سوريا وسؤال البقاء على قيد الحياة

48

كان الهاجس الرئيسي للنظام السوري، خلال الأعوام الثمانية الماضية، القضاء على أية معارضة سياسية، فوفقاً لتصوراته وحساباته، فإن معركته هي معركة وجود، لكن ما غاب عن البال أن تطول مدّة الصراع، وأن يأكل هذا الصراع كل مقومات الوجود الوطني.
وفي سبتمبر/ أيلول من العام 2015، أحدث التدخل العسكري الروسي فارقاً كبيراً في موازين القوى في ميدان الصراع التي كانت كفّتها تميل لمصلحة الجماعات المسلحة، بكل تلاوينها الأيديولوجية، خصوصاً في مدينة حلب، وأوقف التدخل العسكري الروسي نزيف خسارة الجغرافيا، في شمال غربي سوريا، ومن ثمّ في جنوبيها، وصولاً إلى ريف دمشق، لكن في الوقت نفسه، بدأ يكشف عن مشكلات كبيرة، كانت غائبة خلال المعارك، وهي المشكلات التي تراكمت بفعل استنزاف البنى الوطنية، من عمران، وطاقة، واقتصاد، وكفاءات. 
ثمة تقديرات عدة بخصوص الأرقام الحقيقية لتكلفة إعادة إعمار سوريا، فقد أجرت مؤسسات دولية مختلفة دراسات حول الخسائر المتنوعة للحرب السورية، ففي المجال العمراني وحده، تتراوح تلك التقديرات بين حدّ أدنى هو 75 مليار دولار، وحدّ أعظم يتجاوز حاجز ال400 مليار دولار، وعلى الرغم من التباين الكبير بين الحدّين، لكن ما هو مؤكد أن ما جرى في سوريا هو كارثة عمرانية، لن يكون من الممكن الخروج منها إلا بمعجزة، خصوصاً أن الحل السياسي لا يزال غامضاً، وبعيداً.
الخارطة الاقتصادية والمعيشية اليوم في سوريا منقسمة لثلاث مناطق، وهي منطقة نفوذ النظام السوري وحلفائه الروس والإيرانيين، ومنطقة شمال شرق سوريا (منطقة الإدارة الذاتية الكردية)، المدعومة أمريكياً، ومنطقة نفوذ «جبهة النصرة» بشكل رئيسي في إدلب، والمدعومة تركياً، ويمكن القول إن المنطقة الواقعة تحت سلطة الإدارة الذاتية هي الأفضل اقتصادياً ومعيشياً، حيث يتواجد فيها الجزء الأكبر من الثروة النفطية السورية، والثروة الزراعية، إضافة إلى الثروة المائية، لوجود نهر الفرات، إضافة إلى منظمات دولية غربية عاملة في المنطقة، بتمويلات من حكومات دولها، وتقوم بمشاريع عدة.
ومنذ بداية هذا العام، تشهد مناطق نفوذ النظام السوري عدداً من الأزمات الخانقة، في مقدمتها مشكلة الطاقة، بجميع أنواعها، حيث تراجعت حركة النقل العام والخاص، نتيجة فقدان المحروقات، كما بدأت المشكلات المعيشية تبرز، حيث يفتقد قسم كبير من السكان للموارد المالية، إضافة إلى شلل كبير في الحركة الاقتصادية، ما يعني فقدان الآلاف لوظائفهم في القطاع الصناعي الخاص، حيث كشفت بيانات رسمية (المكتب المركزي للإحصاء السوري)، عن تدمير 80% من القطاع الصناعي. 
أما الواقع التجاري، فتكشفه بيانات وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية السورية، التي تقول إن حجم القيمة الإجمالية للصادرات السورية تراجع من 9 مليارات دولار في عام 2010، ليصل إلى 700 مليون دولار في عام 2017، وهو رقم هزيل جداً، ويفصح عن مأساة حقيقية طالت هذا القطاع الحيوي، كما أنه يوضح، لارتباطه بمجمل الحركة الاقتصادية، حجم البطالة الموجودة، حيث وصلت نسبة البطالة إلى 70% في عام 2017، بعد أن كانت بحدود 8.5% في عام 2010. 
والقوة الشرائية للفرد في سوريا، شهدت انحداراً غير مسبوق، فقد انخفضت بنسبة 85%، كما تراجع حجم الطبقة الوسطى القادرة على تأمين احتياجاتها، حيث تشير مذكّرة صادرة عن المرصد العمالي للدراسات والبحوث، موجهة إلى رئاسة الحكومة السورية في 2018، إلى أن تكاليف معيشة أسرة سورية مكونة من خمسة أفراد بلغت 460 دولاراً، في حين أن متوسط دخل الفرد بحدود 60 دولاراً.
ومن المؤكد، وفق المؤشرات والإحصاءات، أن التحدّي الحالي للسوريين في مناطق سيطرة الحكومة السورية هو البقاء على قيد الحياة، في ظل عدم القدرة على تلبية الاحتياجات الرئيسية للسكان، فمقومات الإنتاج الوطني من طاقة وزراعة وإنتاج وتجارة لم تعد موجودة، وأن اقتصاد الحرب استنفد نفسه مع نهاية العمليات العسكرية الكبرى، كما أن قسماً كبيراً من الثروات المالية والعلمية والمهنية غادر سوريا.
بالطبع لم يعد مفيداً، من الناحية العملية، طرح سؤال التفاضل بين سيناريو الحسم العسكري وسيناريو التفاوض لإيجاد حل وطني سلمي، فقد أصبح السؤال والإجابة معاً من الماضي، لكن السؤال اليوم هو: كيف ستخرج سوريا من النفق المظلم لانهيار مقوّمات الاقتصاد والعيش، أم أننا سنكون أمام فصل جديد، لا يقل مأساوية عن فصول السنوات السابقة؟

حسام ميرو
المصدر: الخليج

الآراء المنشورة في هذه المادة تعبر عن راي صاحبها ، و لاتعبر بالضرورة عن رأي المرصد.