أنصار جدد لولاية الفقيه!

36

تكتسب ولاية الفقيه أنصاراً جدداً من الماركسيين وغير المسلمين وغير المتدينين تديناً سنياً أو شيعياً، ولا يبدو ذلك تطرفاً دينياً وسياسياً أو موقفاً شاذاً مستهجناً مثل تأييد «القاعدة» و «داعش» على سبيل المثال. ولا يحتاج ذلك إلى تفسير بالطبع فلولاية الفقيه دولة نفطية كبيرة ومؤثرة وحلفاء أقوياء مثل الحكومة العراقية و «حزب الله» والنظام السياسي في سورية والحوثيين في اليمن، وفي المشرق العربي جماعات وأفراد وفلول ما زالت تحلم باستبعاث أمجاد المقاومة على الجبهة اللبنانية، ربما هذه المرة في الجبهة السورية.

والحال أنه منذ توقفت الجبهات المفتوحة لـ «المقاومة» والقائمة على عمليات محدودة شبه متواصلة، وأهمها بالطبع الجبهة اللبنانية وبدرجة أقل العمليات داخل فلسطين، ولفترة زمنية قصيرة الجبهة الأردنية، حلت موجة كساد مديد وتفككت تيارات وكيانات وجماعات ومؤسسات وصحف وإذاعات، وتلاشت الفرص سوى فرصة التحالف مع الإسلام السياسي الذي يواجه تحديات كبرى ولا يبدو مستعداً مالياً ونفسياً لاستيعاب الشركاء الأنيقين، فهو يبحث عن جماهير ومؤيدين، ولا يحتاج إلى مناضلين مثقفين أو مغامرين فوضويين.

وأنشأ الربيع العربي ثغرة في الجدار المغلق، فقد بدا الرفاق وأصدقاؤهم وشركاؤهم مرشحاً محتملاً او مثل قشة يتعلق بها الغريق لمواجهة المد الجماهيري الجديد والذي نجح الإسلام السياسي في قيادته وتوظيفه. لكن وبسرعة تحول المشهد إلى فسطاطين جديدين، ولاية الفقيه وحاكمية الله، حتى بدا الصراع في اليمن قبيل عاصفة الحزم بأنه بين أنصار الله وأنصار الشريعة، وبدا للوهلة الأولى وكأن الله انتصر على الشريعة!

هل ثمة مجال لعودة مقاومة جميلة أنيقة، لا تقف مع أحد الفسطاطين، حيث لا مجال إلا للشهداء والانتحاريين، ثم عليك الرحمة وقد تحظى بأن يوضع اسمك على تشكيل ما او كتيبة صغيرة أو مؤسسة وهمية؟!

تبدو إيران مستعدة لدعم وتمويل تشكيلات أو إعادة تشكيل لمقاومات جديدة لـ «الاحتلال الصهيوني» وربما يتحمس النظام السياسي في سورية أيضاً لمثل هذه المقاومات في سورية ولبنان، وإن كانت مشاكسات لم تعد تحتملها إسرائيل وصارت مستعدة كما بدا في 2006 في لبنان، وفي غزة عامي 2008 و2014 لردّ شامل.

لم يعد مجال لمهرجانات المقاومة، وأن تمتد وراء كل عملية صغيرة او شبه عملية سلسلة احتفالات ومؤتمرات وأناشيد وقصائد وأن تنمو كيانات سياسية وثقافية وإعلامية وتحليلات ومناظرات، وتصطف كتائب من المثقفين والكتاب والمحللين والشعراء والموسيقيين والسياسيين المتقاعدين والطامحين، ولكن تجربة عملية القصف الإسرائيلي لقيادات حزب الله في جنوب سورية ثم رد الحزب عليها تغري بعودة الزمن الجميل.

ولا بدّ ان الرفاق يعتقدون أو يجدون مجالاً للاعتقاد أن إسرائيل لم تعد قادرة أو راغبة في حروب شاملة، وقد تكتفي بالردّ ولا نحتاج سوى ذلك! هل لإيران مصلحة في ذلك؟ نعم بالتأكيد، ولكنا لا نعرف الرأي الإسرائيلي، فقد جرت العملية المشار إليها مثالاً في ظروف الانتخابات الإسرائيلية، إنها مشروع مقاومة قطعت نصف الطريق الذي أنجزه شاب تقدم لخطبة ابنة السلطان، فهو موافق ووالداه موافقان، وبقي فقط أن توافق الأميرة ووالداها.

ولكن يبدو ثمة مجال لعمل سياسي وإعلامي جديد قائم على المقاومة من دون مقاومة، إيران تبدو مستعدة في مرحلتها الجديدة لدعم وتمويل كتائب من الإعلاميين والسياسيين يعدونها على الأقل بجماهير مؤيدة للمقاومة ومواجهة الارهاب القاعدي والداعشي والتدخل الأميركي، وإن كان ذلك يبدو مكلفاً في ظل تراجع أسعار النفط وقليل الجدوى بالنسبة لتكاليفه ونفقاته، ولسبب آخر أكثر أهمية وواقعية هو أن الإعلام الجديد ينشئ ديناصورات جديدة أكثر فائدة وأقل كلفة، ويحول أبطال ومثقفي مرحلة ما قبل «الشبكية» إلى ديناصورات غير مفيدة، وكما فنيت الديناصورات الضخمة التي تحتاج إلى كميات كبيرة من الغذاء النادر المتناقص وبقيت أو نشأت تلك القادرة على التكيف والاكتفاء فإن إيران سوف تفضل الأبطال الأقل كلفة والأكثر حيوية.

 

ابراهيم غرايبة

المصدر : الحياة