عصيان سجناء “داعش” في الحسكة: أسئلة معلقة حول المصير

57

يواصل سجناء تنظيم “داعش” لدى “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) عصيانهم في سجن الصناعة في حي غويران المركزي في مدينة الحسكة في أقصى الشمال الشرقي من سورية، بينما يحاول التحالف الدولي، بقيادة أميركا، احتواء هذا العصيان الذي يتكرر بين وقت وآخر، في ظل عدم وجود حلول لمشكلة هؤلاء السجناء الذين ينتمون الى نحو 50 دولة ترفض استردادهم.
وبدأ سجناء التنظيم عصياناً جديداً منتصف ليل الثلاثاء- الأربعاء، لا يزال مستمراً، فيما قامت قوى الأمن الداخلي الكردية “الأسايش”، التابعة إلى “الإدارة الذاتية” في الشمال الشرقي من سورية، بفرض طوق أمني حول السجن، ومنع التنقل في المنطقة. وفي ظل ندرة المعلومات عما يجري داخل السجن، ذكرت مصادر مطلعة، لـ “العربي الجديد”، أن عدداً من سجناء التنظيم وصلوا إلى باحة السجن بعد تحطيم أحد الأبواب، مشيرة إلى أن عدة سيارات إسعاف دخلت السجن الأربعاء الماضي، ما يشير إلى وجود مصابين بين السجناء والحراس.

دخل وفد من التحالف السجن في محاولة لاحتواء العصيان

وأوضحت المصادر أن وفداً من التحالف الدولي دخل السجن، في محاولة، على ما يبدو، لاحتواء الموقف ومعرفة أسباب العصيان. وأشارت إلى أن السجناء يريدون مقابلة عائلاتهم الموجودة في مخيم الهول في محافظة الحسكة، ومعرفة مصيرهم، حيث طال بقاؤهم في السجن من دون حلول واضحة، أو تقديمهم لمحاكمات يمكن أن تفضي إلى حلول.
وكان سجناء التنظيم نفذوا أواخر يوليو/تموز الماضي عصياناً مماثلاً، أدى إلى مقتل وإصابة العشرات منهم، حيث قامت “الأسايش” بإطلاق النار عليهم عقب مقتل عنصر منها، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان. وكان سجناء التنظيم نفذوا أكثر من عصيان خلال مارس/آذار ومايو/أيار الماضيين، انتهت من دون معالجة الأسباب التي تدفع هؤلاء إلى محاولة الهروب من هذا السجن المحصن. ويضم سجن الصناعة عدة آلاف من الموقوفين، أغلبهم أجانب من نحو 50 دولة، من عناصر التنظيم الذين استسلموا إلى “قوات سورية الديمقراطية” خلال الحملة العسكرية التي قامت بها بمساندة من التحالف الدولي للقضاء على “داعش”، والتي بدأت عملياً أوائل العام 2016، وانتهت بداية العام الماضي، مع استسلام المئات من المسلحين في ريف دير الزور الشرقي، حيث كانت بلدة الباغوز آخر معقل لهم في منطقة شرقي نهر الفرات.

وكان التحالف الدولي، بقيادة أميركا، سلّم “قسد”، التي تشكل “وحدات حماية الشعب” الكردية عمودها الرئيسي، في إبريل/نيسان الماضي معدات لحماية السجن، ومواجهة أي أعمال شغب فيه، إثر هروب عدة سجناء منه في ذاك التوقيت، جرى لاحقاً القبض عليهم من قبل التحالف الدولي. وكانت “قوات سورية الديمقراطية” حاولت، في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، التلويح بورقة سجناء التنظيم لإيقاف العملية العسكرية التركية شرق نهر الفرات، مع إعلان “الإدارة الذاتية” فرار 785 أجنبياً من عناصر “داعش”، من مخيم عين عيسى بمحافظة الرقة شمال شرقي سورية، حيث كانوا محتجزين. ونقلت وكالة “رويترز”، في حينه، عن مصادر كردية قولها إن فرارهم تم بعد أن هاجم عناصر، يبدو أنهم من الخلايا النائمة لـ”داعش”، المخيم والحراس، وفتحوا الأبواب من أجل فرار السجناء. وكانت فصائل المعارضة السورية طرحت أواخر العام الماضي مبادرة لتسلّم أسرى التنظيم “كي يتوقف حزب العمال الكردستاني عن ابتزاز العالم والتهديد بإطلاق سراحهم“، لكن القائد العام لـ”قسد” مظلوم عبدي قال إن “مسلحي داعش وعائلاتهم لدينا. نحن من ألقى القبض عليهم، ونحن من يحدد مصيرهم”.

الجهات الدولية غير متفقة على صيغة لمعالجة هذا الملف

ولا تزال الدول التي يحمل سجناء التنظيم جنسياتها ترفض استردادهم، وهو ما يعني استمرار المشكلة من دون حلول ناجعة لأمد طويل، طالما لم يتدخل مجلس الأمن الدولي لإجبار هذه الدول على تسلم هؤلاء الموقوفين. ويعد ملف مساجين “داعش” من التحديات الكبرى التي تواجه “قوات سورية الديمقراطية”، التي تسيطر على جل منطقة شرقي نهر الفرات، إضافة الى مشكلة عائلات مسلحي التنظيم المحتجزة في مخيم الهول وسط ظروف معيشية صعبة.
وأشار الكاتب المقرب من “الإدارة الذاتية” إدريس نعسان، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أن “الجهات الدولية ما زالت غير متفقة على صيغة معينة لمعالجة هذا الملف الشائك، والذي يلقي بكامل ثقله على الإدارة الذاتية وقوات سورية الديمقراطية”. وأوضح أن هذه القوات “طالبت المجتمع الدولي بإنشاء محكمة دولية في شمال شرق سورية لمحاكمة آلاف السجناء من تنظيم داعش، أو إعادتهم إلى دولهم الأصلية لتتم معالجة ملفاتهم هناك”. وأضاف: لكن لا تريد أي دولة الانخراط في هذا الحِمل، مادام هؤلاء المساجين يقبعون في معتقلات بعيدة عنهم، ولذلك فهي تسقط الجنسية عنهم أو لا تكثرت بمناقشة هذا الملف، رغم النداءات المتكررة الصادرة من شمال شرق سورية. وأعرب نعسان عن اعتقاده بأن “من الطبيعي أن تتكرر حوادث العصيان ومحاولات الهرب، مهما كانت ظروف الاعتقال متوافقة مع المعايير الدولية ذات الصلة”. واعتبر أن انكسار التنظيم عسكرياً، وانتهاء خلافته المزعومة تنظيمياً وعسكرياً لا يعني انتهاء الفكر الداعشي. وأشار إلى “أن هناك مساعي حثيثة من خلايا التنظيم لإعادة تنظيم صفوفهم، سواء في المعتقلات أو المخيمات في شمال شرق سورية” أو حتى في البادية السورية التي تشهد معارك وعمليات مستمرة بين قوات النظام وخلايا التنظيم. واعتبر أن محاولات السجناء للفرار لن تتوقف مادام ملفهم من دون حل، وإذ تأجلت محاكماتهم لغياب استراتيجية دولية واضحة في هذا الصدد.

 

 

 

المصدر:العربي الجديد