وزير الإعلام السوري الأسبق الدكتور حبيب حداد: المجتمع المدني السوري في حال يرثى لها

87

منذ أن بدأت معظم البلدان العربية تحرز على استقلالها الوطني من السيطرة الاستعمارية المباشرة حوالي النصف الثاني من القرن الماضي كانت المهمة المصيرية والمباشرة التي يتوقف عليها كيان كل منها هي بناء دولة مدنية حديثة تواكب مسار التقدم الحضاري العالمي، ولم يكن مالك بن نبي إلا معبرًا خير تعبير عن هذه الحقيقة عندما رأى أن القابلية للاستعمار أشد خطرًا على مستقبل كل شعب من وجود الاستعمار المباشر.
وورثت البلدان العربية بعد استقلالها أنظمة حكم أو سلطات تتفاوت من حيث طبيعتها وقدرتها على بناء دول حديثة حسب بنية هذه الأنظمة الاجتماعية ومدى تمثيلها للحقوق والأهداف التي تطمح إليها شعوبها من جهة وعلى مدى وعي هذه الشعوب وبخاصة دور المجتمع المدني فيها من جهة أخرى، وإذا كان لنا أن نتحدث هنا عن واقع حقوق الإنسان- المواطن في أي من مجتمعاتنا العربية باتخاذ الميثاق العالمي لحقوق الإنسان الذي وضع عام 1948 والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والثقافية والاجتماعية المقر من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1966 مرجعيتنا في ذلك، فأننا نجد مع تفاوت بين بلدٍ وآخر أن حقوق المواطن ما تزال تواجه أشد سياسات الإهمال والتمييز والتنكر والحرمان وحتى الاستبداد والاضطهاد التي تتنافى وأبسط مقومات الكرامة الانسانية وسياسات التمييز على أساس عرقي أو مذهبي أو ثقافي أو ما يتصل بحقوق المرأة من حيث مساواتها وتمتعها بحقوق المواطنة الكاملة.
وليس من قبيل المبالغة ونحن في العقد الثالث من القرن الواحد والعشرين إذا اعترفنا أن هناك في العالم العربي اليوم سلطات، وهي معروفة للجميع ، ما تزال تمثل أنظمة القرون الوسطى.
وهذه الأنظمة ما تنفك بمناسبة وبغير مناسبة تعلن معارضتها القاطعة للميثاق العالمي لحقوق الإنسان بدعوى أن أحكام هذا الميثاق تتعارض مع ديننا وتراثنا و أصالتنا !!! ذلك لأن مثل هذه الانظمة بدل أن تكرس واجبها في خدمة شعوبها أساسًا فان سياساتها في مختلف المجالات إنما تستهدف تأييدها واستمرارها إلى أطول أمد ممكن.
من جهة أخرى، تلك هي الطامة الكبرى فإن السلطات الحاكمة في بلداننا العربية لا تحترم أو تتقيد بالدساتير التي وضعتها هي وخاصة فيما يتعلق بحقوق المواطن والحريات العامة أو الفردية.
كما أنها لا تعود إلى الشعب في القضايا الأساسية والمصيرية، كما هو الحال في الدول الديمقراطية، كي تأخذ رأيه من خلال عمليات استفتاء نزيهة.
إن بناء النظام الديمقراطي في أي بلد عربي وبخاصة في سورية اليوم التي تعيش محنة مصيرية تهدد وحدتها ووجودها يتطلب توفر ركنين أساسيين: أولهما مجتمع مدني قادر ومؤهل وثانيًا سلطة وطنية ينتخبها الشعب بطريقة حرة.
فالمجتمع المدني السوري اليوم في حال يرثى لها، نصف الشعب السوري مهجر أو نازح والمواطن السوري مشغول طوال يومه بتأمين لقمة العيش وإتقاء حمى الأمراض وقساوة الطبيعة وعشرات آلاف المعتقلين السياسيين لا يعرف مصيرهم حتى الآن، والقوى السياسية الوطنية معزولة ومضطهدة أما المعارضات السياسية في الخارج فكما أصبح معروفًا للجميع أضحت مجموعات مرتزقة مرتبطة بمختلف الجهات الإقليمية والدولية وهي التي أسهمت في كثير أو قليل بتحويل انتفاضة الشعب السوري من أجل الحرية والعدالة والديمقراطية إلى الحرب الأهلية المدمرة التي يعيشها اليوم نتيجة العسكرة والتطييف والتدويل حتى أصبح ذلك القول :بأن من أكبر حظوظ نظام الفساد والتخلف والاستبداد وجود مثل هذه المعارضة ، يردد في أكثر من مجال.
إن حقوق الإنسان في سورية لا يمكن أن تتحقق إلا في ظل نظام ديمقراطي حقًا، هذا النظام الذي يتطلب بناؤه وجود مجتمع مدني فعال وقادر.
والمجتمع المدني كما هو متفق عليه في علم الاجتماع السياسي يضم المنظمات والهيئات والنقابات المهنية والفكرية والثقافية التي ينتسب إليها المواطنون بملىء إرادتهم للدفاع عن حقوقهم كما يضم بطبيعة الحال الأحزاب السياسية التي هي خارج السلطة.
ومن هنا نخلص أن وجود مجتمع مدني فاعل في أية دولة يتطلب وجود طبقة وسطى مؤهلة بحجمها ووعيها على الاطلاع بدورها في إنجاح التحول والبناء الديمقراطي وكذلك في تدعيم أسس الاستقرار والتقدم في المجمع.
هذه الرؤية تقودنا إلى أن نتساءل : ما هو حال الطبقة الوسطى الآن في المجتمع السوري ؟؟؟ وما هو دور المجتمع المدني وكذلك المجتمع الأهلي ؟؟؟
تبقى هناك مسألتان تتعلقان بحقوق الإنسان في ظل النظام الديمقراطي المأمول أرى من المناسب تسليط الضوء عليهما في هذه العجالة:
أولهما ذلك الهجوم الذي يواجه به مفهوم الدولة الديمقراطية العلمانية نتيجة الجهل الفاضح وقصور الوعي الذي يربط بين العلمانية والإلحاد والذي يستخدمه أعداء الديمقراطية. إذ ليس هناك نظام ديمقراطي دون أن يكون علمانيًا بينما يمكن أن تكون هناك أنظمة علمانية دون أن تكون أنظمة ديمقراطية كما كان الحال في بلدان المعسكر السوفيتي قبل انهياره.
وثانيهما تتمثل في مواقف الإسلام السياسي في سورية من حقيقة الدولة الديمقراطية ومن حقوق المرأة.
بالنسبة للدولة الديمقراطية يشير إليها الإسلام السياسي بطريقة ملتوية بأنها الدولة المدنية لا الدولة التي يحكمها العسكر ؟؟؟ أما بالنسبة لحقوق المرأة التي يعتبر الإخوان المسلمون أنهم قد تطوروا في موقفهم من هذه المسألة فقد أعلنوا من جانبهم أنهم مع أن تتمتع المرأة بحقوقها كاملة ؟؟؟ طبعًا تعبير حقوقها كاملة لا تعني بأي حال من الأحوال المساواة في الحقوق بين الرجال والنساء في المجتمع.