الموقف الدولي من سلاح سورية الكيمائي

19

47977602130918174737_304x171_idx

بعد اندلاع ثورات الربيع العربي في تونس وليبيا ومصر انتقل الحراك الثوري إلىسورية، لكن المواجهة في هذا البلد كانت قاسية جدا، لأن النظام بدأ حربا شعواء على شعبه خلفت أكثر من مئة وعشرين ألف قتيل. وعلى الرغم من ذلك ظلت الدول الغربية صامتة متذرعة بأنها لا تريد الدخول في مواجهة مع الصين وروسيا اللتين وقفتا مع نظام الأسد. لكن فجأة تغير المشهد بعد وقوع الاعتداء الكيمائي على الغوطة وهو الاعتداء الذي قتل فيه نحو ألف وأربعمئة شخص، بينهم عدد كبير من الأطفال .عند ذلك بدأ العالم الغربي يتحرك كما هددت الولايات المتحدة بتوجيه ضربة للنظام السوري، وهكذا ظل الناس ينتظرون تلك الضربة والموقف الأمريكي يتغير كل يوم منتظرا تقرير الخبراء حول تحديد مسؤولية الهجوم. وأخيرا ظهرت النتيجة التي أعلنتها الأمم المتحدة و أكدت فيها أن النظام السوري هو الذي استخدم السلاح الكيمائي ضد شعبه، لكن ماذا كان موقف الدول الغربية بصفة عامة ؟

بدأت الدول الغربية تطالب بتحويل الأمر إلى مجلس الأمن من أجل اتخاذ قرار فيه تقدم مشروعه فرنسا وبريطانيا اللتان اتفقتا على تقديم مشروع مشترك للمجلس من أجل اتخاذ قرار فيه. وفي جميع الأحوال لا تحبذ روسيا اتخاذ قرار باستخدام القوة ضد نظام الأسد، وفي هذا الاتجاه بذلت جهودا من أجل موافقة النظام على تسليم أسلحته الكيمائية.

ويتضح بصفة عامة أن تركيز الدول الغربية ظل في مجمله موجها نحو السلاح الكيمائي، وليس على الجرائم التي ارتكبها النظام ضد شعبه، وهنا لا بد من التساؤل لماذا كان السلاح الكيمائي في نظر الدول الغربية أكثر أهمية من عمليات القتل التي ارتكبها النظام ضد الشعب السوري ؟

هنا لابد أن نتوقف من أجل أخذ فكرة عن طبيعة السلاح الكيمائي الذي يتحدث عنه العالم الغربي؟

استخدمت الأسلحة الكيمائية على نطاق واسع خلال الحرب العالمية الأولى، وكان استخدامها بسبب تأثيرها القوي ورخص تكلفتها وسهولة إنتاجها. وذلك ما جعلها تقع في أيدي الجماعات الإرهابية كما هو الشأن في الهجوم على قطارات الأنفاق في طوكيو عام 1995.

وإذا راجعنا تاريخ هذه الأسلحة وتأثيرها وجدنا أن نحو مليون وثلاثمئة شخص قتلوا بها في الحرب العالمية الأولى، وفي عام ألف وتسعمئة وخمسة وثلاثين استخدمت إيطاليا هذا السلاح ضد الأثيوبيين عن طريق رش غاز الخردل بالطائرات، وأما في عام ألف وتسعمئة وستة وثلاثين فقد قامت اليابان بغزو الصين مستخدمة غاز الخردل إلى جانب غاز الأعصاب، وهكذا استمرت كثير من الدوال تستخدم الأسلحة الكيمائية في حروبها دون أن يحرك العالم ساكنا.

والسؤال المهم الآن هو ما تعريف الأسلحة الكيمائية من الناحية العلمية ؟ تقول منظمة شمال الأطلسي إن الأسلحة الكيمائية، هي مواد تستخدم في الحروب من أجل القتل وتسبيب الجروح وإعاقة الأشخاص من الناحية الفيزيائية، وقد تستخدم هذه الأسلحة من أجل نشر الأمراض مثل مرض الطاعون وغيره من الأمراض الفتاكة، أو من أجل تدمير النظام العصبي عند الإنسان وتسبيب جروح خطيرة في جسده، ويكفي استنشاق هذا السلاح الكيمائي- كما حدث في الهجوم على قطارات الأنفاق في اليابان – لتحدث كثير من الأضرار. لكن إذا كانت كل هذه الأضرار محققة فهل يكفي اتخاذ قرار في مجلس الأمن يساعد في عملية تجريد النظام السوري من أسلحته الكيمائية؟

يقول وزير الخارجية الفرنسي إن المطلوب هو قرار يجرد سورية من أسلحتها الكيمائية، وتعيين عدد من العمال والمفتشين للتأكد من أن المواقع السورية خالية من هذه الأسلحة.

وبحسب صحيفة ‘الغارديان’ البريطانية فإن تقرير الأمم المتحدة لم يلق اللوم في استخدام هذه الأسلحة على أحد، ومع ذلك فإن الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا تحمل جميعها المسؤولية لنظام بشار الأسد، بينما تقول روسيا إن العالم الغربي قفز إلى النتائج متجاهلا إمكان استخدام هذه الأسلحة بواسطة الثوار من أجل أن تتسبب في تحميل النظام مسؤولية استخدامها، وتقول الغارديان إن هناك اختلافا حول طبيعة القرار الذي يجب أن يتخذه مجلس الأمن في هذه المسألة، إذ يقف الجانبان الروسي والغربي على طرفي نقيض.

وفي الواقع ليس هناك اختلاف حول حقيقة أن الأسلحة الكيمائية قد استخدمت، ولكن الخلاف يدور حول من يتحمل المسؤولية، وحتى لو تم تحديد من يتحمل المسؤولية فسيظل التساؤل قائما حول نوع العقوبة التي يجب أن تلحق بالمستخدم، وهذا سؤال لا يبدو أن هناك إجابة قريبة عليه بسبب تباين المواقف بين الدول الغربية وروسيا التي ما زالت ترفض أي استخدام للقوة ضد نظام الأسد، ويعني ذلك، حتى لو تم الاتفاق على أن النظام هو الذي استخدم هذه الأسلحة فلن يكون هناك اتفاق على نوع العقوبة التي تترتب على ذلك.

ومع ذلك لا نريد أن نتوقف طويلا عند طبيعة هذه الأسلحة أومسؤولية استخدامها، لأن السؤال المهم هو لماذا أصبح العالم كله يركز على الأسلحة الكيمائية متناسيا المآسي التي مر بها الشعب السوري تحت نظام بشار الأسد، ولا نريد بذلك أن نقلل من شأن استخدام الأسلحة الكيمائية بل نريد أن نؤكد أن تحويل القضية كلها إلى سلاح خطير يمكن أن يقع في أيدي مستخدميه يوضح أن هناك دوافع حقيقية وراء هذا التحويل، وربما كانت هذه الدوافع هي التي أجلت ضرب النظام عسكريا خاصة بعد أن ألمح الرئيس بشار الأسد إلى أنه لا يستطيع أن يضمن عدم استخدامه بواسطة بعض المنظمات في حال توجيه ضربة إلى سورية، وفهم من ذلك أنه يعني حزب الله القادر على الوصول إلى أهداف إسرائيلية، ويبدو أن ذلك كان الرادع الوحيد من أجل تأجيل أي ضربة ضد النظام السوري في الوقت الحاضر، ويؤكد لنا ما ذهبنا إليه أن اهتمام الدول الغربية بالسلاح الكيمائي لا يستهدف حماية الشعب السوري بل يهدف إلى تحصين إسرائيل من هذا التهديد، ولا شك أن النظام السوري يفهم ذلك جيدا ويعيه وهو بالتالي لن ينساق وراء موقف دولي مناهض للأسلحة الكيمائية، كما أن المهم في هذه القضية – كما هو الشأن في الأسلحة النووية- ليس هو تجريد المالك من أسلحته بل المهم هو كيفية حرمانه من قدراته التقنية على الإنتاج مستقبلا، ذلك أنه حتى لو جرد النظام السوري من كل أسلحته الكيمائية فإن ذلك ليس ضمانا من أنه لن يكون قادرا على إنتاج هذه الأسلحة في المستقبل، والمطلوب إذن ليس هو تجريد النظام السوري من أسلحته الكيمائية بل هو التوجه نحو حل القضايا المهمة في المنطقة مثل القضية الفلسطينية والتوصل إلى صيغة تفاهمية على المستوى السياسي من أجل تحسين وضع المواطنين في دول مثل سورية، ولا شك أن الموقف السوري بالغ التعقيد لأن النظام كشف عن وجهه الطائفي المناقض لأيديولوجية حزب البعث القديمة، كما أن النظام تورط في جرائم لا يمكن تجاوزها بسهولة، ويؤكد ذلك كله أن الوقوف أمام قضية السلاح الكيمائي لا يخدم مصلحة سورية بصورة مباشرة وإنما هو يصب في خانة مصلحة إسرائيل، وهذا موقف تقليدي من الدول الغربية يظهر النظام السوري وكأنه مدافع عن المصالح العربية في وجه دولة الكيان الصهيوني ومسانديه من الدول الغربية، وفي كل ذلك لا يبدو أن النظام السوري سيثق في أن الدول الغربية لن توجه له ضربة بعد التخلص من أسلحته الكيمائية.