نظام الأسد يشتري الوقت.. اللجنة الدستورية السورية “صفر نتائج”

24

يدخل اليوم الثالث لجلسات الجولة الرابعة من اجتماعات اللجنة الدستورية السورية بنتائج صفرية، فوفد المعارضة غير قادر على إحراز أي اختراق بالمهام التي يذهب من أجلها إلى جنيف، وفي المقابل يعمل وفد النظام السوري على شراء الوقت وتضييعه، معتمدا بذلك على سياسة “الإغراق بالتفاصيل”.

وعلى خلاف التفاصيل المتعلقة بجدول الأعمال المتفق عليه للجولة الرابعة، اتجه وفد النظام في الأيام الثلاثة الماضية إلى طرح مواضيع خارج المهمة المنوطة باللجنة الدستورية، وعلى الرغم من كونها قانونية، إلا أنها مواضيع فوق دستورية، وليست خاضعة للمفاوضات، أبرزها موضوع اللاجئين السوريين، والتي تروج روسيا ومعها النظام لعودتهم، وكانتا قد عقدتا مؤتمرا تحت اسمهم في العاصمة دمشق، في نوفمبر الماضي. 

وتعتبر اللجنة الدستورية السورية من مخرجات مؤتمر “سوتشي” الذي عقدته روسيا في مطلع عام 2018، ويعول عليها في وضع دستور جديد لسوريا، وتحظى بدعم ورعاية من الأمم المتحدة، والتي تراها الطريق الوحيد للوصول إلى الحل السياسي، بحسب رؤية مبعوثها إلى سوريا، غير بيدرسون. 

رؤية بيدرسون تأتي من منطلق أن اللجنة هي المسار السياسي الوحيد الذي يجمع شخصيات من المعارضة والنظام والمجتمع المدني أيضا، لكن وبالنظر إلى واقعها الحالي، فلم تحرز أي تقدم على صعيد كتابة الدستور، والذي من المفترض أن تتم مناقشة مبادئه في الجولة الخامسة المزمع عقدها، في يناير العام المقبل. 

“مناقشة فضفاضة”

ما بين الجولة الأولى للجنة والجولة الرابعة هناك أكثر من عام، بينما يبدأ العد التنازلي لأقل من خمسة أشهر بين اليوم وموعد الانتخابات الرئاسية المقبلة في سوريا، وهنا تكمن محاولات وفد النظام السوري في شراء الوقت، وإغراق الجلسات بالتفاصيل، التي لم تخرج حتى الآن من إطار “الثوابت والمبادئ الوطنية”. 

جدول الأعمال الذي تتم مناقشته حاليا في رابع الجلسات يعتبر استكمالا للجولة الثالثة، وينحصر في مناقشة “المبادئ والأسس الوطنية”، حسب ما يقول، طارق الكردي، عضو اللجنة عن وفد المعارضة في جنيف. 

ويضيف الكردي في تصريحات لـ “موقع الحرة”: “منذ انطلاق العملية الدستورية ونحن ننظر بإيجابية ونتعامل معها بمسؤولية وطنية، لإدراكنا لمعاناة الشعب السوري ورغبتنا في المساعدة لرفعها، وذلك يتطلب الوصول إلى الحل السياسي”.

ويوضح عضو الوفد أنهم ذهبوا إلى جنيف “بكل روح عالية”، لكن الفريق الآخر (وفد النظام) طرح موضوع اللاجئين كمناقشة عامة سياسية فضفاضة، دون تحديد علاقة موضوع اللاجئين بالدستور.

الطرح الذي قدمه وفد النظام في الأيام الثلاث الماضية تعامل معه وفد المعارضة بـ “إيجابية”، لكنهم أكدوا أن النقاش حول اللاجئين يجب أن يكون ضمن المضامين الدستورية، ووفق الكردي: “هنا يتصدر سؤال هام. مثال: كيف أنظر في الدستور لحل مشكلة اللاجئين”.

ويشير عضو الوفد إلى أنهم قدموا مبادرات وطروحات، بحيث يتم العمل على مضامين دستورية لتأسيس قوانين تكون جاهزة عند التوصل إلى الحل السياسي، في خطوة من شأنها أن تساعد في حل مشكلة اللاجئين والنازحين وعودة كل المهجرين إلى مناطقهم الأصلية ومساكنهم التي هجروا منها، وانسحبت النقاشات أيضا إلى مسألة “الهوية الوطنية” ومبادئ اقتصادية واجتماعية وعدة قضايا أخرى. 

حرف المسار 

ما طرحه وفد المعارضة في اللجنة لم يبدي اتجاهه وفد النظام السوري أي بادرة حسن نية، بل على العكس أصر في الأيام الثلاث الماضية على “تحويل النقاش من قانوني إلى سياسي”، بحسب ما قال عضو من قائمة المجتمع المدني في تصريحات لـ “موقع الحرة”. 

عضو القائمة الذي طلب عدم ذكر اسمه لأسباب وصفها بـ “الحساسة” يوضح أن وفد النظام السوري ومنذ اليوم الأول للجلسة الرابعة يحاول اللعب على الوتر السياسي، وعلى الخطاب المكتوب له من أجل “حرف المسار”، سواء فيما يخص التعامل مع قضية اللاجئين السوريين، أو حتى الموقف من بقية الدول الفاعلة في الملف السوري. 

ويشير عضو قائمة المجتمع المدني التي تعتبر طرفا حياديا إلى أن وفد النظام وضمن محاولاته لحرف المسار حاول التركيز على موضوع العقوبات المفروضة على الأسد، مطالبا وفد المعارضة النقاش بها، إلى جانب النقاش في موضوع الوجود الأميركي والتركي على الأراضي السورية. 

وكانت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) قد ذكرت أمس أن من أسمته بـ “الوفد الوطني” أكد خلال اليوم الأول من اجتماعات لجنة مناقشة الدستور ضرورة اعتماد موضوع عودة اللاجئين كـ”مبدأ وطني جامع لما له من أهمية على مختلف الصعد وفي مقدمتها الصعيد الإنساني”.

وأشارت الوكالة إلى أن الوفد تركزت مداخلاته “على أهمية توقف بعض الدول عن تسييس ملف اللاجئين، واستثماره لتحقيق مصالح سياسية واقتصادية”.

جزء وليست كل

من جانبه يرى الدبلوماسي السوري السابق، بشار الحاج علي، أنه “لا يمكن عزل اللجنة الدستورية عن الحل السياسي الشامل، الذي يستند إلى بيان جنيف وقرار مجلس الأمن الدولي 2254”.

ويقول الدبلوماسي السابق في تصريحات لـ “موقع الحرة”: “اللجنة هي جزء بسيط من الحل. ويرى البعض وأنا منهم أنها قد تكون مدخلا للحل السياسي، وليست بديلا عن تطبيق القرار”.

ويضيف علي أنه “من الواضح أنها لم تحقق ما كان يأمله الشعب السوري حتى الآن، وإن كان ثمة إيجابية لتشكيل اللجنة الدستورية، فتكمن أن السوريون يجلسون مع بعضهم البعض في ظل انسداد آفاق حل مأساتهم”.

وإن تكللت الجولة الرابعة من نقاشات اللجنة بـ “النجاح” يشير الدبلوماسي السابق إلى أنها “ستسدل الستار على النقاشات العامة السياسية، والتي جرت على مدى الجولات السابقة.. برأيي تحديد موعد الجولتين الرابعة والخامسة وجدول الأعمال هو مؤشر إيجابي ننتظر تأكيده من خلال النتائج”.

إشكالية في التوقيت 

بعيدا عن الإشكاليات والحواجز التي يضعها وفد النظام السوري في طريق إتمام أي تقدم في مسار الوصول إلى الدستور الجديد، تكمن إشكالية كبرى تتعلق بتوقيت اللجنة والزمن الذي ستكون عليه، وهو ما علّق عليه المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدسون في الأيام الماضية بالقول إن “اللجنة الدستورية لا زمن لها”.

وفي وقت سابق أيضا كان النظام السوري قد أكد على حديث بيدرسون بأن اللجنة الدستورية لا توقيت يحدد مسارها، ولا يمكن ربطها في ذات الوقت بالانتخابات الرئاسية المقبلة في سوريا، المحدد عقدها في أبريل 2021، وذلك ضمن بيان صدر مؤخرا عن “الخارجية السورية”.

عضو اللجنة طارق الكردي أشار إلى ما سبق في أثناء حديثه لـ “موقع الحرة”، موضحا أن بقاء اللجنة الدستورية بدون محددات بالزمن يعتبر “شيئا سلبيا، وسيأثر سلبا على العملية كاملة”. 

ويقول الكردي: “منذ التشكيل الأول للجنة الدستورية أبدينا استعدادنا للانخراط في جداول أعمال اللجنة، وطرحنا منذ البداية أن نعمل 3 أسابيع في الشهر بمعدل 5 جلسات في الأسبوع وفي اليوم الواحد 8 ساعات”، إلا أن الفريق الآخر (النظام) رفض ما سبق وأصر على رؤية زمنية محددة به. 

ووفق الكردي: “الجانب الروسي والنظام وحلفاؤه يضغطون من أجل عدم وجود جدول زمني للجنة الدستورية”.

وتعتبر عملية تعديل الدستور من المسائل المتعلقة بصلب النظام في سوريا، إذ اشترط الدستور عام 2012، وطبقا لما ذكره دستور عام 1973، أن يكون التعديل باقتراح من رئيس الجمهورية أو ثلث أعضاء مجلس الشعب.

وكان معارضون وحقوقيون قد أشاروا إلى أن فكرة اللجنة الدستورية، ومنذ انطلاقها لم تكن موجودة في الوثائق الدولية ولا في كل قرارات مجلس الأمن، التي هي في الأصل الحاضنة القانونية للحالة السورية.

وكانت الفقرة الرابعة من قرار مجلس الأمن “2254” قد نصت على أن العملية السياسية في سوريا تتضمن إنشاء حكم شامل وغير طائفي خلال ستة أشهر، وعقب ذلك يتم النظر في النظام الدستوري للوصول إلى انتخابات برلمانية ورئاسية في 18 شهرا، أي أن الدستور حسب الوثائق يأتي ما بعد “هيئة الحكم الانتقالي”.

 

 

المصدر: الحرة