حتى لا ننسى… يوم هاجمت قطعان استخبارات وشبيحة الأسد تأبين الشهيد باسل شحادة

35

بعد استشهاد باسل شحادة ودفنه في حمص من قبل رفاقه، قرر أهله إقامة تأبين له ” قداس ” على روحه في كنيسة الكيرلس بحي القصاع وسط العاصمة السورية دمشق ، بعد ظهر يوم الخميس في 31/5/2012، وتم توزيع النعوات وتعليقها على الجدران كما جرت العادة.

اتفقنا، نحن أصدقاءه، على المشاركة بالقداس أن نجتمع جميعنا في توقيت واحد أمام باب الكنيسة في الساعة الثالثة، على أن نأتي بشكل إفرادي حتى لا نلفت أنظار استخبارات نظام بشار الأسد شبيحته المستشرسين بعدوانية مقيتة خشية ان يصل تأثير الثورة إلى الشارع المسيحي الذي يعتبرون أن الجزء الأكبر منه مسيطر عليه من قبلهم الخ ، لاسيما بعد أن علمنا أن عناصر المخابرات مزقوا النعوات التي كانت منتشرة على الجدران في الطرقات .

وبحلول الساعة الثالثة تجمعنا فجأة أمام باب الكنسية المغلق وقد علقت عليه ورقة كتب عليها “تم تأجيل القداس بناء على طلب ذوي الفقيد باسل شحادة”، وقد علق أحد المشاركين بالقول: “مو صحيح هذا الكلام، هذه العبارة كُتبت بناء على طلب المخابرات”.

اجتمعنا، وكنا حوالي عشرين شخصاً حول الباب بانتظار أن يفتحه أحدهم، ومع تزايد أعداد المشاركين وارتفاع أصواتهم، خرج علينا الكاهن “جورج عبود” رئيس محكمة الاستئناف الروحية لدى كنيسة الروم الكاثوليك واعتذر عن عدم فتح باب الكنيسة بحجة أن أهل الشهيد طلبوا تأجيل القداس ليوم أخر، فقلنا له هذا ليس صحيحاً، وإذا لم تفتحوا الباب سنقيم القداس هنا في الشارع بجوار الكنسية وتتحملون مسؤولية ما سيحصل، فهل يرضيك هذا؟ وهنا فوجئنا بشبيح بدأ يصيح ويشتم باسل وأهله ويصفه بالخائن والإرهابي وبعض الألفاظ النابية، فتعالت أصواتنا احتجاجاً على كلامه البذيء، وأذكر هنا أنني قلت للكاهن جورج عبود: “أبونا عجبك ها الحكي أرجوك أن تفتح الباب قبل ما يهجموا الأمن علينا وتحدث مشكلة كبيرة، أنتو ونحنا بغنى عن ذلك”، لكنه لم يستمع لكلامي وطلب من الشبيح السكوت، ثم توارى بعدها داخل الكنيسة يراقبنا من خلف النافذة، بينما استمر الشبيح يزبد ويرغي بكلامه البذيء بحق الشهيد باسل شحادة وأهله، حتى تدخل أحد الأشخاص وأسكته.

وأمام امتناع الكنيسة عن إقامة تأبين القداس، لم يعد أمامنا سوى إقامته على الرصيف المحاذي للكنسية، جلسنا على الأرض بشكل دائري، بينما وقف الشاب سامر حاماتي وبدأ بتلاوة الصلاة الربية “أبانا الذي في السماوات”، ومن بعده السلام المريمي ونحن نردد وراءه، بعدها قام أحد الحضور بناء على طلب من سامر بتلاوة الفاتحة، وهنا لاحظنا تجمع أعداد كبيرة من الشبيحة في أول شارع القصاع، فبدأنا نردد بصوت عال نشيد “حماة الديار” ومن بعده نشيد “موطني”، وهنا تقدم أحد ضباط المخابرات الجوية وطلب منّا إنهاء الاعتصام فوراً، وكان جوابنا له: “بأننا سننهي القداس فور أن ننتهي من غناء نشيد “بكتب اسمك يا بلادي”، لكنه أصرّ بنوع من التهديد على إنهاء القداس في الحال وقال: “إذا لم تتركوا الساحة في الحال، فإنني لن أستطيع أن أمنع شباب القصاع من الهجوم عليكم”، ويقصد بشباب القصاع “عناصر الشبيحة والمخابرات ” الذين استقدمهم الضابط نفسه موحياً بأنه حريص علينا، ثم تعالت أصواتنا بغناء نشيد “بكتب اسمك يا بلادي على الشمس الما بتغيب” ولم نكد نصل للمقطع الثاني من النشيد حتى بدأت مجموعات الشبيحة بالهجوم علينا، ولا زلت أذكر كيف أنني حاولت تهدئة الموقف بأن قلت للضابط: “خلص انتهى القداس ورح نغادر المكان وما في داعي لضرب الناس، لكن كلامي ذهب أدراج الرياح، وكانت عيني الضابط تركز كثيراً على سامر حاماتي الذي بدا له أنه قائد المعتصمين لأنه كان يتلو الصلوات ويردد الشعارات ونحن نردد وراءه .

وعلى وقع هجوم الشبيحة تفرق شملنا وهربنا بشكل عشوائي في شوارع القصاع ومداخل الأبنية وداخل المحلات، وكثير منّا لم يسلم من ضربات عناصر المخابرات والشبيحة الآثمة.

كانت النية أن نكمّل القداس في بيت الشهيد باسل شحادة، إلا أن عناصر الأمن حالت دون ذلك بعد محاصرتها للمنزل الذي لم نستطع حتى الاقتراب منه.

وهكذا انتهى القداس وعاد كل منّا إلى منزله، إلا عدد من المشاركين الذين علمنا فيما بعد أنه تم اعتقالهم واقتيادهم إلى فرع المخابرات الجوية الذي لم يكن يبعد عن مكان الاعتصام أكثر من مئة متر، وقد عرف من المعتقلين حينها فايز شيخ كريم ومحمود البسطاطي وطلال بوبس وسامر حاماتي وأحمد ملاح ومحمد الهندي ووائل الهندي وسامر الهندي.

الرحمة لروح الشهيد باسل شحادة وجميع شهداء الحرية والكرامة في سوريا.

والحرية للمعتقين والمختطفين.

والخزي والعار للمجرمين والقتلة.

بيبلوغرافيا عن باسل شحادة .

باسل شحادة (1984 – 2012) مخرج سينمائي ومهندس معلوماتية سوري، وأحد أبرز الناشطين في ثورة سوريا 2011-2012. كان من طلائع المشاركين في تنظيم المظاهرات السلمية في دمشق للتنديد بأعمال القمع التي رافقت الثورات العربية، وتم اعتقاله خلال مظاهرة المثقفين في حي الميدان في دمشق.

كان من أبرز الموثقين لقصف قوات النظام السوري واجتياحاتها المتكررة لمدينة حمص.

استشهد نتيجة قصف هذه القوات حي الصفصافة الحمصي، ودفن في حمص.

المحامي ميشال شماس

المصدر: الناس نيوز

الآراء المنشورة في هذه المادة تعبر عن راي صاحبها ، و لاتعبر بالضرورة عن رأي المرصد.