قراءة للمشهد في إدلب

32

لا يمكن الفصل بين سلسلة أحداث متلاحقة، ربما ستشكل كلها أو بعضها مستقبل المحافظة للأشهر والسنوات المقبلة، أهم هذه الأحداث تحول إدلب لقبلة “المرحلين” من مدنهم وقراهم بفعل المصالحات مع نظام الأسد، إضافة لتلقي النصرة سابقا أو حركة تحرير الشام حاليا (فرع القاعدة في سوريا) ما يقارب المئة مليون دولار ثمنا لصفقة الزبداني ـ مضايا ـ كفريا ـ الفوعة من قطر، هذا التنظيم الذي انحسرت قوته بالتزامن مع كل هذه التغيرات لتتركز في إدلب وتمكن خلال وقبل ذلك من التهام ما تبقى من فصائل معتدلة آخرها إركاع فصيل أحرار الشام الذي كان يعول عليه لحماية المحافظة من المشاريع الظلامية التي تحيط بها وبأهلها.
تقارير استخباراتية أميركية أشارت بوضوح، قبل بدء معركة الموصل، إلى نية النصرة إعلان إمارة إسلامية على مساحة 6100 كم التي تتشكل إدلب منها، وهي تقارير تعززها توجهات النصرة وتحركاتها سواء لسعيها الدائم لحل فصائل المعارضة أو بخطوتها الأخيرة للسيطرة على المعبر الحدودي بين إدلب وتركيا، رغم علمها بأنه سيغلق من جانب تركيا إن هي سيطرت عليه، إضافة إلى كون الـ 100 مليون دولار القطرية تبدو مساعدة معقولة لتحقيق ذلك.
ورغم وجود هكذا معلومات لدى الأميركيين سارعت واشنطن إلى بذل الغالي والرخيص لمساعدة النصرة عبر إيقاف برنامج تسليح المعارضة، مباركة بذلك وبشكل علاني قيام الإمارة، وإن كان ذلك بالنسبة للأميركيين بسبب انعدام ثقتهم بالمعارضة التي تشير سيرتها الذاتية إلى أنها ستسلم سلاحها مع أول تحرك قاعدي ضدها ـ كما حدث سابقا مرات ومرات ـ فإن هذه الخطوة هي رصاصة الرحمة على ما تبقى من معارضة سورية وستكون كذلك جرعة جديدة مركزة لتقوية الأسد بعد أن نجحت محاولات إنعاشه من قبل الثنائي النصرة ـ داعش سابقا.
وما من عاقل، أو حتى مجنون، يعتقد أن العالم سيسمح بهكذا خطوة من دون اتخاذ خطوات سريعة، لا سيما وأنها ستأتي، على ما يبدو، بعد حرق صفحة داعش كليا وتفرغ بوارج وأساطيل التحالف، لكن نظرا لكل ما سلف يبدو أن الأميركيين مقتنعون بأن الوقاية من المعركة قبل وقوعها رهان خاسر، وسيسمحون للنصرة بالذهاب إلى النهاية طالما كانت نهاية ً مسيطرًا عليها، لكن بالنسبة لأهالي إدلب ما هو قادم سيعني أن شبح الرقة ـ الموصل سيخيم على منازلهم في محيط لم يعد صديقا كما كان سابقا، فـ “النظام من خلفكم والوحدات الكردية من أمامكم وما بينهما حدود تركية مغلقة”، وهو ما يضع عقلاء إدلب وأهلها جميعا أمام تحد عظيم بعظمة المخطط المرسوم الذي حتى اللحظة يمكن احتواؤه وإفشاله في حال وجود إرادة شعبية رافضة لكل الوعود والشعارات التي أثبتت فشلها منذ تجربة أفغانستان وصولا للرقة والتي لم تفلح سوى بتدمير الإنسان المسلم، قبل غيره، وتقوية المستبدين.

 

 الكاتب : محمد دغمش