أوروبا: هجوم باريس «غيَّر العالم».. إلا العلاقة مع دمشق!

33

زحمة ضيوف عرب صاحبت اجتماع وزراء الخارجية الاوروبيين. كان الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي يغادر، بينما المُعارض السوري معاذ الخطيب يدخل من باب آخر. لكن كل الأبواب كانت تؤدي إلى طريق واحد: زيادة التصلب تجاه النظام السوري، والتشديد على أن تقدم أولوية مكافحة الإرهاب لا يغير ذلك.
حالة الاستنفار التي خلقها هجوم باريس جعلت الأوروبيين يضعون مكافحة الارهاب أولوية في مقاربة أزمات المنطقة، لذلك يؤكدون على أهمية إيقاف توليدها لمزيد من الإرهاب. وزير خارجية ألمانيا فرانك فالتر شتاينماير قال إن هجوم باريس كان يومًا «لم يغير فقط أوروبا، ولكن العالم بأجمعه».
لذلك قدم الوزراء الحل السياسي بوصفه حاجة لمواجهة الآفة العالمية. لكن ذلك لم يمنع تأكيد الخصومة مع حكام دمشق. ترجمة ذلك جاءت أيضا عبر فتور واضح تجاه اجتماع موسكو المزمع، بين ممثلي النظام وشخصيات معارضة.
حينما سألت «السفير» وزير خارجية الدانمارك مارتن ليدغارد عن القضية، قال إن الحل السياسي مسألة حاسمة لمواجهة الإرهاب: «نحن نرحب بأي إمكانية لحل الأزمة. أعتقد أنه من المستحيل حل مشكلة الارهاب إذا لم تكن لدينا حلول للصراعات الكبيرة في الشرق الأوسط».
لكن التردد تجاه المبادرة الروسية بدا واضحًا من التشكيك بأهدافها ونتائجها، إذ شدد ليدغارد على أنه «لا ينبغي بأي حال إضفاء الشرعية على ما يجري من النظام في سوريا، ولا يجب أن نعطي الرئيس السوري بشار الأسد أي فرصة لاستخدام ذلك من أجل تحقيق تقدم لقواته في أرض المعركة».
بعد نقاش الوزراء للجوانب الخارجية المتعلقة بمكافحة الإرهاب، نشرت وزارة الخارجية الأوروبية الخطوط العريضة لمواجهة ظاهرة «الجهاديين» في سوريا والعراق. الدولتان يتعامل معهما الأوروبيون كملف تهديد واحد منذ أشهر، لكن المقاربة تختلف. في العراق، هنالك حكومة يتعامل معها الاوروبيون ويدعمونها، لكن في دمشق لا تزال الخصومة سيدة الموقف.
الخلاصة التي أوردتها الورقة أن النظام السوري «يتحمل المسؤولية الأولى عن الفوضى السائدة في سوريا»، مشددة على أنه «جعل داعش يزدهر، مما سمح بازدياد سوء الوضع». نتيجة لهذا التقييم، يصر الأوروبيون على إقصاء دمشق عن أي تعاون في الحرب على التنظيم الإرهابي، معتبرين في استراتيجيتهم أن «النظام لا يمكنه أن يكون شريكًا في القتال ضد داعش، نتيجة لسياساته وأفعاله».
في الوقت ذاته، وضع الأوروبيون مزيدًا من الضغوط على تركيا، معتبرين أن قطع الطريق أمام الأسلحة الحرجة صار أمرًا مُلِحًا لجهة أمن الطيران المدني. لذلك لفتوا إلى أن احتواء تهديد «داعش» في العراق وسوريا يتطلب «التحرك لمنع الأسلحة التقليدية المتطورة والأسحلة العالية التكنولوجيا من التسرب» عبر حدود الدول المجاورة.
الإحجام عن تقديم أي دعم للقاء موسكو أمكن استخلاصه من كلام وزراء دول، عادة ما تقدم خطابًا مغايرًا لدعم أي بارقة أمل سياسية. هكذا تحدثت وزيرة خارجية السويد مارغوت والستروم بحذر شديد حينما سألتها «السفير» إن كانت ترى في لقاء موسكو أي أمل.
قالت إن «الشيء الوحيد الذي بقي في صندوق باندورا (صندوق الشرور) هو الأمل». تجنبت أي ذكر للمبادرة الروسية، متعثرة بكلماتها وهي تعمم قدر الإمكان كي لا تتعرض لها مباشرة: «هناك أمل ما دامت هناك إرادة سياسية لإيجاد حل، وعلينا الاستثمار في الطريق التي نرغب بها للجلوس حول طاولة المفاوضات».
في السياق نفسه، أكد مصدر ديبلوماسي أوروبي حضر الاجتماع لـ «السفير» أن هنالك «دولتين فقط أثارتا الحاجة للتعاون الأمني مع النظام السوري وربما الانفتاح عليه. لقد تحدثتا بشكل متردد من باب امكانية استكشاف هذا الطريق». المصدر أوضح أن هذا النقاش «لم يجد من يتحمس له»، لافتا إلى أن «الموقف من نظام الأسد على حاله وصار واضحًا للجميع». مصدر آخر تحدث في المنحى ذاته، مؤكدا بدوره أن «الحديث مع الأسد غير مطروح على الطاولة، الموقف الأوروبي لم يتغير».
هذه الخلاصة أكدها أيضا وزير خارجية إسبانيا، وهي دولة عادة ما تتخذ مواقف أقل تصلبًا. تحدث مانويل غارسيا مارغاولوا عن أهمية مبادرة ستيفان دي ميستورا، بدون أن يلحظ أي وجود لمبادرة موسكو. قال إن خطة المبعوث الدولي يمكنها المساعدة في مواجهة الإرهاب لأن «تجميد جبهات القتال والبدء بمفاوضات سياسية مع النظام في دمشق هما محاولة للقضاء على الفراغ الذي ملأه داعش».
الوزير الإسباني متحمس للهدف النهائي للخطة المتمثل برأيه في «خلق حكومة انتقالية كي تقوم بالإعداد لانتخابات حرة». لكن من سيجلس تحت سقف الحل المنشود محسوم برأيه، وكذلك الصداع المحتمل نتيجة هذا الاستبعاد، إذ شدد على أنه «بعد كل الفظائع التي قام بها بشار الأسد مع شعبه، لا يمكنهم أن يكونوا جزءًا من هذه الحكومة الجديدة، ولكن إذا لم يستسلموا فسيتسببون بتأسيس طويل الأمد لداعش».
وسط هذا النقاش، حضر المُعارض السوري معاذ الخطيب إلى مبنى المجلس الأوروبي، حيث عقد الوزراء اجتماعهم. مصدر مطلع أكد لـ «السفير» أن الخطيب التقى مسؤولين أوروبيين، إضافة إلى وزير الخارجية البلجيكي. مصادر الخارجية الأوروبية أكدت أن زيارة الخطيب جاءت في وقت كانت فيه وزيرة خارجية الاتحاد فدريكا موغريني أمام جدول ممتلئ، لذلك لم تتمكن من الاجتماع به.
النقاش تعرض لأجواء لقاء موسكو، بعدما اعتذر الخطيب عن حضوره، كما أكد لـ «السفير» مصدر قريب من المُعارض السوري. المصدر قال إن ما قدمه الخطيب لموسكو «لم يكن اعتذارًا كاملًا»، موضحا أنه «ترك الباب مفتوحًا أمام حضور اجتماعات أخرى، والذهاب إلى موسكو ليس فيه إشكالية إذا تمت تلبية الأشياء التي وضعها ليدرسها الروس».
تجاهلُ الأوروبيين للقاء موسكو يأتي وسط أجواء من التوتر المتصاعد الآن معها، على خلفية تجدد الاشتباكات بين أطراف الأزمة الأوكرانية. الخارجية الأوروبية تحدثت بلهجة حادة هذه المرة، مؤكدة أنه «لا تطبيع» مع روسيا ما دامت الأوضاع مستمرة على هذا المنوال.
منحى التصلب تجاه نظام دمشق رغم تقدم أولوية مكافحة الإرهاب، هو أمر أكده بدوره الأمين العام للجامعة العربية الذي أظهر اتفاقا مع هذا التوجه. قال نبيل العربي ردا على سؤال «السفير» إن «هناك حكومة لها 44 سنة في سوريا، وهنا أفراد كثيرون ضدها ويرغبون في تغيير النظام»، مضيفا أنه «حينما يستمر القتال فسينضم إليه الكثير جدا من الإرهابيين».
على مستوى الإجراءات الملموسة، يبحث الأوروبيون الآن تعيين ملحقين أمنيين لدى بعثات الاتحاد في المنطقة العربية خصوصًا. هذا الخيار يمكنه تجاوز إشكالية إغلاق سفارات دول أوروبية نتيجة تدهور العلاقات، والحفاظ على خط أمني على مستوى دول التكتل. الملحقون سيكون لهم دور أيضا في تطوير مشاريع أمنية، لبناء القدرات ومكافحة الإرهاب، يعتزم الأوروبيون إطلاقها مع العديد من الدول العربية.
تطويق الإرهاب سيحمل بروكسل على تنظيم مؤتمر دولي لمواجهة التمويل الإرهابي، سيقام في الأيام القادمة بمشاركة الدول الحليفة في هذه المواجهة المفتوحة. كما شددت موغريني على أهمية «تحسين التواصل» مع الجمهور الناطق بالعربية، في أوروبا والعالم. هذه الإشارة جاءت من قلب لهجة حذرة اعتمدتها في مخاطبة الجمهور الإسلامي وعدم الصدام معه. أكدت على أهمية «احترام الإسلام»، حين استخدام حرية التعبير، في إشارة إلى التظاهرات الرافضة لرسم كاريكاتورات النبي محمد. قالت في لفتة معبرة إنه يجب «النظر لما يحصل حولنا» حين رسم الخط الفاصل بين حرية التعبير والاحترام.

 

وسيم ابراهيم

المصدر : السفير