“معادلة الأمس تغيرت”.. سببان يحددان السقف العالي لقوات سوريا الديمقراطية في الحسكة

46

في الأيام الأخيرة من عام 2020 خرج قائد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، مظلوم عبدي، بإطلالة تحدث فيها عن “مرحلة جديدة” تُقبل عليها مناطق شمال وشرق سوريا مطلع 2021، ورغم أنه لم يخض كثيرا في تفاصيلها، إلا أنه خاطب الحاضنة الشعبية بالقول: “ما نتمناه من شعبنا هو الدفاع عن ثورته وعن مكتسباته”. 

حديث عبدي في ذلك الوقت فتح باب تكهناتٍ واسعة عن السيناريوهات التي ستقبل عليها المنطقة التي تخضع لسيطرته، لاسيما أن قوله جاء في الوقت الذي كانت فيه الأعين تتجه إلى سياسية الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة جو بايدن، وما رافق هذه المرحلة من تحركات عسكرية غير مسبوقة لروسيا ومعها قوات النظام السوري في مناطق شمال شرق البلاد. 

لم تمض أيامٌ كثيرة على ما تحدث به قائد “قسد” لقناة “روناهي” آنذاك لتشتعل جبهة بلدة عين عيسى بريف الرقة، وبعدها بأسابيع الجبهة الداخلية في محافظة الحسكة، والتي تشهد منذ 20 يوما توترا أمنيا غير مسبوق بين القوات الأمنية التابعة لـ”قسد” (أسايش) وقوات النظام، بعد إقدام الأولى على محاصرة الأخيرة في مربعين أمنيين. توترٌ من شأنه أن يغيّر معادلة الشرق السوري رأسا على عقب، مع انعدام أي فرص حالية للتهدئة. 

وفي الأيام الأربعة الماضية، تضاربت الروايات من كلا الطرفين حول الأسباب التي أدت إلى التوتر الحاصل في الحسكة السورية، ومعها اتجه النظام لتحريض المدنيين القاطنين في مناطق سيطرته للخروج بمظاهرات مناهضة للقوات الكردية، ما دفع الأخيرة لتفريقها بالرصاص، في حادثتين أفضت الأخيرة منها الأحد إلى مقتل عنصر في “الدفاع الوطني السوري”. 

حصار متبادل

رغم السيطرة الخالصة لـ”قسد” على الجزء الشرقي من سوريا منذ سنوات، إلا أن النظام احتفظ بوجود أمني محدود له، ضمن مربعين أمنيين في القامشلي ومركز الحسكة، كما تتبع له بعض المؤسسات مثل: مثل دائرة السجل المدني والقصر العدلي ومديرية المالية بالقرب من الكراج السياحي، إضافة مطار القامشلي الذي تسيطر عليه موسكو بشكل كامل.

وفي مقابل الحصار المفروض على مربعه الأمني في الحسكة، كان النظام قد اتجه للمعاملة بالمثل، في حيي الأشرفية الشيخ مقصود بمدينة حلب، والذي تسيطر عليه قوات تتبع لـ”قسد”، حيث فرض حصارا كاملا عليهما أيضا، بينما منع السكان الموجودين في “جيب تل رفعت” من الدخول إلى مناطق سيطرته، وقطع جميع طرق الإمداد إليهم.

وعلى اعتبار أن التوتر الحاصل بين “أسايش” وقوات النظام في الحسكة والقامشلي ليس الأول، إلا أنه يعتبر “الأعنف والأكبر من نوعه”.

وفي السابق، كان حد التوتر يصل في أوجه إلى اعتقالات متبادلة واشتباكات خفيفة، لكن الذي يميّز الآن هو الحصار المطبق على النظام منذ 20 يوما، وما يرافقه من خطاب هجومي ولغة غير مسبوقة بدت على لسان عدد من المسؤولين في “الإدارة الذاتية”، والتي تعتبر مشروعا يحاول الكرد في شرق سوريا التمسك به، كتثبيتٍ للامركزية الإدارية التي يريدونها. 

العلاقة يتغيّر شكّلها

الكاتب الصحفي، باز بكاري، يرى أن التوتر الحاصل بين النظام السوري والقوات الأمنية لـ”قسد” يوضّح لنا شكل العلاقة بين الطرفين في ظل التطورات الحاصلة، سواء على المستوى السوري أو المستوى الدولي، وبالتحديد التغيير في الإدارة الأمريكية الجديدة.

ويقول بكاري، في تصريحات لموقع “الحرة”، إن “ما تطلبه قوات الأمن التابعة للإدارة الذاتية ذو سقف عالي. هذه هي المرة الأولى التي نشهد فيها هكذا ارتفاع في سقف المطالب”.

ويضيف الكاتب الصحفي أن “الإدارة الذاتية” تطالب النظام بإخلاء جميع مراكزه الأمنية في المدن التي تحت سيطرتها، وهذا ما يدفعنا للتفكير بأن الأمر ليس فقط قرار من “الإدارة الذاتية” لوحدها، بل بدفع من جانب الولايات المتحدة الأمريكية. 

ومع غياب المؤشرات الملموسة على الموقف الذي تقف عليه الولايات المتحدة مما يحصل في شرق سوريا من توتر، يذهب مراقبون للقول بإن سوريا وعلى اختلاف ملفاتها ستشهد تغييرات جذرية، خلافا على ما كانت عليه الأحوال في السنوات الماضية، في عهد الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب. 

والتغيير في هذه الملفات يرتبط بشكل أو بآخر بالشخصيات الأميركية التي ستدير دفة الملف السوري، بينها الدبلوماسي الأميركي بريت ماكغورك، والذي عاد إلى الواجهة مجددا بعد تعيينه مؤخرا مستشارا في مجلس الأمن القومي الأميركي لمنطقة الشرق الأوسط وشمالي إفريقيا، من قبل الرئيس جو بايدن.

وخلال شغله منصب مبعوث التحالف الدولي، منذ 2015 حتى أواخر 2018، دعم ماكغورك “قوات سوريا الديمقراطية”، وزار سوريا والعراق عدة مرات، لدمج القوات المحلية في المعارك ضد تنظيم “داعش”.

وبعد قرار ترامب أواخر 2018 سحب القوات الأميركية شمالي سوريا، قدم ماكغورك استقالته، إذ أضعف القرار لاحقا موقف “قسد”، خاصة مع انسحاب عدة قواعد عسكرية في أكتوبر 2019، وشن الجيش التركي والفصائل السورية الموالية لأنقرة عملية في شرق الفرات. 

سببان يحددان السقف العالي

خلال حديثه، حدد الكاتب الصحفي باز بكاري الأسباب التي تقف وراء السقف العالي الملاحظ في لهجة القوات الكردية شرق سوريا. 

وقال إن السبب الأول يرتبط باستعادة الولايات المتحدة الأميركية لنفوذها الفعلي في منطقة تعتبر ضمن مناطق نفوذها، وهذا ما خسرته نتيجة لسياسات الإدارة السابقة، حين سمحت لتركيا بالدخول عسكريا إلى مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية”، بالسيطرة على مدينتي تل أبيض ورأس العين.

ويشير بكاري إلى أن سياسة الإدارة السابقة دفعت “الإدارة الذاتية” لعقد تفاهمات مع الروس، وبموجبها انتشرت قوات النظام والقوات الروسية في مناطق ما كانت لتحلم بالانتشار فيها بهذه السهولة.

ويتابع: “اليوم يبدو أن الإدارة الأميركية الجديدة تريد استرجاع السيطرة الكاملة على مناطق نفوذها في شرق سوريا”. 

في المقابل يوضح الكاتب والصحفي أن السبب الآخر الذي يقف وراء التوتر الحاصل هو النية باستهداف الوجود الإيراني في المنطقة، مشيرا: “حسب المعروف هناك وجود لميليشيات تتبع لإيران في مطار القامشلي، وفي المربعات الأمنية في الحسكة، وهذا ما يؤرق القوات الأمريكية في المنطقة”.

“الدفاع الوطني” شرط

وتعتبر قوات “الدفاع الوطني السوري” التشكيل العسكري الأبرز الذي يتهم بتلقيه الدعم من جانب طهران، وهو الأمر الذي أكدته عدة تقارير إعلامية، في السنوات الماضية. 

وحسب ما قالت مصادر إعلامية من الحسكة في تصريحات لموقع “الحرة”، فإن إخراج قوات “الدفاع الوطني” من المنطقة يعتبر شرطا أساسيا لـ”الإدارة الذاتية” لفك الطوق الأمني على عناصر النظام في المربعين الأمنيين.

وتضيف المصادر أن قوات “الدفاع الوطني” تنتشر في جميع المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، سواء في القامشلي أو الحسكة، وسبق وأن أشعل عدة توترات، وصلت في معظمها إلى حد الاشتباكات المسلحة. 

وكان الرئيس المشترك لـ”الإدارة الذاتية”، بدران جيا كرد، قد ألمح، في تصريحات له السبت، إلى دور تلعبه طهران في مناطق شرق سوريا، ومعها “حزب الله” اللبناني. 

واتهم النظام السةري بتشكيل “خلايا نائمة”، لاستغلالها ضد “الإدارة الذاتية وقسد”، معتبرا أن “الكثير من عمليات الاختطاف والقتل تمت بيد أشخاص مرتبطين بشكل مباشر بالاستخبارات السورية”.

وقال جيا كرد: “لحكومة دمشق قوى في المربع الأمني والمطار، ومن الممكن أنها عززت قواتها هناك. معروف أن لديها تعاون وعلاقات مع قوى عدة في المنطقة، كروسيا وإيران وحزب الله، وتعمل من خلال ذلك على افتعال الأزمات والاستفزازات”.

إلى أين تتجه الأمور؟ 

حتى اليوم تغيب أي بوادر تهدئة بين النظام السوري و”الإدارة الذاتية”، وكانت الأخيرة قد أعلنت منذ يومين أنها تتواصل فقط مع الجانب الروسي من أجل التوصل إلى خارطة طريق للمنطقة، بينما لم يصدر أي تعليق من جانب موسكو حتى ساعة إعداد هذا التقرير.

وفي مقابل صمتها عما تشهده الحسكة، تستمر روسيا بدفع تعزيزاتها العسكرية إلى مطار القامشلي الذي حولته إلى قاعدة عسكرية لها، وإلى محيط الطريق الدولي “m4″، وخاصة في المناطق المحيطة ببلدة عين عيسى بريف الرقة. 

حكم خلّو، عضو هيئة أعيان شمال وشرق سوريا، يقول، في تصريحات لموقع “الحرة”، إن النظام السوري يحاول “تأجيج الموقف” في عدة مناطق، وبالأخص في أحياء الشيخ مقصود بحلب ومخيمات الشهباء، التي يقطن فيها أكثر من 200 ألف مدني، جميعهم من مهجري منطقة عفرين. 

ويضيف خلو المقيم في القامشلي: “النظام السوري يحاصر مخيمات الشهباء منذ ثلاثة أشهر، ويمنع عنهم الكثير من المستلزمات الضرورية”.

لكن في المقابل تفيد رواية حكومة النظام السوري بأن القوات الأمنية (أسايش) تمنع وصول مستلزمات الحياة اليومية للأحياء المحاصرة في القامشلي والحسكة، وتحدثت وكالة “سانا” السبت أن مادة الطحين نفذت، والمدنيون أمام أزمة في الحصول على الخبز. 

وذكرت “سانا” الاثنين أيضا أن القوات الأمنية الكردية اعتقلت عددا من المدنيين في مركز مدينة الحسكة، واقتادهم إلى جهة مجهولة، وهو الأمر الذي لم يؤكده مصدر آخر. 

وفي سياق حديثه، اتهم خلو النظام السوري بالتنسيق مع تركيا من أجل الضغط على “الإدارة الذاتية”، قائلا: “هناك ضغوط لإفشال مشروع الإدارة الذاتية”. 

ويضيف خلو: “في خضم تصرفات النظام هناك رد من الإدارة الذاتية بضرورة الحوار، لكن النظام متعنت ويحاول تسجيل نقاط على الأرض قبل الانتخابات الرئاسية”.

من جانبه، يرى الصحفي باز بكاري أن أهالي المنطقة في شرق سوريا باتوا اليوم أقرب إلى ما وصفه بـ”المشروع الأميركي” منه لـ”المشروع الروسي”.

واعتبر أن “روسيا تطالب الأهالي بالعودة لحضن النظام السوري، بينما تطرح واشنطن أن يكونوا شركاء في إدارة مناطقهم الغنية فعليا بكل الأسباب التي ستخلصهم من الدمار”.

 

 

 

 

المصدر: الحرة