تحت الضغط والإكراه.. موظفو “الهيئة العامة للزكاة” يجبرون المواطنين في إدلب على دفع الإتاوات

تحت ذريعة "الزكاة ".. هيئة تحرير الشام تفرض الضرائب والإتاوات على المدنيين في إدلب

61

تواصل “هيئة تحرير الشام” تطبيق سياسة التضييق على مصادر دخل المدنيين ضمن المناطق الخاضعة لسيطرتها من خلال عدة طرق ووسائل من بينها ما تعرف باسم “الهيئة العامة للزكاة” التي تتولى مهمة جمع الضرائب والإتاوات تحت مسمى “الزكاة” من المزارعين والتجار والصناعيين وأصحاب المحلات والمشاريع الصغيرة، دون الأخذ بعين الاعتبار الأوضاع المعيشية الصعبة التي يعاني منها سكان المنطقة وغلاء الأسعار وشح المساعدات الإنسانية.
وتأسست “الهيئة العامة للزكاة” في إدلب مطلع العام 2019 كمؤسسة تتبع “لوزارة الأوقاف” في “حكومة الإنقاذ” لكنها بعد ذلك ادعت استقلاليتها وانعزالها عن الحكومة لتصبح جهة مستقلة ولا تتبع لاي جهة مدنية أو عسكرية أو سياسية في المنطقة وتعمل بكوادرها المنتشرة في معظم مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام على ملاحقة أصحاب المحلات والصناعيين والمزارعين لتفرض عليهم الضرائب بشكل دائم، ويختلف توقيت دفع الضرائب ما بين شهري وسنوي، أما بالنسبة للمزارعين فإن الدفع يكون عند موسم جني المحاصيل سواء كانت صيفية أو شتوية إضافة لجميع أنواع الثمار والأشجار.
ويشتكي المدنيون من تجار وصناعيين ومزارعين في مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام من إجبارهم بالقوة على دفع هذه الضرائب المفروضة عليهم بحجة “زكاة المال”، ومن ناحية أخرى يشتكون من سوء معاملة الموظفين العاملين على جمع الضرائب، كما ويتساءلون عن مصير المبالغ الكبيرة التي يتم جمعها وعن آلية تصريفها وما إذا كانت تعود بالفائدة على المنطقة أم لا، وعن مدى وجود شفافية ومصداقية في توزيع هذه الأموال على العائلات المحتاجة كما تدعي “الهيئة العامة للزكاة”، وكما تحاول أن تظهر عبر معرفاتها على مواقع التواصل الإجتماعي.
وأفادت مصادر المرصد السوري لحقوق الإنسان، بأن الأموال التي يتم جمعها من الضرائب والإتاوات في إدلب تقدر شهرياً بعشرات آلاف الدولارات، يتم جمعها من التجار وأصحاب الشركات والمحلات والصناعيين والمزارعين، يذهب جزء منها لإقامة مشاريع إغاثية ولدعم فئات معينة وحالات معينة من المدنيين مثل تقديم منح مالية للمصابين و “لذوي الاحتياجات الخاصة”، والعائلات التي تعيش دون معيل إضافة لتقديم منح مالية لفئة من طلاب الجامعات كالطلاب الذين يعانون من صعوبات في دفع أقساط الدراسة.
وأضافت المصادر، أن قسم آخر يذهب كفالات مالية لعناصر هيئة تحرير الشام المتواجدين على خطوط التماس مع قوات النظام السوري وتقدر هذه المنح ما بين 1000 إلى 1500 ليرة تركية توزع على فترات متباعدة وليس لها علاقة بالرواتب الشهرية التي تقدمها هيئة تحرير الشام لعناصرها، أما الجزء الآخر يتم توزيعه مبالغ مالية على العائلات النازحة وهناك مقاييس ومعايير متبعة لذلك مثل أن تكون العائلة غير قادرة على دفع إيجار المنزل أو عائلات شهداء تتكون من أطفال وغيرها من المعايير المتبعة.
وأشارت المصادر أن ما تسمى “زكاة الثمار” مثل الزيتون فيتم تخيير العائلات المستفيدة بين الحصول على كمية معينة من الزيت او الثمار أو ما يعادلها من المال من قبل موظفي “الهيئة العامة للزكاة”، وتقوم كوادر الهيئة بإجراء جولات على منازل وخيام المدنيين لتقديم المساعدات وتعمل على نشر وتوثيق أعمالها من خلال تصوير مقاطع فيديو وصور فوتوغرافية ونشرها عبر الصفحة الرسمية لها على “الفيسبوك”، لتبين بأنها تعمل بشفافية وبشكل مؤسساتي رسمي وأن جميع ما يتم أخذه يعاد توزيع على الفئات المتضررة ضمن مناطق إدلب وريفها شمال غربي سوريا.
ويتحدث الناشط (ع.أ) المقيم في ريف إدلب الشمالي للمرصد السوري لحقوق الإنسان قائلاً، إن ما تعرف باسم”الهيئة العامة للزكاة” تعتبر أحد أذرع “هيئة تحرير الشام” في المنطقة وبواسطتها يتم جمع الضرائب من المزارعين والتجار والصناعيين وتشكل هذه الأموال مصدر تمويل مهم بالنسبة لهيئة تحرير الشام وتقوم هذه الهيئة بنشر إحصاءات سنوية لحجم المبالغ التي يتم جمعها وهي بمئات آلاف الدولارات.
ويوضح، بالرغم من محاولات “الهيئة العامة للزكاة” إظهار الشفافية في نقل هذه الأموال من ما تسميهم “الأغنياء” إلى “الفقراء” لإحداث توازن في الأوضاع المادية ولدعم الفئات الهشة مثل “ذوي الاحتياجات الخاصة” و غيرهم، إلا أن الحقيقة أن القسم الأكبر من هذه الأموال يذهب لصالح تمويل الجانب العسكري وتدعيم نقاط التماس وشراء وتصنيع الأسلحة ودفع رواتب العناصر، أما ما يتم توزيعه ونشره إعلامياً فهو جزء قليل من هذه الأموال.
مشيراً، إلى عدم استبعاد أن تذهب مبالغ كبيرة إلى جيوب القياديين البارزين لدى” هيئة تحرير الشام”، أو لإقامة مشاريع استثمارية تابعة لها وبغطاء مدني كما يحدث حالياً فعلياً من وجود عشرات المشاريع التي تعرف محلياً بتبعيتها “لهيئة تحرير الشام”، من مطاعم ومسابح وملاعب كرة قدم ومقاهي ومحطات محروقات في كل من ريفي إدلب الشمالي والغربي.
كما ويؤكد، بأن هناك طريقة “غير أخلاقية” في تعاطي موظفو “الهيئة العامة للزكاة” مع المدنيين ولاسيما خلال جمع ما تسمى “زكاة القمح” مؤخراً، حيث شاهدنا كيف يرافق الموظفون الحصادات وينتظرون انتهاءها من جني محاصيل القمح لأخذ الضرائب بشكل فوري، كما ومن المعلوم استياء المدنيين خلال مواسم الزيتون وانتشار كبير للموظفين برفقة عناصر “جهاز الأمن العام” على أبواب معاصر الزيتون، فضلاً عن شكاوى من عدم معرفة الموظفين حتى في موضوع “نصاب الزكاة” المحدد في “الشرع الإسلامي”، والعديد من الملاحظات الأخرى.
أما المزارع (ح.م) من منطقة سهل الروج في ريف إدلب الغربي يتحدث للمرصد السوري لحقوق الإنسان، عن التدقيق و المضايقات التي مارسها موظفو “الهيئة العامة للزكاة” أثناء حصاد موسم القمح للعام الجاري، يقول، مع بداية موسم حصاد القمح بدأت فرق “الهيئة العامة للزكاة” بالانتشار في حقول القمح ترافق الحصادات وأصحاب الأرض وتنتظر الانتهاء من جني المحصول لأخذ النسبة منه تتراوح ما بين 5 إلى 10 بالمئة من كامل المحصول.
مضيفاً، يتعمد الموظفون إظهار الجدية بالعمل وعدم التحدث مع المزارع ويتعاملون بطريقة قاسية مع المزارعين حتى لا يحدث هناك رفض لدفع الضرائب والتي تسمى “زكاة الزروع”، علماً أن من عادة المزارعين في سوريا الالتزام بدفع الزكاة كأحد فرائض “الدين الإسلامي”، لكن الطريقة التي يتعامل بها موظفو “الهيئة العامة للزكاة” ليست بالأخلاقية، وقد حدثت عدة مشاكل مع المزارعين أثناء جني محصول القمح.
كما ويبين بأن هناك فئة من الموظفين يعتقد أنهم موظفون “بالواسطة” ” على حد تعبيره”، ولا يعلمون أساساً حتى قيمة نصاب “زكاة القمح”، وقد أرسلوا العديد من المزارعين لدفع ما عليهم في مقر المديرية بسبب عدم معرفة بعضهم “بالنصاب”، هذا وفضلاً عن التهديد بمصادرة المحصول لمن يحاول أن يدفع “الزكاة” خارج “الهيئة العامة للزكاة”.
وقد يصل الحال ببعض المدنيين حتى من العائلات الفقيرة رفض استلام المساعدات المالية التي تقدمها “الهيئة العامة للزكاة”، بسبب علمهم بأنها أخذت تحت الضغط والإكراه من المدنيين، كما حدث مع الشاب (س.م) من ريف حماة الغربي والمقيم في إحدى قرى منطقة جسر الشغور في ريف إدلب الغربي، في العام الفائت 2021.
وفي شهادته للمرصد السوري لحقوق الإنسان، يقول، بأنه رفض استلام مساعدة وهي عبارة عن 20 كيلو غرام من زيت الزيتون رغم أنه يعيل سبعة أطفال ويعاني من الفقر الشديد، فبعد أن تم جمع “زكاة الزيتون” من المدنيين بدأت فرق “الهيئة العامة للزكاة” حينها بتوزيع كميات من الزيت على العائلات التي تعاني من ظروف معيشية صعبة، لكن وبعد وصول الموظف لباب منزله رفض المساعدة مبرراً بأنه ليس بحاجتها، ويرفض (س.م) أخذ أي مساعدة من “الهيئة العامة للزكاة” لأنه يرى بأنها تأخذ هذه الأموال من التجار والمزارعين بالقوة وليس بموافقتهم وهذا يخالف الأخلاق الإنسانية”على حد تعبيره”.
ويجدر بالذكر أن الأوضاع المعيشية والمادية تتفاقم بشكل كبير في مناطق إدلب وريفها الخاضعة لسيطرة “هيئة تحرير الشام”، من تفشي البطالة وشح المساعدات الإنسانية وغلاء كبير في أسعار المواد الأساسية يقابله غياب الاهتمام من قبل الجهات المعنية في رفع مستوى الحالة المعيشية، ويعزو الكثير من المدنيين والنشطاء سبب ذلك بتحكم وهيمنة “هيئة تحرير الشام” على جميع النواحي الاقتصادية في المنطقة وفرض الضرائب وسياسة الاحتكار ما يزيد من الصعوبات بوجه المدنيين.