“تستاهلوا ألف بشار”.. حملات عنصرية وخطاب كراهية يؤرق وجود السوريين في تركيا ويزيد من معاناتهم

67

منذ بداية الثورة في سوريا في العام 2011، كانت تركيا الوجهة الرئيسية للسوريين هرباً من الانتهاكات التي ارتكبتها قوات النظام والميليشيات المساندة لها بحق المدنيين، فأبدت السلطات التركية وشعبها بداية ترحيباً بالسوريين الذين تضاعفت أعدادهم مع مرور الوقت، وعلى مدار السنوات تغير تعاطي مسؤولين أتراك وموقفهم من قضية اللاجئين السوريين ومعهم في ذلك شريحة واسعة من الشعب التركي.
خطاب الكراهية والحملات العنصرية بدأها مسؤولون أتراك منذ السنوات الأولى من تاريخ لجوء السوريين في تركيا، حيث بدأت تظهر هذه الخطابات من قبل زعماء المعارضة التركية، إضافة لخطابات لا تقل عنصرية عنها صدرت من قبل مسؤولين في الحزب الحاكم “العدالة والتنمية”، وانعكست هذه الخطابات على الشارع التركي وزادت حدة الاحتقان لدى شريحة واسعة من الشعب التركي الرافض لوجود السوريين بدعوة أن وجودهم قد قلص من فرص العمل وساهم في تراجع الاقتصاد التركي وغيرها من الذرائع المنتشرة في الأوساط التركية،
ويعاني السوريون اليوم من تبعات هذا الخطاب العنصري، وبرزت حملات عنصرية وتضييق، يعيشها السوريون إلى الآن لحد وصل لدرجة أن الكثير منهم يرى بأن تركيا لم تعد المكان المناسب والآمن لوجود اللاجئين السوريين، بسبب شدة التضييق الممارس عليهم وزجهم في جميع المشاكل والأحداث الداخلية، وكانت آخر هذه الحملات العنصرية في حي الفاتح وسط مدينة إسطنبول التركية، حيث تداول ناشطون ورواد مواقع التواصل الإجتماعي صوراً تظهر كتابات على منازل لاجئين سوريين دعت لطرد السوريين من تركيا، وكتبت عبارة ” أطردوا السوريين” وعبارة ” أطردوا العرب”.
المرصد السوري لحقوق الإنسان، استطلع آراء العديد من السوريين في مختلف المدن التركية للوقوف على هذه القضية ومدى وجودها، بعد سنوات عديدة من عمر اللجوء هناك.
رغم أن قرار فصل المدرسين السوريين قد طاله إلا أن الشاب ( خ.م) “33 عاماً” لا يسلم من العنصرية التي تمارس بحق السوريين في مدينة الريحانية التركية، ولم يسلم أيضاً مما يصفها “النظرة الدونية” التي ينظر لها السوريين من قبل الكثير من الأتراك في المدينة، وعن ذلك يتحدث في شهادته للمرصد السوري لحقوق الإنسان قائلاً، أنه ينحدر من ريف حماة الغربي وقد لجأ لتركيا في العام 2013 وعمل منذ العام 2017 كمدرس للمرحلة الإبتدائية قبل أن يطاله قرار فصل آلاف المدرسين السوريين في تركيا.
مضيفاً، أن الطريقة التي يتعامل بها الأتراك حالياً مع السوريين عنصرية بحتة بحيث لا يمكن للسوري الدفاع عن حقه بأي شكل من الأشكال، بسبب الخوف من الترحيل وهو أصعب ما يواجه السوريين في تركيا، وقد طرأ على المعاملة من قبل الشعب التركي للسوريين الكثير من التغيرات بعكس ما كان عليه الحال في الأعوام الأربعة الأولى.
ويتابع في الآونة الأخيرة ظهرت حالات استفزاز مباشر للشبان السوريين على وجه التحديد خصوصاً في القرى الريفية، وذلك من أجل افتعال مشاكل ليتم ترحيلهم على إثرها، ولم يعد أحد من السوريين يجرؤ على الخروج ليلاً بمفرده، بسبب حالات المشاجرة مع الأتراك والترصد للشبان السوريين على الطرقات وهذا لم يكن موجوداً قبل عدة سنوات لكن تزايد مؤخراً.
ويوضح أيضاً، بأن فئة الشباب هي الأكثر عرضة للتعرض لحملات العنصرية والطريقة الغير أخلاقية التي يتعامل بها الكثير من الأتراك مع السوريين، بسبب ما يسمونه بسرقة الشباب السوريين لفرص عملهم وإشغال الكثير من الوظائف علماً أن الغالبية من السوريين يعتمدون على أنفسهم في تأمين جميع متطلباتهم ولا تتحمل الحكومة التركية أي أعباء سواء من تمريض أو دراسة أو دعم غذائي.
ويعتقد (خ.م) أن هناك دور للخطابات العنصرية التي صرح بها المسؤولون الأتراك على طول عمر الأحداث السورية، فهي سهلت الطريق وأعطت ضوء أخضر للأتراك بأن يمارسوا التضييق على السوريين وساهمت لحد كبير في تأجيج الشارع التركي ضد اللاجئين السوريين.
أما ( ع.ش) “60 عاماً” فبات يخشى على أولاده من تقلب مزاجية الأتراك وكثرة مشاكلهم التي يفتعلونها مع السوريين، وفي حديثه للمرصد السوري لحقوق الإنسان يقول، أنه اضطر للخروج من مدينة حماة منذ العام 2011 بعد أن أرسلت دعوات لأحد أبنائه للالتحاق “بخدمة العلم” حيث بقي مع جميع أفراد عائلة المكونة من ستة أفراد في الشمال السوري لمدة عام كامل، ثم توجه إلى تركيا وهناك بدأ أولاده بالعمل في مجال المياومة اليومية في الأراضي الزراعية ضمن ولاية هاتاي التركية، ثم توجهوا للعمل في مناطق أخرى مثل اسطنبول و أنطاليا ضمن معامل تصدير الخضار.
مضيفاً، في الآونة الأخيرة بدأ يخاف على ولديه الذين تتراوح أعمارهما بين 25 و18 من الشبان الأتراك الذين تكثر مشاجراتهم مع السوريين، بسبب رفضهم لهم وكرههم لوجودهم وعلى أي حال فإن الخاسر في هذه المشاجرات إن حدثت هم السوريين الذين لا تتوانى السلطات التركية عن ترحيلهم دون أي محاكمات عادلة، واصفاً هذه الحالة بلسان حاله بالقول ” الحق رح يكون على السوري شو ما كانت القصة لأن أسمو لاجئ يعني درجة عاشرة”.
ويلفت إلى أن ليس جميع الأتراك على نفس السوية في تعاملهم مع السوريين، لكن الغالبية منهم تغيرت معاملتهم نحو الأسوأ مستندين على انحياز القانون التركي معهم ولعدم امتلاك غالبية السوريين أوراق تضمن حقوقهم حتى على مستوى العمل، فلا وجود لعقود رسمية تضبط الأتراك وتمنعهم من التعدي على حقوق اللاجئين السوريين.
مؤكداً أن أبنائه والعديد من السوريين الذين يعرفهم بشكل شخصي وقعوا ضحية سرقة حقوقهم المالية من أرباب العمل ضمن المعامل والأراضي الزراعية وبمبالغ كبيرة حيث تم سرقة مبلغ 22 ألف ليرة تركية مؤخراً لأبنائه من قبل امرأة تركية تدير ورشة للعمل في معامل تصدير الخضار.
ويعرب عن أسفه لما وصل له حال السوريين من الاستضعاف في تركيا، ولعدم وجود أي جهات تنصفهم وتدافع عن حقوقهم ولعدم تحرك الحكومة التركية لوضع حد لكل ما يجري من تضييق على السوريين في تركيا وحرمانهم من أبسط حقوقهم، فلم يعد يتعامل معهم الشارع التركي كلاجئين بل يعتبرون عبء على كاهل تركيا بالنسبة لكثير من الأتراك.
بدورها ترى السيدة (أ.م) “40 عاماً” أن النظرة التي يملؤها الاستخفاف والاحتقار تلاحق السوريين في كل مكان تواجدوا فيه بتركيا سواء في الشارع أو الأسواق أو المحلات التجارية أو مؤسسات الدولة وحتى من صاحب المنزل والجيران وغيرهم فقط لكونهم يعيشون بخلاف ماهو عليه حال الكثير من الأتراك فالسوريين يعملون ويشترون كل ما تشتهي أنفسهم ولا يوفرون شيئاً الأمر الذي ينظر له الأتراك بأنه دعم تقدمه الدولة لهم.
وفي شهادتها للمرصد السوري لحقوق الإنسان تقول، أن غالبية اللاجئين السوريين يعملون أعمالاً مضاعفة عن الأتراك، ويتحملون المشاق من أجل توفير لقمة عيشهم ولكنهم لا يفضلون تكنيز الأموال بل يصرفونها بشراء كل ما يحتاجونه وهذا الأمر غير مألوف لدى الكثير من الأتراك لذلك ينظرون للسوريين على أن لديهم أملاك ضخمة، علماً أن أجور العمال السوريين في تركيا هي أقل من نصف الأجور التي يتقاضاها الأتراك وكذلك الموظفين أيضاً، ولقد وصل الحال لحد لم يعد يحتمل من النظرة العنصرية تجاه السوريين فهم محاطون بالمراقبة أينما توجهوا.
وتضيف، هناك تعامل شديد مع السوريين يتضح من خلال الشارع والسوق والتعامل اليومي مع الأتراك، وكأن الفرد منهم يريد أن يقولها بشكل صريح ويطالب بطرد السوريين لكن لا نعلم ماهو السر وراء كل ذلك علماً أن هناك مناطق في تركيا تحسنت لدرجة كبيرة بعد دخول السوريين إليها مثل مدينة الريحانية التي افتتح بداخلها عشرات المحلات والمولات والمطاعم الخاصة بالسوريين.
وتتابع حديثها قائلة، عندما دخلت مع عائلتها في العام 2012 عبر الشريط الحدودي من ناحية أطمة استقبلهم عناصر حرس الحدود “الجندرمة” وقدموا لهم الطعام وساعدوهم في حمل الأمتعة وبقيت الأمور تسير بشكل طبيعي، حتى بدأت تتغير بشكل كبير وسريع لاسيما منذ العام 2015 حيث بدأ الكثير من الأتراك يفضل أن يبتعد عن السوريين وحدثت خلال هذه الفترة الكثير من المشاكل والخلافات بين سوريين وأتراك بسبب التعامل العنصري والنظرة السلبية بحقهم.
وتشير بأن أصغر كلمة ممكن قولها للسوريين اليوم من قبل الكثير من الأتراك “تستاهلوا ألف بشار”، وهذه كلمة سمعناها كثيراً منهم على أتفه الأسباب وأصبح ليس من حق السوري الدفاع عن نفسه ويجب عليه السكوت والقبول بالواقع الذي يعيشه لأنه يرى بأن العودة للشمال السوري التي انحصر فيه تواجد السوريين المعارضين للنظام صعب جداً بسبب الأحوال المعيشية الصعبة.
استخدام قضية اللاجئين السوريين كورقة بيد المسؤولين الأتراك سواءً من الأحزاب المعارضة أو حزب “العدالة والتنمية” الحاكم” تستخدم في كسب الحاضنة الشعبية وإقناع الشعب التركي بالأفضلية فخرجت منذ بداية التواجد للاجئين السوريين في تركيا العديد من التصريحات والإجراءات التعسفية والغير قانونية ضدهم وانعكست هذه التصريحات على الشارع التركي الذي ضاعف من تضييق على السوريين ونظرته العنصرية تجاههم.
هكذا يصف الناشط ( أ.خ) المقيم في تركيا حال السوريين في ظل اللجوء بتركيا، وفي شهادته للمرصد السوري لحقوق الإنسان يقول، بالنسبة للتصريحات الممزوجة بالعنصرية وخطاب الكراهية فقد بدأت من الشخصية الأرفع في الدولة فلم يترك الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” محفلاً أو اجتماعاً جماهيرياً أو مناسبة او مؤتمراً صحفياً خلال السنوات الأخيرة إلا وذكر فيها ما يصفه بدور تركيا في احتضان أربعة ملايين لاجئ سوري وحسن استقبالهم وتأمين سبل الراحة لهم.
مضيفاً ولا ننسى أيضاً المنتمي لحزب الشعب الجمهوري المعارض ورئيس بلدية بولو التركية”تانجو اوزجان” الذي طالب بأن يدفع السوريون فواتير كهرباء ومياه شرب مضاعفة 10 مرات عن الأتراك، فضلاً عن التصريحات العنصرية التي أطلقها زعيم الحزب “كمال كليجدار أوغلو” والتي تعهد فيها بإعادة السوريين إلى بلدهم في حال وصل إلى كرسي الحكم في تركيا.
ويشير ( أ.خ) إلى حالة العداء التي يكنها الكثير من المسؤولين الأتراك للسوريين ومن جهة ثانية التصريحات الرسمية التي تصدر عن مسؤولي الحزب الحاكم حالياً” العدالة والتنمية” فهذه التصريحات أسهمت لحد كبير في تأزم حالة العنصرية ضد اللاجئين السوريين الذين يعانون الأمرين حالياً نتيجة وجودهم الغير مرغوب به في تركيا.
ويلفت إلى ضرورة أخذ المنظمات الدولية والدول ذات النفوذ دورها في حث الحكومة التركية على مواجهة العنصرية ضد اللاجئين السوريين وعدم تعرضهم للإيذاء النفسي والجسدي فهم متواجدون ضمن حق مشروع لهم باللجوء بسبب الحرب المستعرة في سوريا وعلى جميع الأطراف السياسة التركية احترام حقوق اللاجئين.
ويؤكد على أهمية أن يبادر النشطاء السوريون في تركيا بإطلاق حملات ضد العنصرية التي تمارس بحقهم وأن يوصلوا صوت السوريين للعالم ويبينوا حقيقة ما يجري من ضياع لحقوق اللاجئين السوريين في تركيا فمن المفترض أن تؤمن “بطاقة الحماية المؤقتة” التي يحملونها جميع حقوقهم كلاجئين.
وكانت الحكومة التركية قد اتخذت سلسلة من الإجراءات الجائرة بحق اللاجئين السوريين في تركيا خلال السنوات القليلة الماضية مثل حرمان آلاف المدرسين السوريين من التعليم وفصلهم رغم أنهم يعملون ضمن اتفاق مبرم مع منظمة “اليونيسيف” ويتلقون الدعم منها، إضافة لقرار منع دخول مرافقة مع المرضى السوريين الذين يتم إسعافهم عبر المعابر الحدودية، وقرار آخر يقضي بسحب “بطاقة الحماية المؤقتة” من المرضى السوريين ضمن المشافي التركية وحرمانهم من حق العلاج المجاني، والعديد من القرارات الأخرى.