قانون قيصر: السوريون يحلمون بمحاسبة “الأسد” وداعميه.. والنظام يواصل انتهاكاته بحق المدنيين رغم إقرار التشريع.. و86 مدنيا حصيلة شهداء التعذيب منذ إعلان القانون

76

المرصد السوري لحقوق الإنسان

مايو/آيار 2020

أيامٌ قليلة تفصل السوريين عن بدء تطبيق قانون العقوبات الأمريكي (قانون قيصر)، الذي أقره مجلس الشيوخ الأمريكي في منتصف شهر ديسمبر/كانون الأول 2019، ووقع عليه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعدها بعدة أيام. ومن المقرر أن يبدأ تطبيق القانون الذي يفرض عقوبات على سوريا بسبب آلاف صور التعذيب التي تم تسريبها من داخل معتقلات النظام خلال أيام، وفقا لما أكده مسؤولون بوزارة الخارجية الأمريكية، حيث سرَّب أحد المنشقين عن النظام عشرات الآلاف من الوثائق في مطلع 2014، قُدرت بحوالي 55 ألف صورة توثق مقتل 11 ألف سجين بعد تعرضهم للتعذيب في سجون الأسد وذلك من ضمن عشرات الآلاف الذين استشهدوا داخل أقبية النظام السوري تحت التعذيب. وتأمل الإدارة الأمريكية أن يكون القانون الذي سيدخل حيز التنفيذ قادرا على خنق مسؤولي النظام وداعميه إلى حد كبير حتى يتوقف عن ممارساته وانتهاكاته بحق السوريين.

قانون قيصر.. عقوبات صارمة

ويفرض القانون عقوبات على الكيانات التي تتعامل مع الحكومة السورية ووكالاتها العسكرية والاستخبارية. وقد سُمِّي مشروع القانون بهذا الاسم “قيصر”، نسبة إلى شخص مجهول وثَّق الآلاف من صور عمليات التعذيب التي مارسها النظام السوري ضد المعتقلين المدنيين الذين سقطوا فريسة لضباط وقوات النظام في معتقلات وأقبية التعذيب التي انتهج النظام السوري ممارسة عمليات التعذيب بداخلها، إضافة إلى عمليات التعذيب والتنكيل بالمواطنين والتي جرت على العلن في الشوارع والطرقات العامَّة منذ اندلاع الثورة ضدّه عام 2011 وحتى عام 2014.

وحين انتشرت الصور التي سرَّبها أحد المنشقين عن النظام والذي عرف نفسه باسم “قيصر”، أُثيرت ضجة واسعة حول ما يمكن أن تتسبب فيه تلك الصور التي توثق عمليات التعذيب اليومية التي عانى منها السوريون على مدار سنوات الثورة، حيث نتج عن عمليات التعذيب تلك استشهاد ما يزيد على 16 ألف مدني وثقهم المرصد السوري لحقوق الإنسان، فيما أكدت مصادر المرصد السوري من داخل أجهزة النظام السوري، أن ما يزيد على 104 آلاف مدني استشهدوا داخل أقبية التعذيب التي احترف النظام إدارتها.

ويسمح القانون الذي وقع عليه “ترامب” بفرض عقوبات جديدة على المسؤولين السوريين، ويلزم الولايات المتحدة بدعم الملاحقة الدولية للمتهمين بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان. وكان وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو قال، بعد ساعات من توقيع “ترامب” مشروع القانون، إن “قانون قيصر يوفر للولايات المتحدة أدوات للمساعدة في إنهاء الصراع الرهيب والمستمر في سوريا من خلال تعزيز المساءلة لنظام بشار الأسد، حيث يرسل قانون قيصر إشارة واضحة بأنه لا ينبغي لأي ممثل خارجي الدخول في أعمال مع أو إثراء مثل هذا النظام”.

شهداء تحت التعذيب.. النظام يسفك دماء عشرات الآلاف

وثقت الصور التي فاق عددها 55 ألف صورة استشهاد 11 ألف من ضمن عشرات الآلاف من السوريين الذين استشهدوا في معتقلات وأقبية النظام بسبب عمليات التعذيب الوحشية التي تعرضوا لها على أيدي أفرع قوات النظام المختلفة، فعلى مدار 9 سنوات هي عمر الثورة السورية، وثق المرصد السوري لحقوق الإنسان استشهاد 16198 مدني بالأسماء، هم: 16009 رجلاً وشاباً و125 طفلاً و64 مواطنة منذ انطلاقة الثورة السورية، من أصل 104 آلاف أكدت مصادر “المرصد السوري” مفارقتهم للحياة واستشهادهم في المعتقلات.

ووفقاً لمصادر “المرصد السوري” من داخل أجهزة النظام السوري، فإنه قد جرى إعدام وقتل هؤلاء الـ104 آلاف مدني داخل معتقلات وسجون قوات النظام ومخابراتها، حيث من ضمنهم أكثر من 83% جرى تصفيتهم وقتلهم ومفارقتهم للحياة داخل هذه المعتقلات في الفترة الواقعة ما بين شهر آيار/مايو 2013 وشهر تشرين الأول/أكتوبر من العام 2015، فيما أكدت المصادر كذلك أن ما يزيد عن 30 ألف معتقل منهم قتلوا في سجن صيدنايا سيئ الصيت، فيما كانت النسبة الثانية الغالبة هي في إدارة المخابرات الجوية.

المرصد السوري.. قانون قيصر يوثق الحقائق

وفي أحد البنود التي تضمنها القانون الأمريكي، جاءت إشارات إلى الجهود التي بذلها المرصد السوري لحقوق الإنسان من أجل توثيق الكارثة الهائلة التي عصفت بالسوريين نتيجة عمليات التعذيب التي احترفها النظام بحق مواطنيه، حيث أشار القانون في أحد بنوده إلى أن المرصد السوري لحقوق الإنسان أشار إلى أن ما يزيد على 60 ألف سوري، من بينهم أطفال، لقوا حتفهم داخل السجون السورية منذ عام 2012. وأشار القانون كذلك إلى أن ما يزيد على 15 مليون سوري باتوا في عداد اللاجئين أو النازحين خلال السنوات الخمس الماضية، نتيجة ممارسات النظام وفظائعه التي ارتكبها بحق السوريين الذين خرجوا لرفض الاستبداد والفساد الذي مارسه النظام السوري على مدار عقود طويلة، إلا أنهم لم يجدوا من النظام سوى الرصاص والقتل والتنكيل والتعذيب وأبشع الانتهاكات التي تجاوزت حد جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان.

آمال في مهب الرياح.. النظام يواصل انتهاكاته

وعلى الرغم من أن قانون “قيصر” منح السوريين بارقة أمل بعد إقراره أملا في أن يجبر النظام على وقف عمليات التعذيب المستمرة في حق المدنيين السوريين، فإنه منذ إعلان قانون “قيصر”، استشهد 86 مدنيا سوريا وثقهم المرصد السوري لحقوق الإنسان بالأسماء، وتحفظ على ذكر أسماء 35 منهم بسبب طلب ذويهم بإخفاء أسمائهم لأسباب شخصية.

ولا تتوقف انتهاكات النظام السوري بحق أبناء الشعب عند هذا الحد وحسب، حيث نكث النظام وعوده وتعهداته في غير مرة على الرغم من الوساطات الروسية والتدخلات من أجل عقد صفقات تسوية ومصالحات ضمن المناطق التي حصل عليها النظام السوري إما بعمليات عسكرية أو باتفاقات إقليمية ودولية، حيث نكث النظام باتفاقات التسوية التي كان تم إبرامها مع عدد من المقاتلين السابقين والمدنيين في درعا والغوطة وحمص وحماة، وجرى اعتقال 219 شخص على الأقل، من بينهم جزء كبير من المقاتلين السابقين لدى فصائل المعارضة المسلحة. وعلى الرغم من أن هؤلاء الأشخاص سبق وأن أبرموا اتفاقات تسوية ومصالحات برعاية روسية، فإن تلك الاتفاقات لم تشفع لهم أمام النظام وجلاديه، حيث توفي منهم 32 شخصا تحت التعذيب، غالبيتهم من درعا ومخيم الركبان.

على مدار السنوات التسع الماضية، لم يتوقف المرصد السوري لحقوق الإنسان للحظة واحدة عن توثيق وتسجيل كل ما يجري على الأراضي السورية من انتهاكات من جميع الأطراف المنخرطة في الحرب، والتي كان لـ”النظام” النصيب الأكبر منها. ومع إقرار قانون قيصر لفرض عقوبات على النظام السوري والمسؤولين المرتبطين بالنظام وجميع المتعاملين معه، فإن المرصد السوري لحقوق الإنسان يجدد مطالباته بضرورة فرض أقصى الضغوط على النظام السوري وداعميه (روسيا وإيران) من أجل إجباره على وقف آلة القتل المستمرة بحق السوريين من كافة المكونات. ويؤكد المرصد السوري أيضا ضرورة تقديم كل مرتكبي جرائم الحرب من جميع الأطراف إلى العدالة لمحاسبتهم ومحاكمتهم على الجرائم التي فاقت حد جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان، والتي ارتكبوها على مدار السنوات الماضية.

إن المرصد السوري لحقوق الإنسان وإذ يؤكد أهمية إقرار قانون قيصر وبدء تطبيقه، فإنه يأمل أن يكون القانون وسيلة لخنق النظام السوري، وليس لخنق أبناء الشعب السوري حتى ضمن مناطق قوات النظام، لأنه قد يحلق بهم ضرراً كبيراً يصعد من المأساة والكارثية الإنسانية التي يعيشها المواطن السوري في ظل انهيار الاقتصاد والتراجع التاريخي بقيمة الليرة السورية، حتى بات دخل المواطن السوري من بين الأقل بين دول العالم، وعليه فإن المرصد السوري يأمل أن لا ينقلب القانون كذريعة تخدم مصلحة النظام السوري، وأن يساعد القانون بالانتقال بسورية نحو العدالة والمساواة.

كما يؤكد المرصد السوري مجددا ضرورة أن يلتفت المجتمع الدولي لمعاناة السوريين ويتدخل على الفور لوقف نزيف الدماء المستمر منذ 9 سنوات، إذ أن المجتمع الدولي كان قادرًا على تفادي الويلات التي عانى منها السوريون وانعكست على المجتمع الدولي ومنطقة الشرق الأوسط بالكامل، لو كانت المنظمات والهيئات الدولية استمعت إلى نداءات المرصد السوري لحقوق الإنسان منذ بداية الأزمة. ويؤكد المرصد السوري لحقوق الإنسان ضرورة أن يتم محاسبة ومحاكمة جميع قتلة الشعب السوري وعلى رأسهم القاتل الأكبر وهو النظام السوري، بالإضافة لمحاسبة مسؤولي النظام الذين شاركوا في تلك الجرائم حتى وإن كانت مشاركتهم بشكل غير مباشر، حيث إن ارتكاب شخص ما الجريمة لا يعني أنه لم يتلق الأمر من شخص آخر أعلى منه في التراتبية الوظيفية.