13 عاماً على انطلاق الثورة… نظام يعرقل، معارضة حائرة وشعب مشتت

989

ثلاثة عشر سنة مرّت على انطلاق الثورة السورية وقبلها مسار طويل من التضحيات والاستبداد المُغلّف بادعاءات الاستقرار والأمن الذي يتطلّبُ رجلا واحدا يحكم البلد عقودا من الزمن ولما لا يورث الحكم لعائلة فقط يتصارع ذويها على الحكم داخليا ولا يمرّر لطرف آخر، فذلك النظام هكذا كانت نواياه توريث الحكم ومنع الشعب من ممارسة حقّه في القيام بانتخابات شفافة ونزيهة وإجراء انتخابات يشارك فيها مختلف الأطراف.

ولن يسلم في سوريا شيئا من الخراب والتدمير الممنهج سواءً من بلطجية النظام أو الفصائل المسلحة التي تفننت في التقتيل والتهجير القسري والاستيلاء على البيوت وسرقة قوت الفقراء والمحتاجين والتنكيل بالنساء في ظلّ سريان قانون الغاب وعجز المجتمع الدولي عن احتواء الصراع وفرض تطبيق القرارات الدولية وأّبرزها القرار 2254 والمضي نحو تطبيق العملية السياسية التي يرفض النظام الانخراط فيها متمسّكا بكرسيه.

مع نار الحرب، ارتفع استخدام الأسلحة الثقيلة ، واستغلت مختلفة الأطراف الفوضى واستعملت المدفعية والآليات المصفحة، وقصفت المدن وفي شهر مارس 2012 بدأ استعمال سلاح الجو لأول مرة عبر القصف بالمروحيات القتالية، فضلا عن استخدام البراميل المتفجّرة، ثم دخلت الطائرات للصراع في شهر يوليو من نفس العام، وغيرها من وسائل الترهيب والتخويف والحرب كان هدفها إسكات الأصوات الثائرة والحرّة وتكميم الأفواه بل وبلغ لأمر تسليح الثورة وتأجيج نار الفتن واللعب على وتر الأقليات والإثنيات والأعراق، كلها طرق كان هدفها إحباط تلك الثورة السلمية التي خرجت آمنة وسالمة وباتت مسلحة راح ضحيتها آلاف الأبرياء وآلاف النازحين والمهجرين، فلم يكن سهلا ماعاشه الشعب السوري فقد وصفت الأمم المتحدة الصراع بأكبر وأخطر حروب القرن الحالي .

المتابع للوضع السوري يعرف جيّدا مامرّت به الثورة من منعرجات وتحوّلات سياسية واجتماعية منذ 2012 ما أدّى إلى هذه النتيجة بعد تحقّق أهدافها في إقامة دولة ديمقراطية وعيش طعم الحرية التي هبّ الملايين من أجلها، والأبرز أنّ التعثرات والعراقيل التي نصبتها دولا إقليمية وغربية وأطراف معرقلة لا تريد الحل السياسي والسلام لسوريا لاعتبار أنّ الفوضى عنصر يخدمها، ويخدم مصالحها وسياساتها القمعية، فلم تهدأ تلك الأطراف بل دفعت بتأزيم الوضع وتعكّره وخلقت أجواءً لم تخدم الثورة بل صعّبت الحل.

المرصد السوري لحقوق الإنسان وانطلاقاً من دوره كمؤسسة حقوقية تعنى بالشأن السوري، وثّق (بالأسماء) مقتل واستشهاد 507567 شخص منذ انطلاقة الثورة السورية في 2011 من أصل ما لا يقل عن 617910 آلاف تأكد المرصد السوري من مقتلهم على مدار 13 عاماً.

وبسبب التقاعس في الحل السياسي الذي ينتظر أن ينهي حالة الحرب والانقسام وتقسيم البلد، يعاني.14.6 مليون سوري من الجوع نصفهم من الأطفال، في وقت تتضاعف فيه نسب الفقر بسبب انعدام مواطن الشغل وانهيار البنية التحتية والاستيلاء على الأراضي الزراعية سواءً من قبل الفصائل المسلحة أو شبيحة النظام، وقد دفع ذلك بانعدام الأمن الغذائي وقد حذرت الأمم المتحدة من كوارث إنسانية حقيقية وأمراض معدية ومجاعة بسبب عدم توفّر الطعام والمياه الصالحة للشرب ناهيك عن سياسة الحصار المفروضة غصبا والتي تمنع الأهالي من التنقّل حتى من قرية إلى أخرى أو من منطقة إلى أخرى، فذلك التنقل قد يكون سببا في الزج بهم وراء القضبان بسبب تهم ” من تتبع ولمن موالاتك”.

وتؤكد الأمم المتحدة في مختلف تقاريرها حول سوريا ان الجوع يطرق باب نصف السكان مع تفاقم الأزمة الاقتصادية وانهيار المؤسسات وتدميرها بسبب القصف والصراع ما أفقد الملايين فرص عملهم، ودفعهم إلى التهجير.

وحوّلت الحرب سوريا إلى أفقر دول العالم بنسبة 82.5 بالمائة ، دفعت الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش مرارا إلى إطلاق صيحات فزع، مشددة على أن الملايين من السوريين يقاومون من أجل البقاء على قيد الحياة، في معاناة هائلة للسكان المدنيين الذين تعرّضوا إلى انتهاكات جسيمة للقانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان..

فقد بات القانون الدولي الإنساني في حالة يرثى لها نتيجة التجاذبات الدولية ولعبة المصالح التي تسير سوريا إلى اليوم، فلكل دولة مصالحها الضيقة في هذا البلد المفكك، فتركيا التي تريد الشمال بتعلة حماية أمنها القومي وإيران تزرع المخدرات وتتحكم بمناطق واسعة عبر حزب الله وأذرعه الأخرى، وروسيا تُدبرُ أمر دمشق ومستقبل الدولة بالتشاور مع النظام، ودول أخرى إقليمية وغربية تتحكم بمستقبل البلد كالدمى، تلك التدخلات التي أنهكت البلد وعطّلت الحل السياسي بل دمرت العملية السياسية ومساراتها المختلفة التي برغم تنوعها لم تجد الطريق للاستقرار الشامل .

حصيلة الصراع على السوريين وسوريا لم تكن بسيطة بل كانت مؤلمة، فالألاف توزعوا بين مختلف الدول بين مهجرين وفارين من بطش الحرب والجوع والقتل، ولازال هؤلاء لايقدرون على العودة نتيجة انعدام البيئة الآمنة وعدم توفر الشروط اللازمة لعودة دون ملاحقات أمنية واعتقال وتنكيل، فالنظام يعتبر أغلب المهجرين قسرا من المعارضين، وبرغم الوعود لم يتحقق شيئا على أرض الواقع للرجوع من الدولة المستقبلة وخاصة تركيا التي يعاني فبها اللاجئون معاناة مضاعفة بسبب العنصرية والتحريض ولبنان بدورها التي يُعامل فيها اللاجئ بشكل لا إنساني ويلاحق بل ويحرم من ممارسة حياته الطبيعية بسبب التضييقات الكبيرة سواءً من الجيش أو مليشيات حزب الله أو حتى المواطن.

فإلى جانب التضييقات داخل البلد لم يكن السوري في وضع جيد خارج بلاده، فاغلب الدول المستقبلة للاجئين تنادي بضرورة التسريع بالحل لإعادتهم.

ومع تلك المآسي لايمكن تجاوز مأساة مايعيشه من هم بالداخل من النازحين بالمخيمات او حتى من ظلوا في ديارهم، فغلاء الأسعار نتيجة الأزمة الاقتصادية والعقوبات الدولية أثقلتهم وصعبت الحصول على رغيف يسدي جوعهم.

وحتى المساعدات الإنسانية باتت محاصرة بعد إغلاق أغلب معابر عبورها والاكتفاء بمعبر باب الهوى فقط الذي تتناقش حوله الدول كل ست أشهر لاستمرار عمله ويستخدم فيه الفيتو لتمرير الغذاء والدواء لملايين البشر الذين حوصروا بفعل الصراع.

سياسة التجويع التي ساهمت فيها دولا كثيرة على غرار روسيا والصين، تلك الدول المتحكمة في مجلس الأمن، دفعت إلى مجاعة ضربت جهات بسوريا فضلا عن الأمراض المتصلة بنقص التغذية، وقد تحدثت الأمم المتحدة مرارا على ذلك ونددت بالتنكيل بالأهالي بتلك الطرق، لكن الدعاوى الدولية والنداءات لم تجد التفاعل الرسمي سواءً من قبل دمشق أو من يدعمها للتسريع في حلحلة الصراع والامتثال للقرارات الأممية بعد 13 عاما من التذبذب والانقسام.

برغم ذلك التعنت من النظام، تصر المعارضة المعترف بها دوليا، على الجلوس مع النظام لإيجاد سبل الحل التي تبدأ مع القرار2254، وضرورة المحاسبة على كل المآسي الإنسانية والبراميل المتفجّرة والقصف الجوي والبري وهدم المنازل والتنكيل بالشعب بسبب مطلب الحرية، وتتمسك المعارضة بمطلب المحاكمة الدولية على أساس القوانين الدولية العادلة بعيدا عن التشفي والنقمة، وتؤمن أن إنهاء الحرب بابه التشاور والتفاوض وقبول تنفيذ القرارات الدولية ومختلف مساراته المتمثلة في كل السلال من بينها اللجنة الدستورية بكتابة دستور يعبر عن كل المكونات ويحوي الجميع باختلافاتهم دون إقصاء وتهميش باستثناء من تلطخت اياديهم بدماء الأبرياء.

ومع التعطيل في ملف الأزمة السورية برغم مأساوية الوضع والانهيار التام، لازالت مساعي المعارضة والحركة الديمقراطية في الداخل والخارج لإعادة إحياء الملف الذي يبدو أنه لم يعد أولوية في الجدول الدولي بل بات على الرف بإمكانه الانتظار خاصة مع الحرب على قطاع غزة والحرب الروسية-الأوكرانية، لكن المعارضة السورية التي تمثل لسان محال شعبها المشتت تنوي تقديم طلب لمجلس الأمن للحديث عن التعطيل والتعكير في مسار الأزمة، فحتى المبعوث الأممي غير بدرسون أصبح عنوانا لأزمة بسبب انحيازه للنظام علنا وعدم قدرته على التقدم وإنجاز ما جاء من أجله لا عبر مبدأ خطوة-خطوة ولا غيرها.

وحتى نساء سوريا لم يسلمن كن هول الانتهاكات ووثق المرصد مقتل 15671 منهن بالأسماء على يد مختلف الأطراف فقد كن الحلقة الأضعف في النزاع، وتداولت مختلف الأطراف المتناحرة على التنكيل بهن وتقتيلهن واغتصابهن واستغلالهن في العمل بأجر زهيد وساعات عمل طويلة، في صورة تجسد مشاهد دراماتيكية واقعية الفرق بينها وبين تلك التي تمرر عبر الشاشة أنها لم تتوثق وتصور، فحتى المحتمع الدولي والجمعيات النسوية حاولت اول الحرب إيلاء الأهمية لهن بسبب تلك التجاوزات الجسيمة لكن سرعان ماتبخرت وبتن قضية ثانوية تذكر في اليوم العالمي للمرأة .

وقد تقمص السوريات دور المعيل وتم استغلالهن بشكل بشع لكنهن لم يتوقفن عن دعك أسرهن والعمل في ظروف صعبة لتوفير لقمة العيش، وكان ثمن ذلك التعب والتضحية أزمات نفسية وصدمات حذرت منظمات من خطورتها عليهن مستقبلا.

وكما لا يمكن التغاضي عن دور النساء في الثورة السورية حين نزلن إلى الشوارع مطالبات بعيش كريم وعمل يليق بهن ويحفظ كرامتهن، وكنّ في الصفوف الأمامية في ساحات النضال وتحمّلن مسؤولية مواقفهن وأراءهن حيث واجهن الاعتقال والخطف والتخويف والتعذيب لكنهنّ لم يخشين السلطة بقوتها وتحدّين التنظيمات المسلحة بعنفها وإرهابها

وحتى الأطفال كانوا هم الضحايا الأبرز والأكبر ، فقد حرمهم الصراع من التمدرس وماتوا منقطعين عن التعليم في سن مبكر أُجبروا خلاله على العمل بشكل في قانوني لمساعدة الأهل والمساهمة في توفير أساسيات الحياة، وكانوا ضحايا للتجنيد وما من يوضعون في مخيم الهول الا دليل بسيط، فقد عاشوا الرعب والخوف وكبروا على صوت القصف والمدافع واستغلوا من قبل الفصائل المسلحة كلصوص وجواسيس ومخبرين وكانوا أيضا ضحايا للمخدرات التي عمت جل البلد.

ويخشى السوريون من سيناريوهات المصالح وتقاسمها التي يفترض أن تطالب بها كل دولة محتلة تمركزت سنوات وسقط جنودها قتلى في الصراع ، فخروجها وفق تكتيك سياسي محبك لن يكون مجانيا ودون مقابل، وإن كان جميعها اليوم يتشدق بتحرير سورية من الإرهاب وبسط الاستقرار وتكوين سلطة موحدة لا سلطات في مناطق مختلفة.

والتزاما منا في المرصد السوري لحقوق الإنسان بالحق في العيش في بيئة آمنة، نجدد الدعوات إلى تنفيذ القرارات الدولية وأّبرزها القرار 2254، ونحذر من من سياسة التنكيل بالإنسان في كرامته وقوته ومواقفه مهما كانت، وتشدد على أن المواقف سواء المساندة أو المعارضة تخص صاحبها فقط، ويجب ألاّ تمس حياة الناس وكرامتهم ومعيشتهم وطموحهم في بلد يبحث أهله عن الحرية والعيش بكرامة.

ويجدد المرصد التأكيد على أهمية وحدة سوريا أرضا وشعبا بعيدا عن دعوات التقسيم، ويؤكد ام استقرار بلدنا يبدأ من مغادرة القوى الأجنبية المحتلة التي تعرقل مسار الحل بل تساهم في زعزعة الأمن وبث الفوضى والفتن لاعتبار استفادتها من الصراع.

ويدعو المرصد إلى محاسبة كل من تلطخت اياديه بدماء الشعب، ويؤكد أن المحاكمة هي أساس بناء وطن حر ومتسامح.

ويدعو المجتمع الدولي إلى التسريع في إيجاد الحل للمعتقلين والمختفيين قسريا والمغيبين لاعتبار الملف أساس الحل فلا استقرار دون معرفة الأهالي مصير أبنائهم.

ويجدد المرصد دعوته إلى التسريع بالحل لضمان عودة آمنة للاجئين خاصة من لبنان وتركيا.

ويتمسك المرصد ككل منظمة حقوقية سورية بالثورة الشعبية السلمية التي تم تسليحها لبث الفوضى وإبعادها عن أهدافها.