الحل بين ليبيا وسورية

المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعبر بالضرورة عن رأي المرصد السوري لحقوق الإنسان

31

بينما كانت اجتماعات اللجنة الدستورية السورية تنهي جولتها الخامسة في جنيف، نهاية الشهر الماضي (يناير/كانون الثاني)، كانت الأطراف الليبية المتنازعة تلتقي في مبنى الأمم المتحدة غير بعيد عن الاجتماعات السورية. والفارق بين الاجتماعين أن الأول الخاص بالسوريين لم يتمكّن من التوصل إلى حد أدنى من الاتفاق، بعد أكثر من سنة من اللقاءات، في حين أن اجتماع الأطراف الليبية نجح في إنتاج اتفاق على تشكيل مجلس رئاسي وحكومة. ودفع نجاح الليبيين في أوساط سورية إلى طرح السؤال: لماذا تمكّنت الأطراف الليبية من إنجاز اتفاق، وأخفقت الأطراف السورية، على الرغم من عناصر التشابه الكبيرة بين الوضعين؟ وعلى الرغم من أن تشابه الوضعين لا يصلح وحده أداة للقياس، فإن التعقيدات في ليبيا لا تقل عن نظيرتها السورية، خصوصا طبيعة الحكم الذي ساد قبل عام 2011.

الحل الليبي الذي كان يبدو مستحيلا منذ شهر بات ممكنا بنسبة كبيرة، وجاء ذلك لعدة أسباب. أولها، أن الوضع في ليبيا حظي بمتابعة دولية مختلفة كليا عنه في سورية، سواء من الأمم المتحدة أو من الدول الإقليمية والاتحاد الأوروبي وتركيا. وهذا الاهتمام والمتابعة، والذي لم يتوفر للوضع في سورية، انعكس على نحو كبير في منع انزلاق الوضع الليبي إلى حد تستحيل فيه إمكانية العودة إلى الوراء. والعامل الثاني توفر إرادة محلية للحل، وهذه نقطة هامة بالقياس إلى التمزّقات التي خلفتها سنوات حروب اللواء المتقاعد خليفة حفتر على النسيج الاجتماعي، ووصلت التداعيات السلبية إلى حد رسم خرائط جديدة، تقوم على تقسيم ليبيا إلى ثلاث دول بين الشرق والغرب والجنوب. ولكن تبين أن إرادة التلاقي عند الليبيين أقوى من كل المحرّضات على التقسيم، وهذا وسام سيحفظه التاريخ لكل من عمل بدأبٍ وضحّى من أجل الحفاظ على وحدة ليبيا. أما العامل الثالث فيتعلق بدور الأمم المتحدة التي بذلت جهودا جبارة، كي تبقي على القضية الليبية حاضرة بقوة على جدول أعمال المجتمع الدولي، ويتجلى ذلك من خلال سلسلة من المبعوثين الذين سهروا، بدرجاتٍ متفاوتةٍ، على متابعة القضية. وعلى الرغم من أن بعضهم لم يكن حياديا، وانحاز إلى معسكر حفتر مثلما حصل مع الإسباني برنار دينو ليون، إلا أنهم جميعا ساهموا في بناء اتفاق الحل الذي استغرق عدة سنوات. وفي هذا المقام، لا يمكن للمراقب إلا أن يشيد بالمندوبة الأممية بالوكالة، ستيفاني وليامز، التي تسلمت الملف الليبي في ظرف صعب، بعد استقالة الممثل السابق غسان سلامة في مارس/آذار 2020، وأخذت، خلال حوالي عشرة أشهر، المسألة على عاتقها، ونجحت في إخراج قطار الحل من النفق الذي توقف فيه منذ عام 2014، عندما بدأ حفتر حربه على الشعب الليبي، يدفعه طموح نسخ تجربة معمر القذافي، مدعوما من الإمارات ومصر.

وما كان لاتفاق الحل في ليبيا أن يحصل لو لم يتم تحجيم حفتر عسكريا وإقصاؤه من المشهد. وهذا أمر يعود الفضل في قسم كبير منه إلى الدعم الكبير الذي قدمته تركيا لحكومة الوفاق التي استعادت المبادرة العسكرية في الأشهر الأخيرة، وتمكّنت من إبعاد التهديد العسكري عن مدينة طرابلس، ومن ثم تحرير مدن الغرب، والسيطرة على قاعدة الوطية، والتقدّم باتجاه سرت، على طريق ملاحقة حفتر حتى معاقله في الشرق. وبفضل هذا الإنجاز العسكري، تحرّرت فعاليات الشرق من سطوة حفتر وترهيبه، وصار بالإمكان أن تمد يدها نحو الطرف الآخر. وللأسف، لا يتوفر أي عامل من هذه العوامل للمسألة السورية التي تسير من سيئ إلى أسوأ، في الوقت الذي يرفع من حظوظ الاتفاق الليبي اهتمام الإدارة الأميركية الجديدة.

 

 

 

الكاتب: بشير البكر – المصدر: العربي الجديد