال والنساء ودعم الإدارة من الناحية السياسية والأمنية والاقتصادية وأيضا الضغط على الدول التي تقوم باستخدام حق الفيتو خاصة روسيا والصين في الأمم المتحدة لإغلاق معبر تل كوجر الذي يشكل الشريان الرئيسي لإدخال المساعدات الإنسانية لشمال وشرق سورية، ولا ننسى انسحاب العديد من المنظمات الإنسانية نتيجة اجتياح الجيش التركي لمناطقنا وأيضا الدول المانحة للمنظمات.. نتمنى أن تكون هناك استجابة مباشرة مع الإدارة الذاتية من ناحية إنهاء المأساة وملف اللاجئين والنازحين في مخيم الهول وباقي المخيمات.

س- أشرت إلى أهمية دعم الإدارة الذاتية.. سؤالنا هو،هل تتلقّ الإدارة الدعم الكافي من المجتمع الدولي لتوفير الضروريات للعائلات؟

ج-للأسف لا نتلقى الدعم الكافي بل العكس نتلقى دعما ضئيلا في ظل تقاعس المنظمات الدولية خاصة تلك التي تتبع الأمم المتحدة والناشطة في المنطقة، المنظمات المحلية هي من تقوم بتوفير المساعدات، ننتظر الدعم المباشر وإعادة فتح معبر تل كوجر الذي كان قد فتح من قبل مجلس الأمن وتم إغلاقه بقرار من نفس الجهة بعد ضغوطات روسية وصينية ، نتمنى أن يكون هناك ضغط دولي لتحقيق ماتطمح إليه الإدارة لوضع حد للمآسي المستمرة .

س- باعتبارك مسؤولا عن ملف النازحين واللاجئين، لو ترسم لنا الصورة بخصوص أوضاعهم، وماهي أبرز النقائص التي تسعون إلى تجاوزها؟

ج-يمكن أن أصف وضع النازحين في مختلف المخيمات شمال وشرق سورية بالصعب، وأيضا المخيمات العشوائية المنتشرة في ريف دير الزور الغربي والرقة والطبقة ومنبج إضافة إلى عشرات الألاف من النازحين الموجودين في منطقة الشهباء الذين يعانون مع غياب منظمات حقوق الإنسان الدولية و المنظمات التابعة للأمم المتحدة وغياب الدعم الدولي من المانحين لتوفير ضروريات الحياة لهؤلاء المرابطين في ظروف صعبة للغاية لا تتماشى وقوانين حقوق الإنسان الكونية ، عوامل وصعوبات تمثل تحدي كبيرا للإدارة الذاتية لدعم هؤلاء النازحين وتوفير الأساسيات، فجوات كثيرة تستحق الدعم الدولي المستمر في مناطق الإدارة حتى نتمكن من تجاوز النقائص برغم كل جهودنا لتجاوز المشاكل.

س-هل يتوافق الوضع الإنساني عموما في سورية مع ما تنص عليه القوانين الدولية لحقوق الإنسان؟

ج-بكل تأكيد لا تتماشى والقوانين الدولية والمواثيق، فلا الحكومة السورية ولا المناطق المحتلة من قبل تركيا تراعى فيها مبادئ حقوق الإنسان والمعايير الدولية، نحن نسعى في مناطقنا بكل إمكانياتنا إلى أن نتوافق مع المقاييس الدولية على مستوى تعاملنا مع النازحين واللاجئين ونعمل من أجل توفير الاحتياجات اليومية التي تعتبر من أبسط حقوقهم لضمان الحق في الحياة أيضا عبر إنشاء المخيمات لحماية النازحين من البرد والحرارة والعنف وكل المصاعب والتحديات.
-نأمل أن نجد الدعم الكافي حتى نؤمّن الحياة الكريمة لهؤلاء ونؤمّن لهم الضروريات بما يتماشى ومبادئ حقوق الإنسان.